كتبت ليندا حمّورة | لا تحتكروا مستقبل البشرية
ليندا حمّورة | كاتبة لبنانية
ما بين الماضي والحاضر مراحل كثيرة عاصرها الإنسان، وعاش تفاصيلها، مسيرة طويلة، من عالم الكهوف إلى واقع القصور، من ابتكار النار إلى القنابل النووية، من جبل أوليمبيوس إلى وادي السيليكون، ويبقى السؤال : أين ستحط بنا عجلة التطور ؟
الإنسان ابن بيئته، فهو كائن متأقلم، منذ بدء التاريخ حتى عصرنا هذا ما زلنا نسير مع عجلة التطور التي تعدو بسرعة فائقة دون إمكانية لفرملتها لأنه أمر شبه مستحيل . لم يكن جوبيتر المسمى “أبي الآلهة والبشر ” يعي بأن التطورات ستسحق تأسيساته وشرائعه وأنظمته وقوانينه، لتحطّ رحالها في وادي السيليكون أو ” سيليكون فالي” حيث تتواجد المقرّات الرّئيسية لآلاف الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ومنها تنطلق مشاريع وأفكار ضخمة وخطط وأبحاث مستقبلية تقنية، وتستقطب شركات وادي السيليكون أفضل العقول وخبراء التكنولوجيا من شتى بلدان العالم، وينحدر 50% منهم من قارة آسيا وتحديداً من بلدان الصين وباكستان والفلبين والهند، التي تمثل وحدها 6% من العاملين في شركات الوادي.
انتهى عصر الآلهة واندثرت أنظمة جوبيتر الذي كان «ينبوع اللطف الإلهي فعلاقة المدينة مع الآلهة تعتمد عليه». وقد شخّص السلطة الإلهية في المناصب الرومية العليا والنظام الداخلي والعلاقات الخارجية. كانت صورته في مبنى الكابيتول في الفترتين الجمهورية والملكية، مقر السيادة للملوك الرومانيين القدماء والقناصل الأعليين والمكرمين الملكيين. مات جوبيتر ليحيا “سيليكون فالي” حيث تعتبر المنطقة الأكثر إبداعاً نظراً إلى عدد براءات الاختراع المقدمة لشركاته؛ وفي مقدمتها شركات “آبل” و”غوغل” و”فيسبوك” و”إتش بي” و”ياهو” و”أي بي أم” و”سيسكو”.
عالمنا اليوم يتجه نحو ذلك الذكاء الملقّب بالاصطناعي علماً بأنه بات يشكلّ خطراً كبيراً على العقل البشري، وربما على المشاعر والأحاسيس ، نحن لا نقف عائقاً أمام التطور ولسنا متخوفين من نتائجه ولكن هل لنا نحن البشر، ونحن ما زلنا عاجزين عن حل معضلة الوعي، حتى أننا لم نستطع اكتشافها بذاتنا أن نشكّل عائقًا أمام التّطوّر؟ وهل لذلك الكائن البشري الذي يعجز عن سبر أغوار وعيه وطريقة تفكيره أن ينقل الوعي إلى الآلة لتصبح أعظم شأناً منه ؟
لا نريد أن نقف عائقاً أمام التطور وحتى لو أردنا لن نستطيع لأن هذه فطرة من الله ونواميس الحياة، فمع كل كل حقبة تاريخية كانت تندثر مهن وتحل مكانها الآلة فمنذ زمن ليس ببعيد كان أجدادنا يحرثون الأرض بالمحراث ويحصدون القمح بالمنجل، وما هي إلا بضع سنوات أخرى حتى انقلبت حياتهم وباتوا يستخدمون الآلة بدل عناء أجسادهم وإرهاقها .
الأجيال تولد لزمانها وليس لزماننا ربما نحن نجد صعوبة في التأقلم مع واقع التطورات ولكن سرعان ما نعتاد عليه ، وكما تبخّرت مهن سوف تتبخّر أساليب وعادات وتقاليد لنصبح أبناء التطور والتكنولوجيا الحديثة، ولأن الانسان كائن اعتاد على التأقلم فلن يكون سداً منيعاً للتطورات بل سيواكبها ويعاصرها ويحياها جيلاً بعد جيل .