تحليلات و ابحاثكتاب الموقع

كتب عمر معربوني | لماذا نتنازل عن حقنا وبيدنا كل أوراق القوّة .. هل من صفقة حصلت في الكواليس ؟

عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب

من البديهي ان تسعى الولايات المتحدة الأميركية عبر مندوبيها الى لبنان بدفع الأمور بإتجاه تحقيق مصالح الكيان الصهيوني انطلاقاً من التزام الولايات المتحدة ضمان كل ما يرتبط بالكيان في الأبعاد السياسية والإقتصادية والأمنية وهو أمر واضح ومفهوم لا يختلف عليه إثنان .

لكن من غير المنطقي ان يُقدِم احدٌ في لبنان كائناً من كان على تقديم تنازلات في أمر سيادي يرتبط بحق اللبنانيين وابنائهم وأحفادهم ، خصوصاً ان  ما يفاوض عليه لبنان من حقوق في المجال البحري تؤكده القوانين اللبنانية والدولية وهو ما استندت اليه قيادة الجيش في تأكيد قانونية الخط 29 وهو الخط الذي تؤكد كل محاضر الإجتماعات والبيانات الصادرة عن الرئاسة اللبنانية انه الخط الذي كُلِّف الوفد اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة بالتفاوض عليه .

وحتى تاريخ 12/2/2022 لم يكن أحد في لبنان يقول بغير قانونية الخط 29 كمنطلق للمفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي الى ان نشر الصحافي نقولا ناصيف في جريدة الأخبار ما يؤكد  أن رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون صرّح خلال مقابلته بأن “البعض طرح الخط ٢٩ من دون حجج برهنته” وأن “خطنا النقطة ٢٣، وهي حدودنا البحرية” و”حقنا الحقيقي والفعلي” وأن “تعديل المرسوم ٦٤٣٣ لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة”.

اول الردود كان من العميد الركن الطيارالمتقاعد  بسام ياسين رئيس الوفد اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة الذي استغرب شديد الاستغراب ما نقل عن لسان فخامة الرئيس وطلب من رئاسة الجمهورية توضيح مدی دقّة هذا الكلام خاصة وأنّه لم يصدر حتی الآن أي نفي عن الرئاسة في هذا الإطار.

وفي هذا السياق يجب التذكير بأن رئيس الجمهورية كان قد كلّف الوفد وأعطى توجيهاته الأساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط دون احتساب أي تاثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة أي الخط ٢٩، وقد دوّنت هذه التوجيهات في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 13/10/2020. وجاء هذا التكليف بناءً على قناعة تامة به وبعد شرح مفصّل لقانونية هذا الخط الذي يحفظ حقوق الشعب اللبناني، من خلال محاضرات وعروض علمية أجريت في القصر الجمهوري في النصف الأول من العام 2020 .

وخطورة الأمر تكمن في انّ الوصول الى اتفاق على ترسيم الحدود يتأكد بشكلين :

  • الشكل الأول وهو الوصول الى اتفاق مع الجهة المتنازع معها ( العدو الإسرائيلي ) على المساحة وهو ما لم يحصل حتى اللحظة .
  • الشكل الثاني وهو قيام السلطة السياسية اللبنانية بتأكيد المساحة عبر اعلان صريح وواضح يصدر عن جهة سياسية عليا وهو ما صرّح به رئيس الجمهورية بأن الخط 23 هو خط التفاوض ولم يصدر حوله أي نفي رسمي ما يعني حتى اللحظة ان هناك تراجعاً عن التزام تم التفاهم عليه مع قيادة الجيش ان خط التفاوض هو الخط 29 .

وحول الخط 29 يؤكد العميد ياسين أنه وبتاريخ ٢٣\٩\٢٠٢١، سلّم الرئيس عون تقريراً مفصّلاً تمّ إعداده بدقة وتوقيعه من قبل أعضاء الوفد المفاوض يتضمّن مراحل المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى تاريخه، واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة، بما يضمن مصلحة لبنان العليا في المحافظة على حقوقه في ثرواته في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وتمّ الإعلان من قبل رئاسة الجمهورية ببيان عن تسلّمه لهذا التقرير، كما تمّ تسليمه أيضاً تقريراً آخر يبيّن أحقية وقانونية الخط ٢٩ علی ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية في شأن النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال والذي بدوره يدعم ويؤكّد الحجج القانونية لتبني الخط ٢٩.

أما بالنسبة للخط ٢٣، يؤكد رئيس الوفد علی أنّ هذا الخط غير تقني وغير قانوني وتشوبه الكثير من العيوب حيث لا يمكن الدفاع عنه في المفاوضات، وأنه يوجد قرار من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تؤكد هذه العيوب وتقترح استبداله بتعديل المرسوم ٦٤٣٣ في مجلس الوزراء.

