كتب العميد الركن د . امين حطيط | هوكشتاين مغتبط بنجاحه في لبنان ويتّجه إلى المماطلة… فكيف نردّ؟
كتب العميد الركن د . امين حطيط | استاذ جامعي وباحث استراتيجي
لم يكن هوكشتاين متحمّساً للمجيء الى لبنان لاستئناف الوساطة بينه وبين “إسرائيل” في مسألة ترسيم الحدود البحرية، ولم يكن الموفد الأميركي هذا يجد ما يدفعه لمواصلة العمل في إطار هذه الوساطة بعد أن علم بأنّ لبنان لم يوافق على مقترحه المتضمّن حلا لا يمتّ بصلة لأيّة قاعدة من قواعد القانون. والأهمّ في الأمر انتفاء حماسته أو أيّ دافع لديه للتوفيق بين الطرفين بعد أن باشرت “إسرائيل” العمل في حقل كاريش وبدأت بتشكيل أمر واقع لصالحها عبر الباخرة اليونانية انيرجين باور التي رست فوق حقل كاريش جنوبي الخط ٢٩ وجهّزت منصتها لتمدّ اليد إلى كامل محتويات الحقل على جانبي هذا الخط.
بيد أنّ طارئاً حصل وضع حداً فورياً لهذا التسويف والإهمال الأميركي، تمثل بكلمة السيد حسن نصرالله التي تضمّنت بشكل واضح إنذاراً جدياً بتدخل المقاومة لحماية الحقوق اللبنانية في الثروة البحرية وفقاً لما تحدّده الدولة اللبنانية، إنذار جاء معطوفاً على رسالة لبنان الى الأمم المتحدة، الرسالة التي اعتبرت المنطقة بين الخطين ٢٣ و٢٩ منطقة متنازع عليها، يمتنع على أيّ طرف العمل فيها قبل فضّ النزاع، فخشي الأميركي أن تنفذ المقاومة تهديدها وتضطر “إسرائيل” الى وقف أعمالها أولاً وأن تتدحرج الأمور الى مواجهة ميدانيّة تطير فرص الاستثمار “الإسرائيلي” للنفط وتفسد مسعى توفير الغاز البديل عن الغاز الروسي الذي تتحضّر أوروبا لوقف استيراده نتيجة الحرب الاقتصادية التي يشنّها الغرب على روسيا.
بعد ٩٦ ساعة من إطلاق المقاومة لتهديدها وصل هوكشتاين الى لبنان مستطلعاً الموقف الحقيقيّ المستجدّ دون أن يحمل أيّ عرض او مقترح جديد او أيّ تعديل لمقترحه العجائبي القديم الذي ليس فيه شيء يستدعي قبوله، جاء هوكشتاين الي لبنان خدمة لـ “إسرائيل” في مهمة ترمي الى الحصول على تنازل لبناني نهائي عن الخط ٢٩ ما يحرّر كلياً حقل كاريش ويطلق يد “إسرائيل” فيه ويقيد المقاومة التي التزمت بأن تكون خلف الدولة في الترسيم وجاهزة لحماية ما تحدّده الدولة من حقوق لها أصلاً ومدى، ولذلك كان هوكشتاين مهتماً وفقاً لمنهج الدبلوماسية الملتوية الاستنطاقية غير المباشرة مهتماً بالحصول على التزام لبناني بعدم اللجوء الى القوة والتمسك بوساطة أميركا وما يحصل منها ليس على أساس الحق والعلم والقانون بل بمنطق التسوية والسياسة التي تعتمدها أميركا لحماية وتأمين كامل مصالح “إسرائيل”، مع وعد بتقديم جوائز ترضية للبنان تتصل باستجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر.
وفي اللقاءات التي عقدها الموفد الأميركي مع المسؤولين اللبنانيين وعلى كلّ المستويات بدءاً بمدير عام الأمن العام وصولاً الى رئيس الجمهورية مروراً ببعض النواب ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، يبدو أنه كان حريصاً على الاستماع والإيحاء فقط، لإفهام من يلتقيهم بأنه ليس هنا من أجل تطبيق القانون والعمل بالاتفاقيات ورسم خطوط الحدود وفقاً للقواعد القانونية، فـ “لبنان الآن لا يملك شيئاً وانّ أيّ شيء يحصل عليه أفضل من هذا الحال”، ولا فائدة من التمسك بالقانون ولا أهمية للمركز القانوني القويّ بنظره ولا جدوى عملية له. فالأهمية تكمن في ما يمكن الحصول عليه عملياً وليس في ما يعطينا القانون نظرياً، وأكد على سلوكه في حديثه الى التلفزة الأميركية (قناة الحرة) عندما سخر من القواعد والمعادلات التي يرفعها ويتمسّك بها لبنان واعتبرها شعارات لا جدوى منها وأنه هنا من أجل تأمين كامل مصالح “إسرائيل” والجزء المهمّ من مصالح لبنان.
أما الأطراف اللبنانية التي توحدت مواقفها خلف رئيس الجمهورية فقد أكدت على المطالب اللبنانية في الصيغة الراهنة والتي تتضمّن…
أولاً: توقف “إسرائيل” عن العمل في حقل كاريش وإخراج الباخرة اليونانية منه حتى يفضّ النزاع والتوصل الى الحلّ.
ثانياً: تعديل المقترح الأميركي السابق واعتماد الخط ٢٣ بالشكل المستقيم مع جيب فيه يحمي حقل قانا.
ثالثاً: رفع الحظر الغربي الضمني عن التنقيب اللبناني في البلوكات ٨-٩-١٠.
رابعاً: رفض فكرة شركة الاستثمار والعمل المشترك او التنسيق الاستثماري بين لبنان و”إسرائيل”.
من مجمل المطالب اللبنانية فهمَ هوكشتاين انّ مهمته نجحت لا بل حققت أقصى ما يمكن فيها حيث لمس انّ لبنان دفن الخط ٢٩ ولم يعُد هذا الخط له أيّة صفة رسمية او تفاوضية يعوّل عليها، وانّ حقل كاريش بكليته بات خارج منطقة النزاع، وبالتالي يمكن لـ “إسرائيل” متابعة العمل فيه بعيداً عن تهديد المقاومة التي ليس لممارسة القوة من قبلها مبرّر بانتفاء الذريعة بعد أن تنازل لبنان ضمناً عما حققه من رسالته الى الأمم المتحدة والمعمّمة بتاريخ ٢\٢\٢٠٢٢. حصل هوكشتاين على كلّ ذلك دون أن يلتزم بشيء اللهمّ الا ما ذكره من وعد بأنه سيعرض المطالب اللبنانية على “إسرائيل” ويترك لها القرار وفقاً لمصالحها، أما عودته التي استعجلها الطرف اللبناني فإنه لم يحدّد لها تاريخاً ولم يعد بشيء حولها.
وفي الاستنتاج بشكل موضوعيّ يكون هوكشتاين حقق أهدافه لمصلحة “إسرائيل” التي ستمضي قدماً في التنقيب والإنتاج ولن تكون قلقة من اضطراب ميداني يدفع شركات التنقيب الى الهرب من حقول الغاز والنفط بعد أن سحبت الذرائع من يد المقاومة، ولذلك لن يجد هوكشتاين ما يلزمه بتلبية مطلب لبنان بالعودة السريعة مع الإجابة علي المقترح اللبناني. وهنا تخشى مجدّداً المماطلة والتسويف وهدر الوقت لبنانياً في الوقت الذي تستثمره “إسرائيل” وتعقد الاتفاقات مع مصر وأوروبا لتسويق الغاز الذي ستحصل عليه من مناطق متنازع عليها مع لبنان.
لكن ومن جانب آخر، نجد انّ لبنان ورغم كلّ ما قيل في مواقفه من تساهل فقد احتفظ بيده حتى الآن بأوراق هامة قابلة للاستعمال واذا استعملت تجهض وبسرعة الأحلام “الإسرائيلية” والآمال الأميركية، فلبنان لم يسكب مطالبه في صكّ مكتوب يمكن أن يتحوّل الى وثيقة خطية تؤكد ما استنتجه الأميركي في مباحثاته في لبنان، وحتى الآن لم يعط لبنان إجابه خطية، وهذه نقطة مهمة وجوهرية. وبالتالي بإمكان لبنان إذا لمس أو تأكد من التسويف والمماطلة من الأطراف الأخرى وامتناعهما عن السير قدُماً وفي مهلة معقولة للوصول الى حلّ يحفظ القسم الأكبر من حقوقه، فبإمكانه ان يلجأ الى ردّ يتضمّن…
أولاً: تعديل المرسوم ٦٤٣٣ \٢٠١١ وإيداعه المراجع المختصة في الأمم المتحدة.
ثانياً: إعلان المنطقة ما بين الخطين ٢٣ و٢٩ منطقة متنازعاً عليها وإنذار الشركات الأجنبية ومنعها من العمل فيها وفي الحقول التي تتصل بها كلياً او جزئياً وحقل كاريش ضمناً.
ثالثاً: التمسك بالرسالة الموجّهة الى الامم المتحدة في شباط الماضي للتأكيد على ما تقدّم.
رابعاً: إطلاق يد الجيش والمقاومة لحماية حقوق لبنان وفقاً لما تقدّم.