مناورات الناتو “نسيم البحر ” – المشاركة المصرية دليل آخر على فشل السياسات الخارجية والخيارات الإستراتيجية لنظام السيسي
حيان نيوف | باحث سوري في الشؤون السياسية
مصر تشارك في مناورات “نسيم البحر” التي سيجريها حلف الناتو في البحر الأسود ، هذه المناورات التي حذرت منها موسكو وشككت بأهدافها واعتبرتها موجهة ضدها .. فلماذا هذا إلاصرار المصري على المشاركة في مناورات عسكرية مع أعداء روسيا التي لم تبخل على مصر طوال سنوات ودعمتها في كل المحافل ومن خلال العلاقات الثنائية ( الاقتصادية والسياحية والعسكرية والصناعية والتسليحية ) ..؟!!
الموقف المصري الذي أقل ما يقال عنه أنه خطيئة استراتيجية لا تغتفر ، من الواضح أنه أثار حفيظة موسكو التي فوجئت على ما يبدو بالقرار المصري ، وهي التي تتعرض لمحاولات أمريكية غربية تتمثل بالتضييق عليها في منطقة البحر الأسود ، وهي التي كانت تأمل توسيع نفوذها إلى البحر الاحمر ، وما جرى من حرمانها من تثبيت قواعد بحرية عسكرية لسفنها وبوارجها وقطعها البحرية على شواطئه ، وهذا ما اتضح بالامس القريب عندما ألغى المجلس العسكري السيادي في السودان الاتفاقية الموقعة بين السودان وروسيا منذ عهد البشير لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية على البحر الأحمر ..
روسيا التي قدمت الكثير من المغريات لمصر ، في مجال الصناعة لإنشاء منطقة صناعية ، والطاقة النووية من خلال الإتفاق على بناء مفاعل نووي ، والسياحة حيث من المتوقع أن يصل عدد السياح الروس في مصر إلى مليوني سائح ، وفي مجال التسليح العسكري من خلال طائرات سو35 التي اعترضت عليها واشنطن ، ومنظومات الدفاع الجوي الروسية وغيرها ، تشعر اليوم بالصدمة من القرار المصري ..
الصدمة الروسية من الخطيئة المصرية لم تدم طويلا ، ويبدو أن روسيا سارعت إلى الرد الاستراتيجي ولوّحت بعصا غليظة في وجه السيسي تمثلت بموقفين مستجدين من القيادة الروسية في ملفي ( ليبيا و أثيوبيا ) ..
في الملف الليبي وعشية مؤتمر برلين ، جاء تصريح وزير الخارجية الألماني ليؤكد الرد الروسي على مصر بقوله “يبدو أن روسيا و تركيا متفقتان على أن سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا سيكون بشكل تدريجي” ،وهو ما يعني فشل المؤتمر في اجبار تركيا على سحب قواتها من ليبيا ، وهذه ضربة كبيرة لمصر التي لم تحسب الأمور جيدا ..
وفي الملف الأثيوبي كان الرد الروسي أكثر وضوحا عندما استقبل لافروف اليوم في موسكو وزير خارجية أثيوبيا وكان واضحا حفاوة الاستقبال وحرارة اللقاء ، وما تبعها من تصريحات السيد لافروف أشاد من خلالها بالموقف الأثيوبي فيما يخص قضايا النزاعات في إقليم تيغراي والحدود مع السودان والسياسة الأثيوبية التي تنتهج النهج الدبلوماسي ، وهو وإن لم يذكر سد النهضة صراحة ، فإن تصريحاته كانت كافية لإيصال الرسالة إلى نظامي السيسي والبرهان ..
مرة أخرى تثبت القيادة المصرية أنها لا تستطيع الخروج من بيت الطاعة الأمريكي مهما بلغ حجم المغريات والمكتسبات التي يمكن أن تحصل عليها من دول عظمى كروسيا والصين وسواها ، و بالأمس القريب تفاجأنا إلى حد الدهشة بالسعادة العارمة التي أبداها السيسي لمجرد تلقيه اول اتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي بايدن منذ وصول الاخير للبيت الأبيض ..
موقف السيسي يذكرنا بموقف السادات الذي راهن عليه السوفييت ، في الوقت الذي كان ينظر للعلاقة معهم على أنها مناورة هدفها دفع الأميركيين والإسرائيليين للتشبيك معه ، ولو قرأ السيسي التاريخ جيدا لكان فهم دروسه وتعلّم منها ما حلّ بالسادات ، وما حلّ بمصر لاحقا ،ولما استبدل قروض البنك الدولي بعلاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية مفتوحة وهائلة مع روسيا كانت كفيلة بتحويلها إلى دولة عظمى يحسب لها حساب ( أتستبدلون الذي هو انى بالذي هو خير )