وحتى نؤكد تراجع رئيس الجمهورية عن التمسك بالخط 29 لا بد من التذكير بالحملة الهجومية التي حصلت على وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار والوزير سليمان فرنجية والاتهامات له بعقد صفقة مع الأميركيين للوصول الى رئاسة الجمهورية .

الوزير نجار الذي رفض التوقيع بداية عاد ووقع  بتاريخ 12 /4/2020  علماً ان التوقيع أتى بعد زيارة وفد من قيادة الجيش لوزارة الأشغال، حيث عُقد اجتماع قدّم خلاله الجيش عرضاً تفصيلياً لنجّار حول النقطة الـ 29، والمرسوم الرقم 6433، بهدف إحاطته بمعطيات حولهما، في ظل النقاش الدائر حول ترسيم الحدود البحرية في الجنوب.

ان ايراد هذه المعلومات والمعطيات ليس هدفه تخوين احد او وضع احد في دائرة الشبهة لا بل الهدف هو الإضاءة على امر سيادي هام وخطير .

وفي هذا السياق يبدو السؤال المنطقي : هل من صفقة حصلت في الكواليس ؟ خصوصاً ان ما نشاهده من مسارات منذ 17 تشرين 2019 لا يُنبيء بأن السلطات السياسية المختلفة في لبنان تسير نحو الخلاص من الأزمات المتلاحقة لا بل مزيداً من الشبهات حول تورطهم في التآمر على البلد وتقديم التنازل تلو التنازل على طبق من ذهب للأميركيين ومن خلفهم ربيبتهم ” إسرائيل ” .

ولننعش ذاكرة المهتمين لا ضير من التذكير بما جاء به مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية الأسبق من املاءات خلال زيارته للبنان في شهر آذار 2019 والتي تضمنت 5 عناوين أساسية يبدو ان العنوانين الأول والثاني منها في الطريق الى التنفيذ والإملاءات هي :

  • استجابة لبنان لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وهو ما يسير بأفضل مما يتمنى الأميركي وتأمين كل ما يلزم لبيع القطاع العام ( أصول الدولة وممتلكاتها ) للقطاع الخاص وهو ما يسير بوتيرة عالية ، ورفع الدعم عن كل شيء وهو ما حصل بالكامل باستثناء قطاع الاتصالات الذي تتجه حكومة ترتيب اعلان التفليس الى تنفيذه .
  • دخول لبنان في تفاهمات ضمنية ان تعذر التفاهم العلني مع كيان العدو حول تقاسم الثروة النفطية والغازية عبر مفاوضات او بدونها مباشرة او غير مباشرة والتراجع عن خط التفاوض 29 سيكون بالكامل لمصلحة العدو ، فلا شيء يُلزم العدو بعد الآن على التفاوض طالما ان حقل كاريش اصبح حقاً للإسرائيليين لا بل سيضع العدو في موقف افضل لجهة المطالبة بمقابل لحقل قانا .
  • دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني تمهيداً لتوطين قسم منهم .
  • توطين الفلسطينيين المقيمين في لبنان وهو مع دمج ومن ثم توطين اللاجئين السوريين يمكن اعتباره لغماً مؤقتاً يمكن من خلاله تفجير الوضع اللبناني من خلال العبث بالتركيبة السكانية وما تشكله من مخاطر على لبنان .
  • عزل حزب الله وتطويقه سياسياً واقتصادياً كمقدمة للقضاء عليه .

من المؤكد اننا في استعراضنا للوقائع لا بد من ان نذكر بأن الجيش اللبناني والمقاومة هما جهتان معنيتان بالدفاع عن أراضي وحقوق لبنان لكنهما ليستا جهة سياسية مخولة بإصدار القوانين والمراسيم علماً بان من هو خلف المقاومة يمتلك مشروعية شعبية واسعة يمكنها قلب الطاولة اذا ما تبين ان المخاطر وصلت الى حدود لا يمكن تحملها ، لكن يبقى ان ما يحصل من تسارع في البندين 1 و 2 من املاءات بومبيو لا يبشر بخير وهو ما يجب ان يتم التنبه له والإضاءة عليه وعدم الإكتفاء بالبيانات لا بل الذهاب نحو تنظيم حالة رافضة لكل ما يمس بسيادة وحقوق لبنان وعلى رأسها شرح أهمية المرسوم 6433 وضرورة العمل على اعتماده كمرجعية أساسية تقونن الخط 29 وكذلك التقرير الذي قدمه رئيس الوفد المفاوض لرئاسة الجمهورية .

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى