كتب ناجي امهز | المشهدية الكاملة لطقوس المقاومة في العرض العسكري، وماذا ينتظر المستوطنين الصهاينة، واحتلال الجليل.
ناجي امهز | رئيس تحرير موقع الإعلامي
خلال أسبوع واحد تم تسجيل آلاف الأسماء والمؤسسات الإعلامية، من أجل المشاركة في مشاهدة طقوس المقاومة في الدفاع عن لبنان.
لا تستغربوا أن أسميتها طقوس المقاومة، ولم اسميها مناورة المقاومة العسكرية، فهؤلاء الأبطال لا يناورون، وعندما تقراون روايتي كاملة، ستجدون أننا كنا بحضور مقاومين من نور ونار كتب لهم النصر، كما كتب في قانون الفيزياء الكونية أن النار تقهر كل شيء.
وصلت مكان التجمع للانطلاق في رحلة رسمت تضاريسها، بمخيلتي وكيف ستكون، وهل سأشاهد الذين قهروا واذلوا الجيش الذي لا يقهر في جنوب الكرة الأرضية، والذين انتصروا على الإرهاب والإجرام التكفيري في شمال الكرة الأرضية، هل سأضع قدمي حيثما وضعوا أقدامهم، وأتيمم بترابهم، وأعيش وان كانت ساعات في مجالسهم وبحضورهم، وكان عقلي يردد بلا توقف شعر عمر الفرا رجال الله، “جنوبي الهوى قلبي وما أحلاه أن يغدو هوى قلبي جنوبيا”.
اقتربت لأرمي التحية على الحاج محمد عفيف وأشكره على إتاحة الفرصة المشاركة بهذا الحدث التاريخي وفي ذكرى مفصلية غيرت وجه منطقة الشرق الأوسط 25 أيار 2000، ولكن على غير عادة، وجدت علامات التعب واضحة على وجه الحاج محمد، وكأنه لم ينم أو ارتاح منذ أسبوع، حينها أدركت بأن شيئا ما كبير كان يحضر من أجل هذه اللحظات التاريخية، والتي ضج بها الإعلام المحلي والعالمي، أنها مناورة عسكرية غير تقليدية تحصل بتوقيت استثنائي تفرضه معادلة تهديدات العدو الإسرائيلي، ورسم خطوط التوازن الإقليمية، وقد كتبت عشرات المقالات وصدرت مئات التصريحات حول المناورة وعن أبعادها المختلفة ورسائلها المتعددة.
كانت الحركة متسارعة وحضور كثيف يزاحم المكان، وأسماء كثيرة ألغيت رغم الطلب بالتوقف عن تسجيل الأسماء إلا أنه هناك مئات الأسماء التي تشارك، وكالات، اذاعات، فضائيات، صحف مواقع، الإعلام متواجدا بكثافة على اختلاف اهدافه ولغاته ومشاربه، ومن مختلف دول العالم.
ويتميز مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله بدقته الشديدة في ترتيب الأمور وتنظيمها وحرصه الكامل على أن يكون كل شيء مدروس بعناية فائقة من أجل سلامة الجميع، وخاصة أن تجاربه الناجحة في هذا الحقل وعمرها عقود.
اقتربت لآخذ مكاني حيث كانت السيدة رنا الساحلي، تتأكد من الأسماء، ثم استقبلني الحاج محمود شرقاوي، الذي أشعر بالسعادة عندما أشاهده فهو مليء بالطاقة الإيجابية والرضى.
صعدت مكاني في الحافلة للانطلاق نحو صناعة النصر، ميدان الأقوياء، مطهر الأنقياء، اتباع الأنبياء، أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركع سجد يبتغون فضلا من الله ورضوانا.
نحو أرض ومعسكرات الرضوان.
طيلة مسافة الطريق الجميع في صمت، رهبة المكان الزمان، كل إنسان منا في قلبه وعقله ألف حكاية وقصة عن رجال الله، منها من يصل حد الأسطورة ومنها من يبكيك حتى تنهمر الدموع دما، وهناك روايات عن قداسة وطهارة ونبل هؤلاء المقاومين الوطنيين الذين لم يعرفوا الغدر أو الحقد يوما.
“كتب أحدهم مرة، هل تخيلت أن تخرج من الأسر والتعذيب والتنكيل والقهر، وتشاهد أمامك جلادك الذي تعامل مع العدو الإسرائيلي ضدك، وتقول له إنني لن أقول لك أو افعل بك شيء، لان قائدنا أمرنا، أن نحتكم نحن وإياكم أمام القانون اللبناني، ولان كل عذابي ونضالي هو من أجل حماية سيادة وبناء لبنان، ومن أجل لبنان يهون كل شيء.”
نعم حتى في الغرب هناك من قارن ما بين المقاومة الفرنسية وما فعلته بعملاء النازية حيث نفذت بحقهم احكام ميدانية ومثلت بجثثهم، وبين المقاومة الإسلامية وما فعلته مع عملاء إسرائيل، الذين منعت حتى توجيه كلمة نابية لهم أو حتى حصل “ضربة كف”.
حطت رحالنا، وبدا هواء الجنوب العليل يتغلغل في أنفاسنا ونفوسنا المعتزة بهذا الفيض من السحر الطبيعي بريشة الخالق التي تمتد على الأودية بين السهول والهضاب والجبال ، وكل شيء هناك يردد صداها الشكر لله على نعمة وجود السيد نصر الله ورجال الله، الذين رفعوا نير الاحتلال عن هذه البقعة المباركة التي ما زالت بكرا على خميرة ربها.
حقيقة ما أن تلمس قدمك التراب تستذكر أيام الفلاحة والحصاد، عندما كنت تشاهد جدك وهو يشق الأرض الصلبة بمعوله لتأكل من خيراتها، وهنا لن تحتاج إلى الكثير ربما تكتفي بحبة زيتون وكوب شاي ساخن، وستشعر أنك إمبراطور على إمبرطورية مترامية الأطراف، فأنت في الجنوب، الذي كتب اسمه في التاريخ والمستقبل بحروف من ذهب، أطال الله بعمر السيدة فيروز عندما غنت ” إسوارة العروس مشغولِة بالدهبْ، وإنتْ مشغول بقلوبْ يا تراب الجنوبْ، رسايِل الغِيَّاب مكتوبِة بالسهر وإنت بالعزّ مكتوب يا تراب الجنوبْ، وبتولع حروب .. وبتنطفي حروبْ وبتضَلّك حبيبي يا تراب الجنوب”
تجمهرنا أمام مدخل المعسكر، كأننا شهود في يوم موعود، ننتظر الإشارة من الحاج محمد عفيف، بإذن دخول جنة معسكرات الرضوان التي أعدها رجال الله.
كان الوقت ثقيلا للغاية ونحن ننتظر، صدقا مسيرتي من جبيل إلى هنا، كانت أقصر بعشرات المرات من الدقائق التي انتظرتها عند مدخل المعسكر، شعرت كأنني طفل أريد اركض إلى الداخل واستكشف هذا العالم الخفي، هنا ساجدا سوبرمان البطل الجبار الذي لا يقهر، وأيضا سأعيش التاريخ مع القائد الفينيقي هانيبعل عندما اجتاز جبال الألب، اريد ان اسلهم كل تلك الاسئلة، هلق حقا ان الرصاص لا يخترقهم، وان الطائرات والاجهزة المتطور في دبابات الميركافا لا تستطيع رؤيتهم، وان عبواتكم وحتى ان فجرت قربكم تصيب عدوكم ولا تصيبكم، وعندما أخرج من هنا سأكون امتلك كل الأبجدية الجديدة أبجدية النصر، وسأخبر أولادي وجيراني لسنوات طويلة عما عشته في هذه الزيارة.
