كتبت ليندا حمّورة | قيم واخلاق في مهّب الريح
ليندا حمّورة | كاتبة وباحثة لبنانية
وأنا أغوص في عالم السوشيل ميديا الواسع والعميق، رأيت الكثير من بائعات الهوى ومن صاحبات الأجساد وليس العقول! رأيت من تتلفظ وتشبه نفسها بالسيدة العريقة فيروز وهي التي ترتدي ثوبًا أقصر من (الكّم) الموجود في ثوب سيدة لبنان، ومررت على بائعة أخرى تنظر على الفن اليوم وتقول بأنه هابط وهي التي هبطت الوشام عليها من رأسها إلى أخمص قدميها. فصعدت برهة نحو الهواء وتذكرت الفيلسوف الإغريقي بلاتون حين قال: “العدل في الدولة هو ما في الإنسان من أخلاق” فأخذت نفسًا عميقًا وشهقت شهقة وصلت عند حدود تلك السياسات البالية التي أطاحت بنا ، قلت لنفسي اصمتي فصمتك أفضل من صيحاتك.
من أهم العناصر التي تشكل هوية الأمم عنصران رئيسيان: القيم والأخلاق.
لطالما ارتبط ازدهار الأمم ارتباطًا وثيقًا بالقيم الإنسانية.
فأمة معدومة الأخلاق هي أمة فاشلة ومريضة، والأخلاق هنا ليست مجرد مجموعة من القوانين والقواعد، بل إنها الأسس الهامة والركيزة الصلبة للتعامل بصدق ونزاهة وإنصاف فيما بين الأفراد والمجتمعات، ومتى تطبقت الأخلاق في الحياة اليومية حظيت الأمم بالاحترام الدولي والتعاون الإقليمي والعالمي.
الأخلاق هي الثقة المتبادلة بين البشر. فكيف بأبناء ذلك البلد الذي فُقدت منه ثقة المواطنين وباتت في مهب الريح وتطايرت كما تطاير جنى عمر الإنسان في مصارف لو كان لها الهاً لإنتحر حزنًا على المودعين!
وإذا نظرنا إلى ذلك الكم الهائل من الفوضى والإنحطاط على مستوى الآداب العامة والفن الهابط والشخصيات المنمّقة والهاربة من كواكب مصنّعة الكترونياً لوجدنا أننا نتجه نحو الإنزلاق الشرعي والمميت …
أعود لأرنو إلى ساحات الوطن أراها مزدحمة بالمواطنين الذين اعتادوا على الفراغات والحروب والإنقسامات والتحديات، ولكن مع كل اعتياد جديد فرصة جديدة لولادة الفجور والفوضى والهمجية، ولولادة الجرائم الإنسانية والأخلاقية، للأسف كثرت في الآونة الأخيرة جرائم القتل والاغتصاب والسلب، وتبعتها جرائم أخرى تعدت حدود المنطق والأخلاق والدين. فكيف ستنمو الأزهار في بلد آسن يعجّ بالطفيليات التي تطفو على سطحه؟
بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات والدولة يعتمد على كمية الأخلاق الموجودة عند البشر، ومتى فُقدت الثقة في المجتمع والحكومة والمؤسسات، سادت الفوضى وتضاعفت الجرائم. فما من أمة متقدمة اقتصاديًا إلا وكانت الأخلاق ركيزتها، والنزاهة والقيم الإنسانية جذورها.
إذا بحثنا عميقًا في كتب التاريخ سنجد أمثلة كثيرة تتعلق بتطور الإمبراطوريات وتراجعها. ففي العصور الذهبية للأمم، لعبت الأخلاق والقيم دورًا هاماً في إنجاحها، ومثالاً على ذلك : الإمبراطوريات القديمة مثل الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الصينية القديمة اعتنت بتأسيس أخلاقيات قوية ونظمت مجتمعاتها واقتصاداتها وحياتها السياسية بناءً على هذه القيم.
وعلى نحو آخر، نجد أمماً فقدت قيمها الأخلاقية وتدهورت. تراجعت إمبراطورية الرومان عن قيمها الأخلاقية بسبب الفساد والانقسام الاجتماعي، وهذا أدى في النهاية إلى انهيارها.
نحن اليوم نواجه معركة كبيرة، وتحديات جمّة تتعلّق بالتطور التكنولوجي والتغييرات البيئية والعولمة، لذا فما علينا سوى الحفاظ على هذه الأركان والأسس التي تساعد في توجيه واستجابة الأمم للتحديات، نعم نحن بحاجة للقيم الأخلاقية أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نحترم ونعتني بأخلاقنا وقيمنا علّنا نساهم في تعزيز بلدنا وتنقيحه من كل الطفيليات الجرثومية التي تطفو على أرضه، فإما أن نتقدّم وإما الاستسلام وهنا دعونا نستذكر الشاعر أحمد شوقي حين قال : وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.