كتب د . رفعت سيد احمد | المعلم في الذكري ال 27 لاستشهاده :فتحي الشقاقي حين أسس بدمه لعصر الاستشهاديين !
الدكتور رفعت سيد أحمد | كاتب وباحث مصري – رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث – القاهرة
تمر هذة الايام الذكرى السابعةوالعشرين لإستشهاد د. فتحي الشقاقي المعلم والقائد والامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين (ولد في 4/1/1951-أستشهد في 26/10/1995)، هو (المعلم ) لا سواه .. فرغم قصر عمره ..بل ربما بسبب هذا العمر القصير ..أسس وبصدق وإخلاص المؤمن والموقن بالرحيل العاجل ..لمعني أن ( فلسطين هي قضية الامة المركزية ) و(أن نعم الحارس ..الاجل ) وبأن (المثقف هو أول من يقاتل وآخر من ينهزم ) ..هو ولا سواه أول من وضع بفعله وسلوكه المنضبط علي بوصلة فلسطين لمعني (المقاومة المسلحة والمنتصرة ) وبأن ( الدم الفلسطيني حتما سينتصر علي السيف الصهيوني ) مهما طال الزمن وكثرت التضحيات وإشتدت المحن لأن قانون التاريخ وسننه تحتم ذلك الانتصار . اليوم نتذكر أبو إبراهيم في وصاياه االاساس ..وصاياه التي قدر لكاتب هذة السطور أن يكون آخر من يستمع اليها قبل مغادرته الدنيا بساعات قليلة ..حين التقي الشقاقي (الاخ والصديق والمعلم )في طرابلس الغرب عام 1995 .. اليوم (2022) وبعد أن تولي كل من د.رمضان شلح (الراحل الفذ عقلا وسلوكا وإيمانا )( وزياد النخالة :القائد الحالي بثوريته وإرادته الصلبة ) وبعد أن أضحت حركة الجهاد التي أسسها فتحي الشقاقي في مدينة الزقازيق بمصر-في النصف الثاني من السبعينات – وإنتقل بها وبفكرتها الكبري الي غزة وسائر أرض فلسطين ؛ صارت واحدة من أهم وأنصع حركات المقاومة ضد العدو الصهيوني ، فإن تذكر أبرز وصاياه لها ،ولحركات المقاومة الآخرى ،يعد ضرورة وحاجة ماسة وسوف نورد هنا ،بعضا من أهم ما تحدث به الشقاقي معنا قبل إستشهاده مباشرة بأيام ،وسبق أن نشرنا قبل سنوات وصاياه وحوارنا الطويل معه ،بإعتباره آخر حوار له وهو حي ،وضمناه موسوعتنا عن فتحي الشقاقي والمعنونة ب (رحلة الدم الذي هزم السيف _ونشرت في مركز يافا بالقاهرة 1996) ولحوارنا مع الشقاقي قصة طويلة نذكر منها وبإختصار أنه فى النصف الثاني من شهر أكتوبر 1995 زرت ليبيا لحضور مؤتمر علمى وتصادف ان كان الشهيد الدكتور / فتحي الشقاقي في زيارة أيضا لها ، لمناقشة قضية الفلسطينيين المبعدين وقتها على الحدود الليبية المصرية مع القيادة الليبية ، وكان معه فى الوفد (طلال ناجى) و(أبو موسى) من قادة الفصائل الفلسطينية ، وأزعم الآن أن زيارته ولقاءاته بالعقيد القذافى ، كانت هي السبب المباشر فى إيجاد حل لتلك القضية وهذا فقط للتاريخ
مصادفة أجد أخى وصديقي الحبيب فى مطعم (الفندق الكبير) يتناول غذائه يوم الجمعة 19/10/1995 ومعه خاله عبد الرحمن الشقاقي الذي كان يعمل وقتها في ليبيا ، بالأحضان ، والبشاشة التى عرف بها الشهيد نلتقى وتبدأ رحلة الذكريات والتساؤلات والتحليلات من (ظهر الجمعة 19/10) وحتى مساء الأربعاء 24/10 قبل أن يبحر على الباحرة (غرناطة) فى طريقه الى مالطا ، ومنها الى دمشق والتي كان يقيم بها والتي أستشهد قبل أن يصلها ، فلقد طالته الرصاصات الصيونية الغادرة في الواحدة ظهر يوم الخميس (26/10/1995) على رصيف فندق (الدبلوماسى) بحى سليمة بجزيرة مالطا
وتلك فقط بعض مقتطفات ووصايا من حديثنا الذى امتد لخمسة أيام وأكثر من أربعين ساعة متواصلة ومتقطعة
في البداية سألت الشقاقي كيف كانت بدايتك في العمل السياسي ؟أجابني:
أتذكر انها تعود الى عام 1966 ، عندما أنشأت وأنا لم أتجاوز بعد الخمسة عشر عاماً تنظيماً شبابياً متأثراً بتجربة عبد الناصر ومجاهداً اليهود فى فلسطين ، وبعد هزيمة 1967 بدأت في التحول من القومية الى الاسلام وأهدانى أحد الرفاق فى الدراسة وقتها كتاب (معالم فى الطريق) للشيخ سيد قطب ،بعدها التقيت بالشيخ أحمد ياسين وزارنى فى منزلي وتأثر به رفاقي كثيراً فلقد كان (ذكياً) و(صلباً) بعد ذلك تواصل اهتمامي بالعمل السياسى ممثلاً في اللقاءات بالشباب والقراءة المكثفة وخاصة عندما التحقت بجامعة بيرزيت كدارس للعلوم والرياضيات ثم بجامعة الزقازيق في مصر كدارس للطب وبها أنشأت التنظيم الحقيقى للجهاد الاسلامي الفلسطيني وكان معنا أكثر من60كادرا منهم الراحل الكبير القائد الدكتور(رمضان عبد الله)والأخير كان يدرس الاقتصاد في جامعة الزقازيق–كلية التجارة،وتواصل العمل الى أن أنشأنا بهذه(النواة) تنظيم الجهاد داخل الأرض المحتلة أوائل الثمانينات وبدأ الفعل المسلح بعد منتصف الثمانينات ولايزال
سألته اسئلة آخري عديدة أتذكر منها ،بماذا تقيم حركة الجهاد اليوم (1995)؟ أجابني :يمكننى أن أقول الآن أنها أصبحت فاعلاً رئيسياً في الأحداث السياسية والجهادية ، فاتباع الحركة يتجاوز عددهم الآلاف من الفاعلين القادرين على الاستشهاد ، أما المتعاطفون معها فأضعاف ذلك ، والجهاد تمتاز بالتماسك التنظيمي دون سواها من التنظيمات ، فضلاً عن الاستعداد الدائم للاستشهاد من أجل فلسطين أما عن اتفاق (اوسلو )اوغيرها من الاتفاقات التي وقعها وقتها بعض الفلسطينين والعرب فإن الشقاقي يقول بشأنها أنه لم يجد فيها كلها أي نص يفيد سيادة الفلسطينيين على أي رقعة في الضفة والقطاع ،لا يوجد ، ومن هنا (فأنا أقيمها كاتفافات خيانة واستسلام وتراجع عن حقوقنا ،وأن سلطة الحكم الذاتى تهدف الى أن تورط العديد من القوى الاسلامية والسياسية في لعبة الانتخابات ، والعمل السياسى وشق الصفوف بالتالى ، وأنا أرفض ذلك تماماً ، وأرى أنه بداية لتفتيت أنظار هذه القوى عن العمل الحقيقي ، وهو مجاهدة الصهاينة ، لقد تم في عام واحد (العام 1994/1995) أكثر من 48 عملية استشهادية ضد العدو الصهيوني ، وأكثر من 65 قتيلاً في صفوفهم!
وتواصل الحوار مع فتحى الشقاقى وتنوع ونحن هنا سننتقي بعض عبارات طويلة ثبت لاحقا صحتها وصدقها ،ساقها لي ونحن نسير على شاطىء طرابلس الجميل مساء ساقها لى وكأنه يوصى وصيته الأخيرة الى الأمة:
(اننى لا أجد بديلاً عن الجهاد والكفاح المسلح لتحرير القدس والأقصى وكل فلسطين إن التخبط السياسي أمام الحركات الاسلامية بشأن المشاركة أو عدم المشاركة فى اللعبة السياسية مع الكيان الصهيوني أو مع ما يسمى بسلطة الحكم الذاتى لا مستقبل له ولابد من الجهاد والكفاح حتى آخر العمر وحتى تحرير فلسطين من نجس الأعداء)
(على الحركات الاسلامية التى تنتهج العنف المسلح أن تضع على رأس أولوياتها العدو الصهيونى وألا ترحمه في أى مكان ، وأن تطارده فهنا ستتجمع حولها كل القوى ولن يعاديها الا الخائن أو العميل)
(انني لا أخاف على ” حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين ” فلقد بنينا صرحاً متماسكاً فلسطين غايته النصر أوالاستشهاد والجهاد أداته ووسيلته وشبابنا فى الداخل قادرون على تغيير الواقع وخلق المستقبل الذى يليق بالشرفاء والمجاهدين وبالقدس الشريف)
(أنا لا أخاف الموت ولا أخشاه صدقني لقد حاول بعض الأصدقاء منذ فترة حجزي داخل شقة أنا وأحمد جبريل لأن هناك عملاء صهاينة نزلوا الى دمشق بهدف اغتيالي لكنني بعد أيام طلبت منهم الخروج وذهبت إلى مؤتمر بالسودان ولم أخشى إلا الله ،أننا نحب الموت كما يحبون هم الحياة)
(اننى أرى بعقلي وبروحي ، وطني قد تحرر ، ففلسطين ستعود إلينا وسنعود إليها ان فلسطين غالية وتستحق منا البذل إنها أرض الرسالات ، إنها وطني المقدس انني أراه عائداً وأنا اليه عائد مهما طال السفر والغربة) . تلك فقط بعضا من وصايا القائد والمعلم الشهيد د.فتحي الشقاقي ،نعيد نشرها في ذكرى إستشهاده العظيم ،لانها كلمات ومعاني كأنه قالها اليوم (2022) … *رحم الله أبو إبراهيم الذي يعود له الفضل الاول في إعادة تثبيت المعادلة الاساس في قانون النضال في منطقتنا وفي فلسطين وهي(أنه لاشرعية ولا مصداقية لاي حركة إسلامية أو يسارية أو قومية ..بغير فلسطين ) ومن لايرتبط بها جهادا ومقاومة فهو خاو فارغ متهافت في فعله وفي قضاياه ..ولا مستقبل لفعله السياسي أو النضالي ..ففلسطين هي (المركز) وحيثما أممت وجهك فثمة فلسطين ..وغير ذلك لا قيمة له ..هكذا فهم الشقاقي طبيعة الصراع وهكذا تعلمنا منه ولا زلنا نتعلم.. لانه لم يكتب وصاياه الخالدة بالحبر ..بل بالدم ..لذلك ستخلد وستبقي الي يوم الساعة ..والله أعلم