انقلاب عسكري أو انفجار جهنمي
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
ماذا لدينا الآن سوى اجترار تلك الأسئلة المملة ؟ الى متى نلقي اللوم على الآخرين في ما أصابنا، ويصيبنا ؟ نحن الذين نقف كما طوابير الماعز أمام صناديق الاقتراع، نقف كما الماعز أمام الصيدليات الفارغة، والدكاكين الفارغة، ومحطات الوقود الفارغة…
لا دولة بل لوياجيرغا الطوائف (المافيات)، ولا شعب بل ركام. هكذا وصفنا المطران الجليل جورج خضر، وهكذا قال فينا جمال باشا السفاح، بعد ليلة المشانق في ساحة البرج، الفقاعة البشرية. أي مهزلة تلك حين يتوقف غضبنا عند اقفال الطرق ؟ اقفال الطرق أمام من، في حين أن الصعود الجنوني للدولار يطحن عظامنا ؟ من يقطعون الطرق هم قهرمانات السلطة، وهم قتلة الصرخة…
قبل أن تسقط الدولة، سقطنا كرعايا ترعرعنا على الغرائزية، وعلى الزبائنية، وعلى التفاهة. هذه ثقافة الحثالة لا ثقافة من غنت لهم فيروز جيران القمر، وهم الهياكل العظمية التي تتكدس عند أبواب القضاء والقدر.
اذا تناهى اليكم ما يقال في المنظومة السياسية عندنا. كونسورتيوم الأفاعي. ادارة مغارة لا ادارة دولة. هكذا نحن من البداية. لبنان الأبيض ولبنان الأسود. منذ الثنائي بشارة الخوري ـ رياض الصلح، وذاك الميثاق الوطني العجيب، متى حاول أهل السلطة عندنا بناء دولة تليق بالمخلوقات البشرية لا بالماعز البشري ؟
قرأنا ما قيل في انذار السيد حسن نصرالله حول استيراد البنزين والمازوت. نجوم السيادة (أم غربان السيادة ؟) هبوا للدفاع عن شرف الدولة، وعن كرامة الدولة. هؤلاء ورثة من سلّموا ظهورهم لياسر عرفات (1969 )، قبل أن يضعوها بتصرف آرييل شارون (1982).
نستذكر ما قاله يهوشوا ساغي، وكان، آنذاك، رئيساً للاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان «دولة بالمزاد العلني». من يشتري هذه الفضيحة ؟
حتماً نحن مع القضية الفلسطينية، ومع الدم الفلسطيني، ومع التراب اللفلسطيني. لكننا لبنانيون أيضاً، ويفترض أن نكون في دولة لا في الأدغال.
هؤلاء الذين يعتبرون أن سلاح حزب الله الذي دحر الاحتلال، وكرس معادلة توازن الرعب مع عتاة الهيكل، تجاوز للشرعية التي ينتهكها «الطيران الاسرائيلي» منذ الخمسينات من القرن الفائت، ألا يعرفون أنه ليس باستطاعة دركي في دولتنا الغراء، الدخول الى أي مخيم للاجئين الفلسطينيين (وهم اشقاؤنا) ؟ غداً، لن يكون باستطاعة دركي أن يدخل الى أي من مخيمات النازحين السوريين (وهم أشقاؤنا) !!!
أكثر من مسؤول أمني يتخوف من أن تؤدي الضائقة المعيشية القاتلة، الى وقوع انفجار ما (وهم يشيرون الى منطقة بعينها) لا يلبث أن ينتقل، بالعدوى، الى سائر المناطق، لتندلع الفوضى الجهنمية، الفوضى الدموية، فيما المشكلة (أيها السيد يهوذا) في تسمية الوزيرين المسيحيين. أحد الكهنة سأل في قداس الأحد «وهل هما بطرس وبولس ؟». يا أبانا الذي في السموات، هل أتاك خبر يهوذا اللبناني ؟!
لا ينفي هذا وجود يهوذا الأميركي، ويهوذا العربي، في عقر دارنا. خطيئتنا، وكما كتب دنيس روس، الأقرب الى أذن جاريد كوشنر، وأيضاً الأقرب الى أذن ديفيد شينكر، أننا لم نفتح الأبواب لـ»صفقة القرن» التي تقضي باقامة كانتون فلسطيني على الأرض اللبنانية.
أكثر من ذلك، وأخذاً بطرح عربي، توطين النازحين السوريين في لبنان لاحداث تغيير ديموغرافي (طائفي) بصيغة دستورية أخرى بعد سقوط الصيغة الراهنة.
لا أحد ضد السلام، السلام المتكافئ، لا سلام الذئب والحمل، ولا سلام الحاخام والقهرمانة. مصر نموذج مختلف، كدولة عريقة لم يتم تركيبها في أروقة قصر فرساي، ولا تحت خيمة سايكس ـ بيكو. أما الأردن فهو حالة خاصة.
ونحن نتدهور على ذلك النحو الكارثي، نقول لقائد الجيش «أيها الجنرال جوزف عون، أنت أمام مهمة تاريخية. أيهما أفضل انقلاب عسكري يأتي بحكومة من الأدمغة النظيفة، بنظافتك، أم الانفجار الذي يعني نهاية لبنان ونهاية اللبنانيين» ؟! بانتظار دباباتك…