تحليلات و ابحاثمقالات مختارة

كتب الكسندر نازاروف | هل لدى العرب فرصة للعظمة والازدهار مرة أخرى؟

الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي

هل لدى العرب فرصة للعظمة والازدهار مرة أخرى؟

الإجابة: كلا. أو بالأحرى فإن نسبة احتمال هذه الإجابة هي 99%، إلا أن هناك احتمال 1% لحدوث ذلك، وستلوح هذه الفرصة أمامهم خلال السنوات الخمس القادمة.

إذا كنت تعيش بجوار البحر، فقم بزيارة الصخور إذا كانت قريبة منك. إذا كنت محظوظا، سترى سمكة صغيرة الحجم، يبلغ حجمها حجم إصبع صغير، تجلس على الصخور خارج الماء. لا يزحف هذا النوع من الأسماك من البحر إلى اليابسة فحسب، وإنما يمكنها أيضا أن تتنفس الهواء.

خلال 350 مليون سنة، مرت على خروج الأسماك للمرة الأولى إلى البر، يجبر التطور والمنافسة المستمرة الأنواع الجديدة والحديثة من الأسماك على القيام بهذه الرحلة مرة أخرى. ومع ذلك، وعلى مدى 350 مليون سنة، لم تظهر سمكة واحدة جديدة، بإمكانها اتخاذ الخطوة التالية في التطور نحو البرمائيات، ثم الزواحف، فالطيور، والثدييات، وما إلى ذلك.

التفسير بسيط: فالدرجات الأعلى على سلم التطور قد شغلتها الكائنات الحية الأكثر تكيفا مع الظروف الجديدة. أي أن الأسماك الأولى لم يكن لها منافسون، ولم يعد لدى المتنافسين الجدد، الأضعف والأقل ذكاء، فرصة للبقاء على قيد الحياة على المستوى الأعلى من التطور، حيث سيلتهمهم أولئك الذين خرجوا أولا.

يحدث الشيء نفسه بين البشر والقردة، حيث لم يعد أمام القردة فرصة للتطور إلى مستوانا.

والشيء نفسه يحدث كذلك في الاقتصاد والتسلسل الهرمي للإنسانية الحديثة، حيث يحتل العرب المكانة الأدنى في الهرم الغذائي للبشرية، فليسوا سوى ملحق يوفر المواد الخام للدول الأم أو المراكز الإمبريالية وسوقا للبيع (لم يختف الاستعمار في أي مكان، إذا لم يكن لديك علم). ولا توجد فرص للتطوير، لشغل مكان المصنّعين للمنتجات المعقدة ذات الحصة العالية من القيمة المضافة. وبالتالي، ليست هناك فرصة لرفع مستوى المعيشة بشكل كبير أيضا.

الروس، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انحدروا أيضا إلى المستوى الذي يشغله العرب. ومع ذلك، نحاول الآن الانتقال إلى مستوى أعلى وإنشاء إنتاجنا الخاص، بحصة عالية من القيمة المضافة.

إلا أن هناك ظرفان مؤثران هنا: الظرف الأول، هو أن تلك المحاولة لا يمكن أن تتم دون صراع شرس. فالحضارة الأوروبية، دفعت الملايين من الأرواح، خلال آلاف الحروب، من أجل هيمنتها. وقد دمر الأنغلو ساكسون الهنود الحمر الأمريكيين، واستخدموا الأسلحة النووية ضد اليابانيين، وهم الآن يدمرون أوروبا في القتال ضد روسيا. فكلما ارتفعنا نحو القمة، اشتد وطيس الصراع.

وإذا أردت أن ترتفع عاليا، فعليك أن تحفر في الصخر مكانك الجديد تحت الشمس. وقد اتخذت روسيا هذه الخطوة، والنتيجة ليست مضمونة، ولن تتضح قريبا. ستضطر الصين هي الأخرى لاتخاذ هذا الخيار، وستفرضه واشنطن عليها: فإما الحرب حتى تدمير أحد المنافسين، أو تنحدر الصين مرة أخرى إلى مستوى أدنى، حيث كانت بعد الهزيمة في حروب الأفيون.

الظرف الثاني، هو أن هذه المحاولة ستكون مستحيلة بدون العزلة أو العزلة الذاتية. فإذا كنت سمكة خرقاء زحفت إلى الأرض، فعليك ألا تقابل الطيور الضخمة والكلاب. بمعنى أنه يجب حماية مصانعك وشركاتك من المنافسة مع الشركات الغربية المصنعة التي تشغل هذا المكان بالفعل، حتى تنمو لشركتك أرجل ومخالب وأسنان.

لكن هناك عقبة كبيرة للغاية، ألا وهي حجم السوق. فالعديد من المنتجات ذات حد أدنى من الكمية، حتى يكون الإنتاج مربحا. ولكي يؤتي الاستثمار في مصنع أقلام الرصاص ثماره، يجب بيع مليون قلم رصاص على الأقل. أما لكي يؤتي مصنع رقائق الكومبيوتر ثماره، يجب أن يكون السوق نصف حجم كوكب الأرض. وهذا هو السبب في أنه لا يوجد سوى عدد قليل من المصانع التي تنتج دوائر كهربائية دقيقة في العالم.

أي أن نجاح الصين يعود، في المقام الأول، إلى حجم السوق.

لا توجد وسيلة أخرى. أو بالأحرى هناك فرصة الاندماج فرادى في الغرب الأكثر نجاحا، والهجرة ومحاولة الذوبان في مجتمع أكثر نجاحا، والتخلي عن الهوية والدين والتاريخ والثقافة.

لكن، وعلى مستوى الدول العربية، أو الحضارة العربية، فإن محاولة رفع مستوى المعيشة لا يمكن أن تنجح إلا من خلال التوحيد السياسي وخلق سوق مشتركة، والمواجهة الحتمية مع الغرب.

إن عدد سكان الدول العربية يقترب من نصف المليار نسمة، وهو سوق ضخم. يتحدث هؤلاء فيما بينهم نفس اللغة إلى حد ما، وهو ما يبدو كعنصر أساسي للانطلاق، إلا أن العرب في أسفل الهرم الغذائي…

في الوقت نفسه، فإن الغرب قد تضعضع، وأصبح الوقت يلعب ضده لا لصالحه. ومع ذلك، فإن محاولة روسيا والصين محفوفة بالمخاطر، والنجاح ليس مضمونا بنسبة 100%. وأمام الدول العربية نافذة ضيقة من الفرص، كي تحقق احتمال الـ 1% لإحياء عظمة الحضارة العربية، ورفع مستوى المعيشة بشكل كبير. ذلك بالطبع، في حال أن تمكنت روسيا والصين من البقاء والانتصار.

عدا ذلك، سيصبح الوضع أسوأ بكثير من الوضع الراهن، وسيؤدي الانفجار السكاني، على خلفية الجوع ونقص الموارد إلى انفجار سياسي داخلي وتدمير للمنطقة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون الظهور الأول للأزمة العالمية (الربيع العربي) قد حدث تحديدا بين العرب.

هذا هو وضعكم أصدقائي العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى