كتب ميخائيل عوض | يا حيف … سورية وشعوب المقاومة تجوع والمحور ينتصر .. اين السر؟ ومن المسؤول؟ 4
ميخائيل عوض | كاتب وباحث
تنطق جهينة بخبرها اليقين….
جازمة بان تلازم حقبة المقاومة وتعايشها مع الفساد وتامين وحماية النظم والطغم المحاصة والفاسدة وتجويع الشعوب ونهب جهدها وثرواتها او السكوت عن تجويع الشعوب ليست ابدا منتجا عربيا فالتجربة والقيم والتاريخ، ونماذج معاصرة في الجزائرية واليمنية والبعثية والناصرية تنفي صفتها العربية، وهي بالقطع ليست منتجا اسلاميا، مادام الطابع الغالب لمحور المقاومة وفصائله اسلامية. فإسلام محمد رسول الله عليه السلام والقران الكريم وآياته البينات والمحكمات بريئة منها الى يوم الدين، ولا هي من اسلام ال البيت والامام علي والحسين عليهما السلام.
فالقران الكريم وآياته تقطع بتحريم الربى والاكتناز وتبشر الذين يكنزون الذهب والفضة بعذاب اليم. وعن اسلام حق انتصرت الثورة الاسلامية في ايران وشعارها الآية الكريمة؛ ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
وضبطت الثورة اهدافها واولوياتها بها وفي ذات السياق اكد القائد الخامنئي على ضرورة اعتماد اقتصاد المقاومة وتعزيز الصمود وتلبية حاجات الشعب الايراني كأولوية مطلقة …
وقد انب الله عز وجل في آياته الذين لا يقاتلون في سبيل الله والمستضعفين، وقد ساوى موجب القتل لله والمستضعفين في الآية الكريمة؛ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لندك نصيرا.
اما عن ال البيت والامام علي ونهج البلاغة فتحدثنا جهينة بلا حرج، وتذكرنا بقوله؛ عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه وقوله؛ ما متع غني الا بما جاع فقير…وقوله: لو كان الفقر رجلا لقتلته… ومصداق اقواله نراها اليوم ونعايشها بأم العين وفي حياتنا، فأموال المودعين والموظفين والمتقاعدين التي نهبت في لبنان نجدها في كروش وقصور وخزائن واملاك وحسابات المنظومة وزعمائها وحاشيتهم. واموال العراق بلد الخيرات والعزة وادي الرافدين وبلد الثروتين والشعب المبدع سنجدها وستكشف الايام انها في خزائن وكروش قادة العملية السياسية ومسؤولي القوى والفصائل والاحزاب التي تحالفت مع المحتل وتربعت على نهب العراق وافقار شعبه وتعطيشه وتجويعه، وتجهيله. ولن تختلف الحالة في اليمن والاخريات… نعم تجسد الافقار رجلا ورجالا وجاع الناس وليس من نصير او قائد لإشهار السيوف وقتل الفقر ومن تسبب به…
وبهذا تؤنب جهينة المفكرين الماركسيين واليساريين الذين مازالوا يعيشون في زمن الثورة البلشفية ويفسرون ارتباك محور المقاومة وتلازم الفساد مع المقاومة، بانه ناتج العقل الديني واسلام المقاومة وكذلك تصفع اليساريين والماركسيين الذين التحقوا بالليبرالية واصبحوا منظري القرن الامريكي وقد ابتلوا الاسلام بتهمة التخلف والارهاب والرجعية والاسلام براء.
ليست الحرب والعدوان والتآمر والحصار والعقوبات وحدها المسؤولة عما الت اليه شعوب محور المقاومة، وحالتها الكارثية.
