هذا شي قليل عن الحزب
الدكتور علي مطر | كاتب وباحث لبناني
يستطيع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أن يختصر كل مشهد القوى والقوة في الإقليم بعبارات مكثفة. “100 ألف مقاتل” كفيلة أن تظهر قوة الحزب من ناحية، والتموضعات الإقليمية الكبرى من ناحية أخرى. هكذا يظهر حزب الله لاعباً إقليمياً فاعلاً وقوياً يهاب جانبه، فالرسالة وإن كانت تحت مسمى ميليشيا “القوات” التي ارتكبت جريمة الطيونة، إلا أنها وصلت إلى واشنطن و”تل ابيب” وعواصم أخرى معروفة الصلة بدعم القوات والوقوف خلف عنترياتها، فالمواجهة مع حزب الله مختلفة بالمسار والسلوك وحسابات الميدان بالدم والنار.
قال السيد نصر الله لـ”القوات” ورئيسها “لا تخطئوا الحساب واقعدوا عاقلين وتأدبوا وخذوا العبر من حروبكم وحروبنا”، وتابع “خذ علماً بأن الهيكل العسكري لحزب الله وحده يضم 100 ألف مقاتل”، مستدركاً أن “هؤلاء المقاتلين لم نجهزهم لحرب أهلية بل لندافع عن بلدنا في وجه الأعداء”، أي أن عدونا هو “إسرائيل” بوصلة الصراع، ومع مؤشر الاتجاه هذا وصلت الرسائل إلى من يعنيهم الأمر، فحزب الله اليوم ليس حزب الـ2000 والـ2006 وحرب سوريا، هو بات أقوى بكثير ويعادل جيوش دول بأكلمها، وهذا ما يفهمه مشغل “القوات” الأميركي والإسرائيلي.
هذه المقاومة وفق ما يعبر سيدها قدمت التضحيات ليس من أجل أن توجه سهامها إلى الداخل، بل إن اصل قيام هذه المقاومة هو لمواجهة العدو الإسرائيلي، وهنا يظهر كيف يفهم حزب الله ويقرأ اللعبة جيداً، على عكس واشنطن وحلفائها، فقد تحول حزب الله إلى حزب يملك من الجهوزية، والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه دول، ويحمل في جعبته السياسية أبعادًا إقليمية، وقوة عسكرية، وتأملات نموذجية عبرت حدود العالم، فغدت قوة رادعة، لها ثقلها وحضورها.
دائماً كان حزب الله يحقق الانتصارات، لكن ايضاً دائماً يرسم ويثبّت معادلات غيّرت المحاور القتالية؛ من ايار إلى تموز إلى سوريا أصبح حزب الله قوة إقليمية لا يُستهان بها، واكتسب خبرات متعددة في ظروف بيئية مختلفة أرّقت العدو الإسرائيلي. اليوم ثمة مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش، أن الانتصارات الكبرى التي حققها حزب الله في سوريا وصولاً إلى معادلات القوة التي لعبها في لبنان خاصةً مع المعادلة الأخيرة التي سطرها بوجه الجيش الاسرائيلي بقصف الصواريخ، ومن ثم تحدي العدو من خلال كسر الحصار وإدخال ناقلات النفط دون أن يتجرأ أحد على قصفها، جعلته يلعب دوراً إقليمياً عابراً لدوره المحليّ، وجعلته ينطلق من الحماية لمناطقه وعمقه الاستراتيجيّ، إلى ركيزة أساسيّة للدّفاع عن محور المقاومة، وتحقيق إنجازات قلبت المعادلة العسّكرية، وساهمت في إفشال مشروع الشّرق الأوسط الجديد.
هناك حقيقة أخرى لا تقل أهمية عما تقدم، هي أن ما كان يخاف منه العدو الإسرائيلي حصل، فقد استطاع حزب الله أن يُنمّي قدراته العسكريّة لمحاكاة أساليب القتال في مختلف الظروف والبيئات الجغرافيّة المحيطة بأيّ معركة، ومن ثمّ قام بتأمين خطوط الدعم الاستراتيجيّة لإدخال السلاح والصواريخ الدقيقة التي باتت الشغل الشاغل لـ”إسرائيل”. هكذا أصبح حزب الله لاعباً إقليمياً قوياً، وهذا ما تلمسه دول كبرى كروسيا والصين وأمريكا وغيرها. الرسالة الأهم والأبلغ اليوم هي أن حزب الله هو تهديد استراتيجي لـ”إسرائيل” عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ تجعل العدو الإسرائيلي يحسب الحسابات قبل الدخول في أي حرب بمواجهة المقاومة.
يعلن سماحة السيد حسن نصر الله عن وجود 100 ألف مقاتل يزلزلون الجبال، ويغيرون وجه المنطقة في معادلة القدس القادمة، فكيف إذا تحدث سماحته عن عدد صواريخ حزب الله الدقيقة، وقدراته العسكرية الأخرى التي باتت لا تحصى. رقم 100 ألف مقاتل انشغل به الإقليم كله ودوائر قرار عالمية، فكيف إذا أعلن عن القدرات العسكرية التي لا تزال سراً لا يمكن التكهن به حتى من قبل واشنطن و”تل ابيب”؟
بحسب بعض التقديرات الغربية فإن حزب الله يمتلك 150 ألف صاروخ، دون الحديث عن الصواريخ الدقيقة، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، لكن هذه التقديرات التي كانت تظن أن حزب الله زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب، تبدو خاطئة، فعديد حزب الله العسكري اليوم هو 100 الف مقاتل، فكيف بسلاحه وعتاده؟ وفي هذا الإطار، تقول مجلة “فورين أفييرز” إن قدرات حزب الله العسكرية تفوق القدرات التي يعرفها العالم عنه، مشيرة إلى قول وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، في شباط/ فبراير، إن قدرات حزب الله في تزايد مستمر.
إذاً، هذا شي قليل عن حزب الله، إن كنتم تجهلونه.