كتب نبيه البرجي | إقفال البحر الأحمر أمام أثيوبيا؟
نبيه البرجي كاتب وباحث سياسي
تراها خطيئة الله، أم خطيئة التاريخ، حين تكون دول عربية كبرى رهينة في بقائها، وحتى في وجودها لدول المحيط ؟ مصر والسودان في قبضة أثيوبيا ما دامت تمسك بمفاتيح النيل. سوريا والعراق في قبضة تركيا التي تتحكم بدجلة والفرات. أجزاء من بلاد الرافدين، وهي مهد الحضارات (والميثولوجيات) الكبرى، تحصل على المياه من أنهار سيروان والكارون والكرخة الايرانية…
وحده لبنان، بالجبال التي تكتنز الثلوج ربما من بدايات الخليقة، يذهب بالعاصي (العاصي على منطق الطبيعة) الى سوريا وتركيا. الأنهار الأخرى تذهب هباء في دولة الهباء. هل كان سريالياً المشروع الذي طرح من عقود حول مد شبكة من الأنابيب لتزويد الخليج بالمياه، على أن يكون لبنان محطة لتصدير النفط عبر المتوسط؟
ماذا يستفيد لبنان من العاصي الذي تحيط به الأراضي القاحلة؟ وكنت قد نقلت ما قاله لي خبير تونسي في “الفاو”، وهو مثقف على الطريقة الديكارتية، عقب جولة له في المنطقة، “ضع 5 عائلات يهودية هنا، وعد بعد 10 سنوات، لسوف ترى أن قطعة من الجنة انتقلت الى ضفاف العاصي”. يا صاحبي، نحن خلقنا لنكون قطعة من جهنم!
كالعادة عشية كل مرحلة من ملء سد النهضة، تعلو صرخة مصر. نعلم الى أين تقود الطريق الى جامعة الدول العربية (استراتيجية الأراكيل). الطريق أقصر وأفضل الى حائط المبكى. ولكن ماذا استطاع مجلس الأمن أن يفعل حيال المراحل الثلاث؟
آبي أحمد، كوريث لمملكة يهوذا، ينظر من أعلى الهضبة الأثيوبية الى القوى العظمى، حتى حين تكون تيغراي خنجر النار في الخاصرة.
مصر أمام مفترق وجودي. سامح شكري قال: “ان ممارسات اديس ابابا تشكل خطراً كبيراً على مصر”. هذا رأي وزير الخارجية، ما هو رأي وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي. هل يبعث يقاذفاته ودباباته الى السد أم يأمر القطع البحرية باقفال البحرالأحمر أمام أثيوبيا؟
أثيوبيا بالـ 1.104.000 كيلومتر مربع والـ 125 مليون نسمة، دولة “حبيسة”، وهي تلجأ الى البلدان المتاخمة، والمشاطئة للبحر الأحمر(السودان، جيبوتي، الصومال، آريتريا) في تجارتها مع العالم. وكانت تمتلك قبل استقلال اريتريا، اسطولاً بحرياً صادرته جيبوتي عام 1996، وباعت بعض قطعه بالمزاد العلني لعجز الحكومة الأثيوبية عن تأدية رسوم المرافئ!
اللافت ما أعلنه، في حزيران 2021، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأثيوبية دينا المفتي، من أن بلاده تعتزم انشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر. لا شك أن الاستخبارات المصرية، المعروفة برصدها الدقيق لخفايا المنطقة، تابعت المحادثات السرية بين مسؤولين “اسرائيليين” ومسؤولين أثيوبييين حول بناء سلاح بحري أثيوبي، على أن تكون القاعدة في اريتيريا باعتبار أن السكان هناك “يكرهون العرب”!
آبي أحمد قال للعالم أن الانتهاء من المرحلة الرابعة يمكّن حكومته من تأمين الكهرباء لـ 65 مليون نسمة. خبراء مصريون يؤكدون أن اثيوبيا الثرية بالثروات المائية (12 نهراًكبيراً و 22 بحيرة) اقامت محطات لتوليد الطاقة في معظم مناطق البلاد، كما أن كمية المياه المتجددة سنوياً تناهز الـ 122 مليار متر مكعب.
كعرب، وأمام قضايانا الكبرى، احترفنا ثقافة الضجيج. ما يتردد الآن من كلام تكرار لما تردد في المراحل الثلاث السابقة، قبل أن نعود الى الاسترخاء عل قارعة التاريخ، ان لم يكن على قارعة الزمن…
اجترار سياسي، واجترار اعلامي. اذ لا امكانية لأي مقاربة عسكرية للخطر، القاهرة تناشد واشنطن بالسياسات المزدوجة، وبتكريس الأزمات بين الدول التدخل. ولكن ألم يقل رئيس فيتنام الجنوبية نغو دينه دييم “من يسند ظهره الى أميركا كمن يسند ظهره الى الغبار”؟
مصر التي وصفها هيرودوت بـ “هبة النيل” أمام “الخطر الكبير”. ماذا اذا تحولت الدلتا الى أرض يباب؟ السودان أبتلي بحكومات عسكرية للايجار. غالباً ما كانت علاقته ملتبسة، أو مشوشة مع مصر. لا مجال للتنسيق الديبلوماسي أو التنسيق العسكري…
ليست خطيئة الله، ولا خطيئة التاريخ. ربما… عقوبة الله أو عقوبة التاريخ!!