فالتعايش مع الفساد، وحماية منظوماته والحفاظ على النظم المحاصصة ودساتيرها العنصرية، والمغرقة بالتخلف، والدفاع عن القائم للحفاظ عليه وتجاهل الواقع المزري والمسؤولين عنه ومحاولات تعييشه قسرا وعنوة مسؤول ايضا. ومحاولات دفن الرؤوس بالرمل، وتجاهل او التعايش مع الفساد والنهب والاحتكار والمتاجرة الفاجرة بالأم الناس، والتفاخر بالثروات وحياة البذخ والاستهلاك الفاجر، وترك الحبل على غاربه مسؤول ايضا… وكان العهد مسؤولا…..
اما المماطلة والتأجيل والمراهنة على الوقت والزمن ومفاعيله، والقول بالانتظارية، والتخندق في استراتيجيات الحقبة الدفاعية بعد ان انتهت وانتفت شروطها، وراكم المحور انتصارات عظيمة وتستوجب الانتقال الى الهجومية والمبادرة لا الانتظارية وقد قررت تجارب التاريخ الثورات والمقاومات ان الدفاعية والانتظارية موت للمقاومة وللثورة التي يصح تشبيهها براكب الدراجة الهوائية فليس له الا ان يتقدم والا سقط وهكذا تتحقق نتائج المماطلة واستراتيجية الصبر الاستراتيجي، بتفويت الفرص ومنح العدو وهو ذكي وباغ حيوي وهجومي لإعطائه الفرص والوقت لترميم قواه ومجاوزة هزائمه وتغير استراتيجياته والعودة الى الهجمات المعاكسة” ما تحقق لأمريكا بعد اقرارها بالهزيمة في العراق بتقرير بيكر هاملتون ٢٠٠٦ ومساعدتها على حفظ ماء وجهها وتمكينها بدل الضغط عليها للانسحاب مهرولة ومهزومة تبعا لقاعدة العلوم العسكرية بان عليك تشديد الضربات ومطاردة الخصم عندما يبدا الهزيمة لا منحة فرصة لالتقاط الانفاس واعادة تجميع قواه وتغيير تكتيكاته وادواته… هكذا عادت امريكا للعراق وزرعت قواعدها في شرق سورية ومستطيل الحدود السورية العراقية وفي كردستان وتحاول الهجوم المعاكس اليوم، فأمريكا وإسرائيل دول صنعت لغايات وتصنيعها يبقيها في حالة هجومية ومبادرة فعين العقل وجوهر نهج المقاومة ان تنتزع من يدها خاصياتها وان يتم تحويلها الى الدفاعية والانتظارية لا العكس الذي نعيشه. وكيفما تبحر البحث في تجارب الشعوب والمقاومات لن تجد فيها استراتيجيات للانتظارية بل جوهر المقاومة يقوم على المبادرة والمبادأة والاستباقية والحركة الدائمة واخذ العدو غفلة…
رب قائل وعن حق؛ انتم مخطئون وتجورون على المقاومات الإسلامية وخاصة الشيعية الولائية بالحكم عليها وبمقارنتها بما سبقها من مقاومات، فهي نموذج خاص واستثنائي- فلها زمن وخاصيات وعقيدة واداء واهداف مختلفة جوهريا بينما السوابق كانت تنشد حكم وعدالة الانسان الا ان المقاومة الاسلامية تبذل وتقدم وتصبر لتوفي شروط إقامة عدل وحكم الله وشتان بين النموذجين،، وغالبا فالانتظارية والدفاعية، يفسرها البعض بطول البال والاناة التي يتمتع بها الايراني ناسج السجاد بدقته، بينما هي في حقيقتها موروث شيعي، مكتسب من العقيدة الدينية، وفي اصلها، وخلال ال١٤٠٠عام طبعت الشيعية وصبرت بانتظار الامام المهدي. فترسخت كقواعد تفكير وسلوك، ونمط حياة، فمن انتظر القرون ومازال ويعد الجيوش لتحتشد خلف المهدي المنتظر، لن تغريه السرعة، والتسرع، والمنطقي الا يستعجل الانتقال من الدفاعية والانتظارية الى المبادأة والهجومية، واحداث التغيرات المتسارعة، فالتعايش مع القائم وتهيب تغييره الحدي هي من مكونات الثقافة والقيم، كما في حياكة السجاد ايضا، والانتظارية وادارة الازمات كساحات مفتوحة هي ايضا من صلب تفكير الاسلام السياسي والعسكري على ضفتيه السني والشيعي فالخلافة الزمنية توجب النضال بانتظار نضج ظروف الامة كلها وليس كتلة واحدة في دولة او جغرافيا، اما الخلافة المكانية فقد فرضتها داعش واستوجبت حشود عالمية لتدميرها، والصحيح انه في ولاية الفقيه ودولتها الايرانية كسرت الخمينية مبدا الانتظارية وخرجت على الحوزة الصامتة، وقررت ان الواجب اقامة الدولة وادارتها نيابة عن المهدي والسعي لاستعجال الظهور، الا ان ما يصح على ايران القارة لا يعتمد في الساحات والمسارح الاخرى التي باتت وظيفتها الاسهام في تامين الظروف لاستعجال الظهور، فليس على المقاومات اي حرج في انتظاريتها واستراتيجيات الصبر… فهل ترسي المقاومة بطابعها الاسلامي الولائي قواعد جديدة في انماط ومدارس الحروب والعسكرة …؟ ربما ولماذا لا فقد جاءت التجربة الايرانية ونموذجها من خارج النص وانتزعت المقاومة الاسلامية في لبنان عام ٢٠٠٠ انتصار اعجازيا ايضا من خارج السياق….
اما اذا صدقت المقولة الرائجة في اوساط مفكري محور المقاومة واستراتيجييها بان القدرة موفورة لتحرير فلسطين وطرد الامريكي منذ زمن اما تأخير التحرير فبقصد واع وهو السعي اولا لتامين من يحكم ومن يقود الاقليم بعد التحرير وبان الجهد جار على قدم وساق لتكون قيادة وادارة الاقليم بتمكين وتفويض فصائل المقاومة وزعمائها فقد تكون الخطيئة التاريخية غير المبررة وغير المنطقية…..
فمن قال ان الزمن يجري طوع يد احد؟ ومن قال ان المستقبل يستطيع احدا صياغته واحتكار نتائجه وضمان مساراته؟؟ ومن قال ان الفرص ان فاتت لن تنقلب على من فوتها؟؟
بالعودة الى جهينة واخبارها اليقينية؛ فالامتناع بوعي او بلا وعي عن انتاج المعرفة الواقعية العيانية للواقع ومساراته والتعرف لحاجات التغيير وصياغة برامجه الواقعية والعملية فهذه ان غابت عن البال او سقطت سهوا انما تطعن بفكرة المقاومة وخيارها.
فالمقاومة كرد فعل طبيعي فطرت عليها الحياة حجرا واشياء والبشر حتى في اجسادهم ومناعتهم في وجه الفيروسات والامراض غالبا ما تبدأ كفعل عفوي طبيعي، ثم تتفاعل مع الطبيب والادوية اي الارادة الواعية والذكية فتنجز انتصارات مرموقة واعجازية وتتبعها بفرض رؤيتها ومشروعها بالبدائل الجديدة والعصرية المطابقة لحاجات الازمنة ومصالح الشعوب. واذا لم تتقدم المقاومة لتحقيق اهدافها وغايتها، واشتقاق رؤية واليات للتغير لإنتاج نظم ودساتير وقواعد انتظام للمجتمعات وهيكليات اقتصادية واجتماعية عصرية ترث الايجابي من التجربة والماضي لتلبية حاجات الناس المادية والروحية، تكون قد حكمت على نفسها بالترهل وبالتحول الى ذكرى جميلة في زاوية النسيان وقصائد الشعراء والروات.
فكم من شعوب وامم وملل انتصرت بالحروب وبالدفاع وخسرت انتصاراتها وبددتها لتخلفها عن الاستثمار بفرصها ومكانتها فضاعت وضيعت نفسها.
…./ يتبع
غدا؛ هل فقد الامل وضاعت الفرص وتخبو الانتصارات…؟