كتب حسني محلي | أكشانار غدرت بحليفها كليجدار أوغلو.. وإردوغان يتنفّس الصعداء
حسني محلي | باحث علاقات دولية متخصص بالشؤون التركية
كما كان متوقَّعاً منذ انضمامها إلى تحالف الأمة، غدرت زعيمة الحزب الجيد، مارال أكشانار، بحليفها الاستراتيجي كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري. وجاء الغدر هذا على لسان أكشانار، التي أعلنت اعتراضها على ترشيح كليجدار أوغلو لانتخابات الرئاسة باسم تحالف الأمة، وهو ما وافقت عليه قبل 24 ساعة، بحضور زعماء الأحزاب الأخرى في التحالف، وهي الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو، والسعادة الإسلامي بزعامة تامال كاراموللا أوغلو، والمستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو، والديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، والديمقراطي بزعامة كولتاكين أونسال.
ومن دون أن تهمل أكشانار شن هجوم عنيف ضد كليجدار أوغلو، واتّهمته بـ”التعنت في مواقفه”، قالت إنها اقترحت عليه “ترشيح أكرم إمام أوغلو، أو منصور ياواش، ضد إردوغان، إلّا أنه رفض”. وناشدت، بصورة غير مباشرة، قيادات حزب الشعب الجمهوري “التمرد على كليجدار أوغلو”.
في ردّه على تصريحات أكشانار، اكتفى كليجدار أوغلو بالرد بكلمتين، وقال “سنكمل المسيرة”، بينما تتحدث المعلومات عن استقالة الآلاف من عضوية الحزب الجيد، استنكاراً لموقف أكشانار. بدورهم، دعا زعماء أحزاب تحالف الأمة قيادات أحزابهم إلى عقد اجتماعات طارئة لمناقشة التطورات الأخيرة، وكانت مصدر فرح وسعادة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه إردوغان، في الوقت الذي بدأ الحديث مبكّراً عن عدد من سيناريوهات المرحلة المقبلة، منها احتمالات انضمام أكشانار إلى تحالف الجمهور بزعامة إردوغان، وهو ما كان يتوقعه الكثيرون منها، منذ أكثر من عام، بحيث وصفها الصحافي لواند كولتكين بأنها “حصان طروادة اخترق به إردوغان قلاع المعارضة”، في الوقت الذي توقّع آخرون لأكشانار أن تستمرّ في موقفها العدائي ضد كليجدار أوغلو بهدف تفجير الوضع داخل الحزب وإطاحته، ليحل محله أكرم إمام أوغلو، المقرّب إلى أكشانار. أوساط الشعب الجمهوري اتهمت أكشانار بـ”الغدر والخيانة”، وقالت إنه “لولا كمال كليجدار أوغلو لما كان الحزب الجيد موجوداً أساساً، أو على الأقل لما وصل إلى ما وصل إليه من شعبية لا بأس بها. والسبب في ذلك هو تحالف الشعب الجمهوري معه واستقالة 15 برلمانياً من حزب الشعب الجمهوري، وانضمامهم إلى الحزب الجيد في نيسان/أبريل 2018 من أجل ضمان مشاركة هذا الحزب في انتخابات حزيران/يونيو 2018، وفاز الحزب الجيد فيها بـ 37 مقعداً”.
قرار أكشانار الانسحاب من تحالف الأمة، واستمرارُ تآمرها على الشعب الجمهوري، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قد يدفعان زعماء الأحزاب الأربعة الأخرى إلى إعادة النظر في مواقفهم المؤيدة لكليجدار أوغلو. وكانت أكشانار تعترض عليه، بصورة غير معلنة، بحجة “أنه علوي والشعب التركي السني لن يصوّت له”. وهو الموضوع الذي سبق للرئيس إردوغان أن استغلّه، وسيستغله خلال الحملة الانتخابية، كما فعل ذلك في حملاته ضد الرئيس الأسد، عندما هاجم كليجدار أوغلو بسبب مواقفه ضد التدخل التركي في سوريا، فقال ‘إنه يتضامن مع الأسد لأنه علوي مثله”. حملة إردوغان المحتملة بعد خروج أكشانار من التحالف، ستستهدف هذه المرة الأحزاب الأربعة الباقية داخل التحالف، وهي يمينية وقومية ودينية ومحافظة، وجميع قياداتها من السنّة. موقف أكشانار وانسحابها من التحالف كانا كافيين بالنسبة إلى إردوغان كي يتنفّس الصعداء بعد أن كانت كل المعطيات ضده، بحيث توقعت كل استطلاعات الرأي له أن يُمنى بهزيمة مدوّية أمام مرشح تحالف الأمة، إن كان أكرم إمام أوغلو، أو منصور ياواش، أو كمال كليجدار أوغلو.
ويبقى الرهان على التطورات السريعة والمتلاحقة، وقد تكون أكثر وضوحاً، الإثنين المقبل، إذ سيجتمع زعماء تحالف الأمة من جديد، من أجل تقييم الأمور واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تطورات المرحلة المقبلة، وهو ما قد يدفع كليجدار أوغلو (نحو 28-30%) إلى الدخول في تحالف شامل مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (12-14%) وقوى اليسار الأخرى، شريطة ألّا تعترض الأحزاب الأربعة الأخرى في تحالف الأمة (معاً نحو 5-6%) على التحالف مع الشعوب الديمقراطي، الذي سبق له أن أعلن تأييده ترشيح كليجدار أوغلو. وتتوقع الأوساط السياسية أيضاً لقطاعات واسعة من الحزب الجيد أن تنشقّ عن أكشانار، وتنضمّ إلى حزب الشعب الجمهوري، أو أحد الأحزاب الأربعة داخل تحالف الأمة، وهو ما سيزيد في حظوظ كليجدار أوغلو من جديد، وحتى إن كانت موازين القوى الحالية لمصلحة إردوغان.
ومع استمرار الغموض بشأن موقف الرئيس إردوغان فيما يتعلق بتحديد موعد الانتخابات، وقال عنها إنها ستكون في 14 أيار/مايو، فالبعض يتوقّع للهيئة العليا للانتخابات أن تتحجج بالزلزال الأخير وتؤجل هذه الانتخابات إلى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بناءً على توصيات إردوغان، الذي لا يريد أن يقال عنه إنه هو الذي أجّل الانتخابات بعد أن بات واضحاً أن عامل الزمن قد يكون لمصلحته بعد موقف أكشانار، ويتوقع البعض لأحمد داود أوغلو أن يكرّره هو أيضاً، في أي لحظة. وفي جميع الحالات، ومع انتظار يوم العاشر من الشهر الجاري، وهو اليوم النهائي دستورياً لإعلان موعد الانتخابات، فالحسابات ستبقى معقَّدة مع أحاديث بعض الأوساط عن سيناريوهات مثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، سيلجأ إليها إردوغان، من أجل ضمان فوزه في الانتخابات، وظروفها باتت لمصلحته أكثر من أي وقت مضى.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على المعطيات الخارجية، وأهمها موقف العواصم الغربية وموسكو تجاه إردوغان، واحتمالات تأثير هذه المواقف في تطورات المرحلة المقبلة حتى موعد الانتخابات، بعد أن بات واضحاً أن هذه المواقف، التي ستنعكس، بصورة أو بأخرى، على الواقع التركي الداخلي، سياسياً وأمنياً ومالياً، سوف تؤثّر، سلباً كان أو إيجاباً، في نتائج الانتخابات، ما دام للجميع حساباتهم الخاصة بتركيا، بعد أن زادت حظوظ إردوغان في الفوز من جديد.
في نهاية المطاف، الناخب التركي هو الذي سيقرّر كل الحسابات الداخلية والخارجية، مع استمرار الحديث عن عدد من السيناريوهات، التي يريد لها إردوغان أن تساعده على البقاء في السلطة بعد 21 عاماً من استلامه لها في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2002.
ومن أجل ضمان تصويت الناخبين ضد إردوغان، هناك شرطان أساسيان: الأول هو إقناع المواطنين بضرورة التوجّه إلى صناديق الاقتراع بكثافة، والإشراف التامّ على عملية التصويت، وفرز الأصوات من أجل منع عمليات التزوير، وأخيراً اتخاذ ما تبقّى من أحزاب تحالف الأمة موقفاً موحَّداً وصريحاً ومعلناً ومقنعاً لدعم كليجدار أوغلو، الذي تزداد شعبيته باستمرار بعد أن اقتنعت أغلبية الناخبين الأتراك بأنه “نظيف وشريف ومخلص ووطني وذو ضمير”.
وقد يكون ذلك كافياً لفوزه على منافسه إردوغان. ويقول الكثيرون عنه إنه بعكس كليجدار أوغلو، باعتراف البعض من الذين يصوّتون لإردوغان، لأسباب متعددة، منها المصالح المادية، لكنّ أهمها المقولات الدينية والقومية والتاريخية، التي تدغدغ مشاعر الناس، كما هي الحال في المسلسلات التلفزيونية، التي نجح إردوغان وفريقه في تسويقها حتى الآن، على أن يكون الرهان الأكبر على نتائج الانتخابات المقبلة التي قد تثبت هذه الحقيقة أو تدحضها، عندما ينتصر كليجدار أوغلو على إردوغان بدعم أحزاب التحالف والشعوب الديمقراطي.
وهو ما قد يعني حصول هذا التحالف على أغلبية مقاعد البرلمان، حتى لو فاز إردوغان في انتخابات الرئاسة. وبفوز كليجدار أوغلو فيها، فإن تركيا ستدخل مرحلة جديدة من حياتها السياسية، إذ من المقرَّر أن تعود البلاد إلى النظام البرلماني بعد مرحلة انتقالية، مدتها عامان، سيتّخذ فيها الرئيس الجديد كل قراراته بمصادقة زعماء أحزاب التحالف، الذين سبق أن اتفقوا فيما بينهم على صياغة دستور جديد للبلاد، يحلّ محل الدستور الذي صاغه إردوغان وأيّده الشعب بأغلبية 52% في استفتاء نيسان/أبريل 2017.
واتهم كليجدار أوغلو آنذاك رئيس المفوضية العليا وأعضاءها بتزويرها، وهو ما يتخوّف منه البعض في الانتخابات المقبلة، بعد أن بات واضحاً أن تركيا ستشهد قبلها وخلالها وبعدها، كثيراً من المفاجآت المثيرة، والتي يريد لها إردوغان أن تُبقيه في السلطة، مهما كان ثمن ذلك بالنسبة إليه شخصياً وإلى تركيا، التي هي الآن في وضع لا تُحسد عليه أبداً، في جميع المجالات، وفي كل المستويات، وفي كل المعطيات السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية، بل حتى بالنسبة إلى الحالتين الاجتماعية والنفسية للمواطن التركي، الذي تحطّمت معنوياته بعد أن عقد آمالا كبيرة على أكشانار وتحالفها مع كليجدار أوغلو، وتبيّن أخيراً أن كل فعلته وقامت به لم يكن إلّا في إطار مسرحية، لا يدري أحد من كتب نصها وحدد أسماء الممثّلين فيها، من الرجال والنساء.