تحليلات و ابحاثكتاب الموقع

كتب عمر معربوني | تحولات نحو عالم جديد

مادة بحثية قُدّمت في مؤتمر المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت - ملامح النظام العالمي الجديد

عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب – باحث في الشؤون السياسية والعسكرية

مقدمة :

بداية اسمحوا لي ان استخدم بديلاً لعنوان النظام العالمي الجديد عنواناً اكثر تعبيراً عن التحولات الجارية والعنوان هو تحولات نحو عالم جديد ، والسبب لاستخدامي لهذا العنوان ان مسمّى النظام العالمي الجديد ظهر منذ أربعة عقود واختلفت مفاهيمه بين فترة وأخرى حيث ظهر في بداية الخمسينات من خلال مطالبة دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز بنظام عالمي جديد لتطوير الوضع الدولى القائم في هذا الوقت مع توسيع قاعدة المشاركة الدولية ثم اختفى هذا المفهوم لعدم استجابة واقتناع الدول الكبرى به لتعارضه مع مصالحها.

وعاد المصطلح للظهور مجدداً سنة 1990 خلال حرب الخليج الثانية كما يُطلق عليها مع اعلان اميركا حينها اهدافاً واضحة بإقامة نظام عالمي جديد نتج عنه هيمنة كاملة على النفط في الخليج وانهيار الإتحاد السوفياتي ما ادّى الى تفرّد الولايات المتحدة الأميركية بالقرار  عبر  إجراءات ضربت بعرض الحائط كل القوانين الدولية محققة بذلك هيمنة  غير مسبوقة على اغلب مقدرات العالم  دون أي مراعاة لمصالح الدول الأخرى بما فيها من تعتبرهم حلفاء لها .

الأسباب التي ادّت الى تعاظم الهيمنة الأميركية :

  • إنهيار الإتحاد السوفييتي وتفكك الكتلة الإشتراكية .

ليس خافياً على احد حتى من غير المهتمين والباحثين انه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تقود الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد من دون منافس تقريبا، إلا من بقايا قوة روسية ما زالت تدافع عن بقايا نفوذ تقليدية.

ويجمع الدارسون للتاريخ على أن الاتحاد السوفييتي الذي عمّر لعقود طويلة، وخاض معارك وجود غير تقليدية مع المعسكر الرأسمالي الغربي، مثّل واحدا من أهم عوامل كبح جماح الظلم والاستبداد الرأسمالي في العالم، وكان داعما لحركات التحرر في العالم عامة وفي المنطقة العربية تحديدا.
خسرت معارك التحرر الوطني في مختلف أنحاء المعمورة الكثير بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي، ليس لأنها فقدت نصيرا مهما في مواجهة محاولات الهيمنة الدولية فحسب، وإنما لأن استفراد قوة واحدة بقيادة العالم، قد أفقد النظام العالمي واحدة من أهم شروط التوازن المطلوبة دوليا.

وحتى لا اتوسع كثيراً في أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي سأذكر باختصار اهم الأسباب وهي عناوين مهمّة يجب الإستفادة منها خلال وضع الخطط لمواجهة الهيمنة :

  • تيار الإنشقاق

وقد تشكل هذا التيار بداية من جماعات من الناشطين المناهضين للمشروع السوفييتي من دون إطارات تنظيمية واضحة. ومع مرور الوقت اتخذت هذه الجماعات أشكالا تنظيمية، ونشأت فيما بينها صلات، ثم أمنت تمويلاً لأنشطتها وقاعدة لإصدار وتوزيع أدبياتها.

  • فساد المكتب السياسي
    يعتبر فساد المكتب السياسي السوفييتي سبباً من أسباب سقوطه، حيث كان الاتحاد السوفييتي في العشرينات من القرن العشرين بقيادة فلاديمير لينين، وليون تروتسكي، وجوزيف ستالين، وكانت لديهم العديد من السلبيات والعيوب في قياداتهم، ولكنهم كانوا مُندفعين بالنقاء الأيديولوجي المرتبط بالماركسية. ومنذ عام 1963م بدأ المكتب السياسي السوفييتي بالانحراف عن سياسات لينين مع اتباع منهجٍ متحفّظ نوعاً ما؛ حيث شهدت الستينيات والسبعينيات زيادة ثروات نخبة الحزب، وتشكل الطبقة البرجوازية “النومونكلاتورا”.
  • البيريسترويكا
  • والشبهات التي دارت حول غورباتشيف تحديداً ودوره في إيصال الإتحاد السوفياتي الى حافّة الإنهيار حيث شكلت حركة غورباتشوف باتجاه الشيوعية الأوروبية الخطوة الأولى على طريق تدمير الاتحاد السوفييتي. لكن كانت حركة القيادة الحزبية السوفييتية هذه قبل عام 1985 سرية، ولم تحصل حينما جرت، تحت غطاء سلطة السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي، تصفية كبرى للكوادر وتغيير وجهة كل الماكينة الأيديولوجية.
  • العدد الكبير من الدول الخاضعة للهيمنة الأميركية وهنا لن اتوسع لأن الأمر معروف سواء بما يرتبط بالدول او وسائل اخضاعها وهي للأسف كثيرة تبدأ بدول الإتحاد الأوروبي وتنتهي بغالبية الدول العربية والأسيوية والإفريقية وقسم كبير من دول اميركا الجنوبية .
  • في الجانب الاقتصادي :

تأثرت جميع الدول بالأزمات التي حدثت حينها في أي مكان بالعالم طبقا لقرب وبعد المسافات مع تطبيق سياسة الانفتاح وتحرير التجارة العالمية وإنشاء “منظمة التجارة العالمية” لتنظيم العلاقات التجارية وسن القوانين والتشريعات اللازمة في تنظيم أسس المعاملات التجارية المختلفة بين الدول.

وكذا عولمة الاقتصاد والانتقال من مرحلة رأسمالية الدول الاحتكارية إلى رأسمالية الاحتكارات الدولية وتحكم الدول السبع الكبرى الصناعية في الأسواق المالية في باديء الأمر مع الاتجاه لاقتصاديات السوق وزيادة التأثير للاقتصاد المتبادل بين المناطق الاقتصادية المختلفة، مع ازدياد هامشية العالم الثالث نتيجة للمتغيرات الاقتصادية وتراجع نصيب الفرد به من الدخل القومي ومعدلات النمو.

في الجانب العسكري :

شهد الجانب العسكري توسعاً غير مسبوق للعمليات العسكرية الأميركية والغربية من أفغانستان الى العراق الى سورية وليبيا واليمن وغيرها من البلدان وخصوصاً في دول غرب آسيا .

لنكون فيما بعد أمام إطلاق لنظرية الفوضى الخلاقة التي لا تزال آثارها حاضرة حتى اللحظة وهدفها الأساسي هو تفتيت الدول الحالية على أسس طائفية ومذهبية واثنية تحت مسمّى الربيع العربي الذي نجَت منه الى حد مقبول مصر وتونس في الجانب المرتبط بالصراعات العسكرية حيث استطاع الجيشان المصري والتونسي حسم المواجهة في وقت قصير .

وعلى الرغم من انتهاء المواجهات العسكرية الكبرى في سورية والعراق الا ان الخلايا النائمة لا تزال موجودة في العراق وبؤر المواجهة العسكرية موجودة في سورية وليبيا واليمن .

وفي كل المراحل ومع انهيار الاتحاد السوفياتي برز في المنطقة التحول الأهم وهو نشوء الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي شكّلت بديلاً  داعماً لدول الممانعة وحركات التحرر في مواجهة الهيمنة الأميركية والإحتلال الصهيوني ، ما رتّب على ايران أعباء كبيرة بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ نشوئها .

ومع ان روسيا انتهجت سياسة مغايرة لسياسة الإتحاد السوفياتي وتحولها الى نظام اقتصاد السوق في البعد الاقتصادي والى الليبرالية في الممارسة السياسية لم تسلم من تدخلات الولايات المتحدة الأميركية ورغبتها في الهيمنة وقد تمثل ذلك في محاولات الثورات الملونة في بيلوروسيا وجورجيا واحداث الشيشان والعبث في كل المجال الحيوي الطبيعي لروسيا .

وسأعود الى روسيا في مقاربة تطبيقية لطبيعة الصراع العسكري الناشيء على ارض أوكرانيا ولكن اولاً ساستعرض وعلى عجالة ابرز العوامل التي باتت تتحكم بالإقليم بشكل عام .

  • العامل الأول وهو الإنقسام

في العادة يُصنّف الإنقسام على انّه عامل سلبي وهذا صحيح ، ولكن الإنقسام الحالي سواء على مستوى الأنظمة او على مستوى الشعوب اصبح عاملاً ايجابياً لإنه حسم الإصطفافات وثبّت التموضعات واصبح عنصر تقدير الموقف بنتيجة هذا الإنقسام اكثر سهولة لإنتفاء الرمادية ويمكن لنا ان نتلمس هذا الإنقسام بمشهديته الواضحة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن مع الأخذ بعين الإعتبار تماسك مركز الدعم الرئيسي لدول المحور وقوى التحرر واقصد هنا ايران التي تتعرض بدورها لهجمات متتابعة منذ نشوء الدولة بنتيجة انتصار الثورة الإسلامية ، وهذا برأيي يشكل عامل الثبات الأساسي في المواجهة المستمرة .

  • العامل الثاني وهو انتقال قوّة الردع لدول وقوى محور المقاومة .

وعن حصول هذا الإنتقال كنا امام حسم لقرار المواجهة واستمرارها حيث يتبدى ذلك في :

  • في اليمن

الذي انتقل منذ ثلاث سنوات من مرحلة الصبر الإستراتيجي الى مرحلة الضغط الإستراتيجي عبر استهداف عمق المملكة السعودية والإمارات وضرب المنشآت الحيوية الاقتصادية والعسكرية وصولاً الى مرحلة الهدنة الحالية وان تكن غير مستقرة ولكنها دلالة واضحة على وصول اليمنيين الى مرحلة فرض معادلات القوة وتوازن الردع وهي بحد ذاتها مرحلة ذات دلالات كبيرة في احتمالات المستقبل وما يحمله من استمرار لتصاعد منسوب القوة في العديد البشري المؤهل وفي وسائط الصراع العسكري وعلى رأسها بالطبع الصواريخ والمسيرات .

  • في لبنان

الذي استطاعت فيه المقاومة تثبيت معادلات الردع المتتابعة منذ التحرير الأول عام 2000 مروراً بالصمود الأسطوري والإنتصار الإلهي عام 2006 ودحر الإرهاب وتحقيق التحرير الثاني في الجرود اللبنانية والسورية عام 2017 وصولاً الى فرض معادلات جديدة اخيراً وليس آخراً وهي التفاهم غير المباشر لتحديد الحدود المرتبطة بالنفط والغاز مع العدو الصهيوني عبر وساطة أميركية .

وعلّة لبنان هو الإنقسام العامودي الذي استطاعت من خلاله اميركا ان تُحدث توازناً بمثابة عائق خطير امام تموضع لبنان كدولة خارج التبعية بالكامل ، الا ان وجود المقاومة وحلفائها بات تحولاً نوعياً لا يمكن بمواجهته تمرير مشاريع الهيمنة الكاملة كما كان الأمر قبل نشوء المقاومة

  • فلسطين
  • التي يحصل فيها التحول الأكبر سواء في غزة او في الضفة او في أراضي ما يصطلح على تسميتها ارض ال 48 .

في غزة

ورغم الحصار الكامل وصلت فصائل المقاومة الى مستوى جيد في خبرات القتال واستخدام صنوف الأسلحة المختلفة وعلى رأسها الصواريخ التي باتت تطال من مواقع اطلاقها غالبية أراضي فلسطين المحتلة وهو تطور كبير وهام حصل خلال 17 عاماً فقط منذ تقهقر جيش العدو من قطاع غزة عام 2005 .

في الضفة يمكن اعتبار العمليات المتواصلة وبوتيرة عالية شبه يومية نقلة نوعية يجب دراستها لأنها نمط جديد غير معتاد حيث الغالبية من العمليات هي عمليات فردية لا يمكن الجزم اذا ما كانت عفوية او مؤطرة ومخطط لها وهو الأمر الذي خلق ارباكاً كبيراً في صفوف الأجهزة الأمنية الصهيونية ولم يترك لها الا القيام بسلوك اجرائي متوحش هو تصفية كل من تقع عليه الشبهة سواء كان رجلاً او امرأة او شيخاً او طفلاً  ، وعلى الرغم من عدم وصول العمليات الى مستوى كبير جداً خصوصاً لجهة نوعيتها الا ان قادة العدو باتوا يعتبرونها خطراً وجودياً لا يستهان به .

في أراضي 48

للمرّة الأولى منذ احتلال فلسطين كنّا امام تطور هام ونوعي خلال معركة سيف القدس جيث انتفض أهالي فلسطين وخصوصاً منهم الشباب والشابات باعمار بين 17 و30 وهو برأيي اسقاط لمقولة بن غوريون الشهيرة عندما سئل عن ضمانة بقاء الكيان فأجاب بإن الرهان هو على موت الكبار ونسيان الصغار ، وها هم الصغار من الجيل الخامس والسادس والسابع بعد موت الكبار ينتفضون ويسلكون درب اجدادهم .

في العراق

يمكن اعتبار الساحة العراقية الساحة الأكثر تعقيداً وخطورة لكنها رغم ذلك لم تعد موطيء قدم تام وكامل لأميركا خصوصاً بعد تشكل الحشد الشعبي وتحوله الى قوّة رديفة للجيش العراقي وهي كما لبنان في حالة انقسام عامودي تحمل في طياته بذور الإنفجار في أي وقت وتتطلب معالجة جذرية وجادة قد تأخذ وقتاً حتى تتشكل قدرات قوى المقاومة والتغيير وتصل الى المستوى المطلوب .

ولأن روسيا مستهدفة كما غيرها من الدول كايران والصين وفنزويلا وكوبا لم  تتراجع الولايات المتحدة الأميركية عن حياكة المؤامرات عليها سواء من الداخل الروسي او من خلال دول الجوار السوفياتي السابقة وآخرها أوكرانيا  حولتها اميركا الى حديقة خلفية مسمومة ومشتعله وحولت جزءاً كبيراً من الشعب الأوكراني الى شعب معادٍ لروسيا عبر تعميم الروس فوبيا وخوض الحملات السياسية والإعلامية والإقتصادية بشكل غير مسبوق طال حتى الفن والرياضة والثقافة وغيرها من المجالات الإنسانية في حملة عقوبات لم يشهدها العالم سابقاً .

وبرايي اهم ما يحصل الآن هو الإعلان الصريح من الرئيس بوتين ان المواجهة في أوكرانيا هي للحد من الهيمنة الأميركية وانتقال الكلام في الآونة الأخيرة الى مرحلة الإعلان بضرورة القضاء على الهيمنة والوصول الى عالم جديد قائم على التفاهم والشراكة في الاقتصاد والأمن وكافة المجالات الأخرى .

الا اننا كعرب ومسلمين يجب ان ننتبه الى مسألة في غاية الأهمية وهي اسقاط مشروع انشاء إسرائيل الجديدة على أراضي جنوب أوكرانيا عبر ضم اربع مناطق الى الإتحاد الروسي .

