كتبت ليندا حمّورة | سياسة الأديان وعقيدة السياسة
ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية
كثيرة هي الكلمات والعبارات والمصطلحات العربية وكثرٌ هم المدعون بفهمها ولكن الحقيقة أننا نجيد القراءة ونجهل التفسير، نحن أمةٌ تسمع أكثر مما تقرأ، وتحلل دون أن تفهم، وتعيش فوق السحاب دون الغوص في تفاصيل التكوين ومعرفة أن السحب ستمطر يوماً ما وكل ما شبّعت به سيصبح في جوف الأرض …
نحن أبناء الشرق الذين صنعنا التاريخ ولكن للاسف شوهنا الحاضر، وها نحن ندفن المستقبل بأيدينا، كثر من نادوا بالديمقراطية للخروج من قوقعة الجهل والديكتاتورية الفكرية التي تعشش في عقولنا، ولكن وللأسف جوبهوا بأولئك الذين لا يحسنون التفسير، ولا يغوصون في علم المنطق.
تعالوا معنا لنعيد حادثة حقيقية حصلت مع أحد المفكرين المصريين في الزمن الماضي، أحمد لطفي السيد من كبار المفكرين في مصر، عمل في العديد من المجالات الأدبية والفكرية ويعتبر من قادة التنوير والتثقيف في مصر في القرن العشرين، ولقب بأستاذ الجيل . وهو صاحب مقولة نستذكرها دوماً ” الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ” ذات يوم رشحّ نفسه لعضوية الجمعية التشريعية التي تشبه البرلمان وتشرّع القوانين بناءً على إرادة الشعب، وحين سئل عن مبادئه رد قائلاً : أنا مبادئي الديمقراطية ولا بد من الدفاع عنها ! هنا بدأت معركة اصحاب التفسير الخاطىء واعطوا الديمقراطية مصطلحاً لا حقيقة له لاثارة الذعر في قلوب الناس البسطاء، الذين يتحسسون كسائر الشرقيين أمام الدين والجنس لاسباب تاريخية وغيرها …
بدأت المعركة حين حاولت جماعات من القرى تشويه صورة الرجل ومبادئه للناس البسطاء الذين لا يجيدون القراءة والفهم، وقالوا لهم هذا الرجل يريد الديمقراطية أو تعلمون ماذا تعني الديمقراطية ؟ إنه يريد قانوناً يسمح للمرأة أن تتزوج ثلاثة رجالٍ غيركم وهي حرة التصرف معهم، هنا جاءت الضربة على الوتر الحساس عند الشرقيين فثاروا ثورتهم واعترضوا على مبدأ المفكر وانجرفوا خلف الجهل واللا منطق، ولم يدلوا باصواتهم للحق،وخسر حينذاك المفكر منصباً مهماً لا بل دعونا نقول بأن المنصب خسر أحد العمالقة الفكريين …
للأسف العلمانية أيضا تسبح في بحر آسن لوثّته مصطلحات خاطئة وعقول فارغة، فبنظر الناس أن العلمانيون هم أعداء الإسلام وإذا ما سئل أحدهم أنت علماني أجاب قائلاً: الحمد لله على نعمة الإسلام ! يا سادة يا أعزاء يا أبناء قومي وقوميتي ووطني وأرضي وشعبي التفسير الحقيقي لكلمة علماني واحد : العلماني ( ليس له أي اتصال بالدين ) يعني من فسره بأنهم السكارى والحشاشين وأصحاب الفحشاء وضد الدين هم مخطؤون تماماً، فالنشاط العلماني ليس له علاقة بالدين فمثلاً حين يتعرض أحدنا لحادث معين ويحتاج لطبيب فهل هذا الطبيب سيقرأ عليه آية قرآنية أم أنّه سيعالجه بنشاطه العلماني الذي لا دخل للدين به ؟
العلماني ليس ملحداً ولا يكره الدين لا بل إنه قرأ الكتب السماوية أكثر من المتدينين وفي مجتمعنا لا يفرقون بين المسلم والاسلامي ولا يعرفون ان الاسلامي هو من يعتبر العلمانية عدوة الاسلام ولديه مشروع سياسي ان يغلب الكفار والذي لا يريد أن يؤسلم يحاربونه، فإذا نستنتج بأن العدو الفكري الحقيقي للاسلاميين هم العلمانيون الديمقراطيون . نأسف على قول الحقيقة ولكننا مجبرون على توصيل رسالة واضحة لما يحصل على أرض الواقع .
في آخر احصاءاتها لنسبة المتدينين فيها أعلنت النيويورك بأن ٤٠٪ من سكانها من المتدينين ولكن بفضل العلمانية يسهل على اي جماعة اسلامية بناء مسجد حيث يوجد في مدينة نيويورك ١٧٥ مسجداً ولولا العلمانية لكانت الجرائم فادحة …
العلم نور والجهل ظلام فلماذا لا نستنير جميعاً ونبعد عنا شبح العتمة والجهل؟ لماذا لا نعطي التفسير الحقيقي للكلمات ونقول بصوت هادر الديمقراطية هي أن تحصل على كرامتك أن تعامل كإنسان عادي وأموال الدولة هي أموالك وكل ما تمتلكه الدولة لك الحق به، وأخيراً كل من يدافع عن حقك كمواطن لبناني فهو علماني.
الأراء الموجودة في النص على مسؤولية الكاتب