نعم أنا اشعر بما يشعر فيه رائد الفضاء عندما يشاهد الكرة الارضية من زاوية مختلفة. وما أن خطت أقدامنا المعسكر، حتى شعرنا بأننا حصلنا على ملايين الأجوبة لملايين الأسئلة.
يا إلهي أننا في عالم آخر.
نعم الآن فهمت لماذا إسرائيل مستعدة أن تقاتل كل الدنيا ولا تجرؤ حتى على الاقتراب من التراب اللبنانية.
البداية مع النشيد الوطني، وكمْ أتمنى لوأن غالبية الشعب اللبناني يستمع خصيصا إلى نشيد لبنان بمثل هكذا ظروف وأجواء، هنا تشعر بالوطنية والمواطنة وبأنك مستعد أن تروي تراب بلدك بدمك، تشعر بالانتماء إلى الأرض والجغرافيا، النشيد هنا مختلف عما تسمعه في منزلك أو مكتبك تحت نعيم المكيف، أو أنت متمدد تحتسي شرابك المفضل.
لذلك الفرق كبير، بين هؤلاء الذين يؤدون التحية للعلم اللبناني، ويدهم على الزناد بحالة تأهب دائمة للدفاع عن لبنان، وبين الذين يحدثونك ليلا نهار عن السيادة وهو يجلسون خلف مكاتبهم أو هاوتفهم التافهة فقط للتغريد والتحريض، ويصدعون رأسنا بالوطنية التي لا يعرفون عنها شيء، الا بمقدار ما يعطيهم الوطن من مكاسب ومناصب دون يعطوا الوطن حتى الراحة من تافهتهم.
بدا العرض العسكري.
لا أعرف أن كنت أضحك أو ابكي.
اضحك عندما أسمع أحدهم يتكلم عن أفكار أو يطرح نظريات لمواجهة أبطال المقاومة، أو نزع سلاحها، وحتى الذين يعتقدون أن هناك قوة بالمنطقة قادرة على النيل منها، أو من يهدد بحمل السلاح ضدها.
ما هذا الهراء والخرف السياسي والخلل في فهم الأمور وموازين القوى، أن الشخص الذي لا يميز بين القبيح والجميل هو يعاني من اختلال ذهني، لو لم تتهمني الناس بالجنون بعد ما شاهدته في المناورة العسكرية لكان عنوان مقالي “مسكين العدو الإسرائيلي” حقا مساكين هؤلاء المستوطنين لأنهم لا يعرفون ماذا أعدت لهم المقاومة.
من يصدق أن جدارا عازلا يحمي من اجتياح الألوف من المقاومين للجليل، واحتلال المباني والمنازل وحتى السيطرة على الإدارات والمرافق العامة في فلسطين المحتلة.
ومن يصدق أن بعض الدشم أو مراكز العدو الإسرائيلي قادرة أن تؤخر هجوم احتلال الجليل، واي طائرات حربية وقبة حديدية هذه التي ستقلب المعادلة.
من يصدق أن بعض معسكرات العدو هي الضمانة لهؤلاء المستوطنين، بل هي أهداف أولية وأولوية عند المقاومين الذين سيجتاحونها ويحتلونها ويصادرون الأسلحة المتواجدة بها، ويستخدمونها ضد العدو الإسرائيلي نفسه.
ومن يهدد من بالموت، هؤلاء المقاومين هم بالأساس شهداء أحياء نصفهم في الدنيا ونصفهم الآخر في ملكوت السموات، منذ لحظة ولادتهم لم يولودوا لينحنوا.
ومن يزايد على من، أنهم لبنانيو أبناء هذه الأرض أبا عن جد الجد عن الجد، وملحها وترابها وشجرها وهوائها وبحرها ونهرها.
الجنوب هو لبنان والله كان يعرف أن في الجنوب ستسكن هذه الفئة التي اسمها اليوم حزب الله، منذ أن اسمي الله في التواراة هذا لبنان، الله لم يسم جبل لبنان لبنان، بل سمي جبل عامل وقانا وتلك الجبال التي نظر إليها موسى، فموسى لم يكن في بيروت أو الكرنتينا كي ينظر إلى جبل لبنان، بل كان في فلسطين ونظر إلى الجنوب فخاطبه الرب بخطابه.
ونظر موسى إلى الشمال، إلى أرض لبنان والجبال! وهذا الجبل لمن؟ قال! أغمض عينيك!!! محال! أجابه الله بصوت زلزال… وقف لي، هذه الأرض والجبال، لن تطأها، قدماك، ولا كل ما عندك من رجال!!! لبنان وقف الله الآن وإلى لازال. (يشوع بن سياف 1/4، حزقيال 30/3,31/15).
أيها الصهاينة أغمضوا أعينكم وارحلوا من هنا. ارحلوا واليوم قبل الغد
لا مكان للعدو الإسرائيلي على أي شبر من تراب لبنان.
حيثما أشار السيد نصر الله أنها أرض لبنانية باعتراف الدولة اللبنانية فإنها أرض لبنانية، عليكم الخروج منها.
اخرجوا عما تبقى من أرضنا، ارحلوا من هنا،
قياداتكم وحتى الدول التي تدعمكم تكذب عليكم، هم يعرفون ويدركون جيدا ما أعد لكم وماذا ينتظركم، لا تجعلون النظام العالمي يبني العالم الجديد على حسابكم كما بناه في الحرب العالمية الثانية.
ارحلوا من المنطقة عودوا حيث كنتم.
بعد تحرير 25 أيار عام 2000 انتهت إسرائيل وأحلامها التوسيعية، غادروا المنطقة غادروها.
فالمقاومة الفلسطينية أصبحت اقوى من كيانكم المزعوم.
والمقاومة الإسلامية في لبنان اقوى منكم ومن امتدادكم حتى الإقليمي والعالمي.
لقد انقلبت الصورة، وتغير المشهد، وتبدلت الخرائط.
إنها برسم المشهدية العسكرية التي رسمها ابطال المقاومة في 21 – 5 – 2023 عندما أظهروا أمام الجميع صلابتهم وخشونتهم وقوتهم وجبروتهم وتكيتيكاتهم وشجاعتهم وبأسهم،
ولكن أيضا أبكونا عندما سمعوا باسم العباس وأخذوا يلطمون صدورهم ويبكون وهم يرددون يا عباس السلام عليك يا عباس.
إنهم اتباع الرضوان.
اتباع الرضوان
الرضوان
وفي الختام كانت كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين حفظه الله، الذي تحدث عن السياسة بوجدان واخلاقيات عالية، وتعالي عن الصغائر وتوافه الامور،
واكد سماحته، ان المقاومة الإسلامية في جهوزية دائمة لمواجهة أي عدوان، وان معادلة الردع هي التي حمت لبنان وحمت ثرواته، محذرًا العدو من أنَّه “إذا فكرتم يومًا في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا، سنمطركم بما لا تستطيعون رده وستشهود أيامًا سوداء لم تروا لها”.
ورأى سماحته أنَّ “الأجواء الإيجابية في المنطقة فرصة ثمينة لا يجوز تضييعها وليس هناك غاية أسمى من أن تكون مقاوماتنا موحدة لرفع الظلم عن شعوبنا، وليس هناك أفضل من أن يكون العدو الواحد لجميع العرب هو الكيان الصهيوني”.
وحدد سماحته من هو العدو الوحيد حيث قال: ليس لدينا اعداء في الداخل اللبناني وعدونا الوحيد هو الصهاينة ومناوره المقاومه الاسلاميه هي رسالة لهذا العدو .
وفي الختام قام سماحة السيد صفي الدين بتقديم بندقية القائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنيّة هديّة لقوّة الرضوان.