وهنا يبرز السؤال المركزي هل بدأت روسيا الدخول في تحولات جديدة خارج التأثير من الأوليغارشيا الروسية اليهودية عبر انهاء مشروع انشاء إسرائيل الجديدة ؟

واسمحوا لي على عجالة ان أقارب هذه المسألة على أهميتها بما يرتبط بقضايانا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين انطلاقاً من مقاربة واقعية تلقي الضوء على هذا الأمر .

يعاني كيان الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من المشاكل وهو ما جعل قادة هذا الكيان وقيادات الحركة الصهيونية بالتفتيش عن حلول جذرية تضمن بقاء الكيان وعدم زواله .

ومن ضمن اهّم المشاكل :

  • الأرض :

تبلغ مساحة كيان الاحتلال  21 ألف كيلومتر مربع ، وهي أقل من مساحة أي منطقة أوكرانية.

في الوقت نفسه ، يبلغ عدد سكان الكيان  8.5 مليون نسمة ، وهو ما يشكل كثافة سكانية كبيرة نسبيًا ، بالنظر إلى أن 60٪ من أراضي فلسطين المحتلة صحراء ، حيث المناخ غير مناسب لحياة الإنسان.

  • المناخ الحار حيث جميع الغابات المزروعة في هذا البلد تتعرض للحرائق كل صيف تقريبًا.
  • الطوق المعادي من الدول العربية

حيث هناك أقلية يهودية صغيرة نسبيًا محاطة بأكثر من 100 مليون من السكان العرب المعادين ، الأمر الذي يبقي إسرائيل في حالة توتر دائم.

كل هذه المشاكل اوجدت مخاطر وجودية تتنامى يوماً بعد يوم وهو ما اكّده هنري كيسنجر حيث قال ذات مرة إنه في العقود القادمة ستعاني ” إسرائيل ” من ازمة وجود بسبب عدد من المشاكل غير القابلة للحل .

إضافة لهذه المشاكل هناك مشكلة الحفاظ على التنمية المستدامة خلال العقود القادمة وهذا يحتاج الى اراضٍ شاسعة تحتوي الكثير من الموارد ولا تكون معادية  ولهذا ، وفقًا للنخب اليهودية ، فإن المنطقة الواقعة في جنوب أوكرانيا ، المسماة نوفوروسيا ، بكل بساطة هي مثالية .

اما لماذا تمّ اختيار هذه المنطقة ؟ فإنه ولمدة 400 عام ، كانت هناك دولة يهودية في هذه المنطقة ” خازار خاقانات ”

بالإضافة إلى ذلك ، من عام 1924 إلى عام 1948 ، نظرت الحكومة السوفيتية بشكل دوري في مسألة إنشاء جمهورية يهودية سوفيتية في القرم.

كان الأمر كله يتعلق بحقيقة أنه سيتم إنشاء جمهورية اشتراكية سوفيتية يهودية في شبه جزيرة القرم. ، والصراع بين الاتحاد السوفياتي و” الدولة الإسرائيلية الجديدة ” هو وحده الذي وضع حدّاً لهذا المشروع.

ويبقى انّ السبب الرئيسي لإنشاء ” إسرائيل ” الجديدة على أراضي جنوب أوكرانيا هو الخطر العسكري ” لإسرائيل ” الحالية من الدول العربية المجاورة  وخصوصاً حركات المقاومة في فلسطين ولبنان .

أسلحة صاروخية بعيدة المدى مقابل عدم امتلاك هذه الصواريخ من قبل الدول العربية وحركات المقاومة سيُنتج وضعية جديدة في معادلات الردع لصالح كيان الاحتلال ستمنع دول الطوق الحالية وحركات المقاومة من مجرد حتى التفكير في الإعتداء على ” إسرائيل ” الحالية .

واستناداً الى وثائق الوكالة اليهودية فإن اختيار  مكان ” إسرائيل ” الجديدة اخذ بعين الإعتبار ان جزءاً كبير اً من الأوكرانيين المعاصرين ينحدرون من العرق التركي في خازار / خاقانات القديمة وهم موالون لإسرائيل.

