كتاب الموقع

كتبت ليندا حمورة | غزة …صرخة كربلاء في زمن العار

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية

كأنني لم أُخلق من تراب هذا الكوكب… كأنني نبتةُ روحٍ من كوكبٍ لم يعرف الطغيان، ولا سمع بأخبار الدماء… كلما حدّقتُ في هذا العالم، خُيّل إليّ أنني غريبةٌ، أنني ابنة السّلام المنفية في أرضٍ تصنع من رماد القتلى عروشًا، ومن عويل الأطفال سمفونيةَ موتٍ تراقص عليها أدوات القتل.
غزة… قطعة من القلب الإنسانيّ تمزّقت بين أنياب الوحشية، وقطعة من السماء هبطت إلى الأرض لتُبعثرها القذائف شذرًا. هناك، في خاصرة الشرق، تسكن فلسطين التي تشبه زهرة شقائق النعمان، تنبت من دماء الشهداء، وتُقطف كلّ يوم بأيدٍ لطالما ادّعت الطهر.
أيّ كتابٍ هذا الذي يدّعون الانتساب إليه، ووصاياه تُغتال في شوارع غزة كلّ فجر؟ أين “لا تقتل” من أفواه مدافعهم؟ أين “أحبب قريبك كنفسك” من نيرانهم التي لا تُفرّق بين طفل ومسنّ؟ إن لم يعترفوا بكلام ربّهم، فهل يُرجى منهم الاعتراف بإنسانيتنا نحن؟
يا لغزارة الأسئلة، ويا فقر الأجوبة!
أيّ عدالةٍ تلك التي تعمي عينيها أمام أشلاء الأطفال؟ أي قانونٍ ذلك الذي يوقّع على حرق المستشفيات، وقصف المدارس، ومسح العائلات من السجلات المدنية كما يُمسَح غبار النسيان عن رفّ قديم؟!
أيّ عقل يقبل أن تُصبح غزة، بكل ما فيها من حياة، مختبرًا لأسلحة الدمار، وساحةً مفتوحة لمشاريع الإبادة الجماعية، تحت عنوان “حق الدفاع”؟!
إنّ ما يحدث اليوم ليس حربًا، بل طوفانٌ من الجحيم، ينهال على رؤوس أهلنا هناك، لا لشيء، إلا لأنهم قالوا: نريد أن نعيش على أرضنا بكرامة.
غزة ليست مجرد مدينة، إنها أيقونة الصمود، ومحراب الألم، ومئذنة تصدح من بين الركام: “حيّ على الحياة، رغم الموت”.
وإن كان العالم قد استبدل ميزانه بآخر مصنوع من رماد السياسة والمصالح، فإن ميزان السماء لم يتعطّل… وإنّ لله جنودًا لا نعرفهم، يُدبّرون النصر حين نبلغ ذروة الوجع.
غزة اليوم، لا تطلب الشفقة، بل الشهادة على ما يجري:
“سجّلوا أنني كنت هنا، ومضيتُ شهيدًا لا لاجئًا… سجّلوا أن هذه الأرض قدّمت قُدسها قربانًا لأجل كرامتها، وأن الغزاة ما عرفوا يومًا معنى الوطن.”
أيّها الضمير العالمي، إن كنت حيًّا فانهض… وإن كنت ميتًا، فقد دفنتك غزة في قلب طفلها الذي نزعوا قلبه وما نزعت منه كرامته
*نائب رئي تحرير موقع المراقب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى