كتب ناصر قنديل | ماذا يعني ردم الفجوة الجويّة بين المقاومة و«إسرائيل”؟
ناصر قنديل | رئيس تحرير جريدة البناء
– ثمّة قواعد في سباق الجهوزية للحرب باتت تقليداً متبعاً لدى الذين يقرأون تجربة المقاومة من خبراء كيان الاحتلال، منها أن هدوء حزب الله على الجبهات يجب أن يكون مصدراً للقلق، فهو دليل على أن الحزب ينجز بدأب ومثابرة حلقة جديدة من الحلقات الكاسرة للتوازن، ولا يريد لأي تورط جانبي في مواجهة أن تكسر هذا السياق النوعي الجديد. وهذا ما قالته للخبراء تجربة الغارات الإسرائيليّة على سورية في مرحلة بناء شبكة الصواريخ الدقيقة. ومن هذه القواعد أن ما يظهر لدى كل من المقاومة في فلسطين واليمن لا يحتاج لإعادة إظهاره من جانب المقاومة في لبنان، باعتبار أن ما تظهره المقاومة هناك هو بعض ما لديها، وأن ما لديها هو بعض ما لدى المقاومة في لبنان، وبالرغم من الطابع الوطني الصرف للمواجهات التي تخوضها كل من المقاومات، والقواعد المحسوبة لاستخدام سلاحها وضبطها بشروط ساحتها المباشرة، إلا أنها في وجه من وجوهها هي مناورة حيّة للمقاومات الأخرى لعرض الإمكانات وفعالية استخدامها، ولذلك لا حاجة لتظهير فاعلية سلاح الطائرات المسيرة لدى حزب الله وقد أظهرت تجربة اليمن مع الإمارات فعاليته، ولا حاجة لتظهير فاعلية سلاح الصواريخ وقد حملت معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة في غزة، مشهداً كافياً عما سيلحق بعمق الكيان في منازلة مقبلة تعادل أضعاف ما جرى، كذلك لجهة الجمع بين الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة، وقد كانت تجربة استهداف آرامكو مثالاً صارخاً، ومثل كل ذلك ما يجري من توغلات برية لأنصار الله داخل العمق السعودي، مثال لما تستطيعه المقاومة في الجليل لاحقاً.
– ينطلق الترقب الإسرائيلي لتنامي قدرات المقاومة من التسليم بأن زمن التفوق الناري قد انتهى وربما يكون انقلب لصالح المقاومة، بالرغم من القدرة التدميرية لسلاح الجو الإسرائيلي، بالمقارنة مع القدرة التدميرية الهائلة لسلاح الصواريخ وكثافتها في ظل الفشل الذريع للقبة الحديدية في التعامل معها، في أي حرب مقبلة، وأن التفوق البري صار محسوماً لصالح المقاومة القادرة على منع اختراق جبهتها والقادرة على اختراق الجبهة المقابلة، وأن التفوّق البحري المحدود الفاعلية في أي حرب سيقابل بصدّ صاروخيّ ليس ما حدث في حرب 2006 مع المدمرة ساعر إلا بعضاً يسيراً منه، وقد تسلّحت المقاومة بصواريخ ياخونت الروسية الشديدة الفاعلية والدقة، كما يقول الإسرائيليون، ولذلك عندما يتحدث الإسرائيليون عن فرص تفوق أو توازن في الحرب المقبلة فهم يتحدّثون حصراً عن رهانهم على تفوق سلاح الجو، استناداً إلى ثلاثة عوامل، أولها حجم هذه السلاح بعدد طائراته الحربية ونوعية هذه الطائرات التي يتم تحديثها ويضاف إليها آخر ما تنتجه الترسانة الأميركية. والثاني هو درجة الخبرة العالية لسلاح الجو في الاستهداف في ظل تفرّده المطلق في أجواء المنطقة وجولاته الاستطلاعية المتواصلة على مدار الساعة واللحظة منذ نصف قرن. والثالث هو غياب سلاح دفاع جوي فعال في الجبهات المقابلة، كما تقول الحرب في اليمن وغزة، وما ينتج عن كل ذلك من حصانة معنوية لمنع تسرّب عدوى اصابة الروح التي تجتاح كل فروع جيش الاحتلال، بحيث يبقى القلق الوحيد هو من حجم الأذى الناتج عن إصابة المطارات ومدرجات الإقلاع والهبوط لطائرات سلاح الجو، بواسطة الصواريخ الدقيقة، سبباً لذعر استراتيجي لدى قيادة الاحتلال.
– ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً مهم جداً ولافت جداً، لما هو أبعد من الكشف عن امتلاك المقاومة لشبكات دفاع جويّ. فهذا ما قاله مسؤولون إسرائيليون منذ سنوات، كتعبير عن أحد مصادر القلق الجديدة لمفاجآت الحرب المقبلة. فالجديد هو ما تضمنته التقارير الإسرائيلية عن قيام المقاومة بنصب بعض هذه الشبكات بصورة تتيح للإسرائيليين التعرّف إلى وجودها، وهو ما يُسمّى بردع السماح بالدخول الى المطبخ، أي أن المقاومة فتحت شباكا على مطبخها أو تركت الباب موارباً على زاوية معيّنة للرؤية، وتركت الإسرائيلي يتلصص وهي تعرف ما تتيح له أن يراه، بما يتيح للإسرائيليّ أن يرى بعضاً تريد المقاومة له أن يراه، وهو لا يعلم سواه ولا يعلم ما خفي من الصورة. وهذا وفق العيون الإسرائيلية المراقبة إعلان إنجاز المقاومة بعد سنوات من العمل الدؤوب لبناء وتجهيز شبكة دفاع جوي ظهر منها ما أرادت المقاومة تظهيره، ووفقاً لقواعد الحرب الجوية، وحجم التداخل بين الأجواء اللبنانية والسورية فهذا الظهور يفسّر الصمت اللبناني والسوري تجاه الغارات “الإسرائيليّة”، ويعني أن مرحلة جديدة بدأت، تكون فيها بتوقيت يختاره المعنيّون في محور المقاومة بكل أطرافه ظهور سلاح الدفاع الجوي بإسقاط طائرة حربية متطوّرة معادية في أجواء سورية او اليمن او غزة أو لبنان، إيذاناً بنهاية العصر الذهبي لسلاح الجو الإسرائيلي، وانتقال عدوى انهزام الروح التي أصابت كل اسلحة البر والبحر الإسرائيلية الى سلاح الجو، درّة تاج جيش الاحتلال.