كما انّ مدن نوفوروسيا ، مثل دنيبروبتروفسك وأوديسا ، هي موطن لجالية يهودية كبيرة ، والتي تسيطر نخبتها بشدة على المناطق الجنوبية من أوكرانيا.

كما انّ التخطيط لإنشاء ” إسرائيل ” الجديدة جعل دنيبروبتروفسك العاصمة السياسية والتجارية ” لإسرائيل الجديدة ”  ، على ان تكون أوديسا العاصمة الثقافية للدولة اليهودية الجديدة.

في ربيع عام 2014 تعرّض مشروع ” إسرائيل الجديدة ” مع بداية الصدام في منطقة الدونباس وظهور مشروع ” نوفوروسيا ” الى العلن من جديد وهو المشروع النقيض لمشروع ” إسرائيل الجديدة ” وهو ما بدأ باستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم وإعلان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الإنفصال عن أوكرانيا .

عندما علم قادة المنظمات اليهودية العالمية بمشروع نوفوروسيا ، تم اتخاذ إجراءات استثنائية لمنع تنفيذ هذا المشروع.

على المستوى الأوكراني المحلي ، بدأ كبار رجال الأعمال اليهود في أوكرانيا وكبار المسؤولين الحكوميين اليهود في أوكرانيا في إنشاء وتجهيز ما يسمى كتائب المتطوعين ، لمنع مشروع نوفوروسيا ، لأن مشروع نوفوروسيا تهديد ونقيض ” لإسرائيل الجديدة ” .

على الصعيد الدولي ، كان هناك ضغط قوي على الرئيس الروسي بوتين ، وكذلك الأفراد المرتبطين بفريق بوتين الذين عاشوا في لندن والولايات المتحدة وسويسرا ، لكي تتخلى روسيا عن مشروع نوفوروسيا.

وبعد استعادة شبه جزيرة القرم وارجاعها الى السيادة الروسية بقيت خمس مناطق فقط في مشروع ” إسرائيل الجديدة ” : دنيبروبيتروفسك ، زاباروجيا ، خيرسون ، نيكولاييف وأوديسا.

واستناداً الى مجموعة من المصادر كان مقرّراً ان يتم اعلان ” إسرائيل الجديدة ” في العام 2020 ضمن مخطط متكامل شمل حتى الشخصيات اليهودية التي ستتولى قيادة الدولة الجديدة .

في 24 شباط 2022 مع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بدأت الأمور تتجه اتجاهات مختلفة وبدأنا نشهد تطوراً في العلاقات نحو الأسوأ بين روسيا وكيان الاحتلال وصلت فيه الأمور الى مرحلة اقفال مكاتب الوكالة اليهودية في روسيا ومنعها من ممارسة أي نشاط على الأراضي الروسية .

اما الإجراء الذي حسم احباط انشاء ” إسرائيل الجديدة تمثّل باستفتاء سكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون بالإنضمام الى روسيا وقبول قيادة الإتحاد الروسي نتائج الإستفتاء .وبذلك يمكن القول ان ثلاث مناطق خرجت عملياً من نطاق الأراضي التي تتشكل منها ” إسرائيل الجديدة ” وهي شبه جزيرة القرم وزاباروجيا وخيرسون ، علماً ان الرئيس بوتين وفي جواب على سؤال احد المشاركين في منتدى فالداي وصف اوديسا بانها احد اجمل المدن الروسية وهذا يعني استكمال العملية العسكرية نحو مقاطعة اوديسا مروراً بنيكولاييف وهو امر حتمي لن يتراجع عنه الرئيس بوتين لما تشكله اوديسا من رمزية للشعب الروسي كونها تأسست على  كاترينا الثانية التي ازالت السلطات الأوكرانية تمثالها منذ أيام من وسط مدينة اوديسا  اما بالنسبة لمقاطعة دنيبرو بيتروفسك واستناداً الى تصريحات العديد من المسؤولين الروس فإن السيطرة عليها مع مقاطعة خاركوف سيكون على رأس أولويات المرحلة القادمة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى