كتبت ليندا حمورة | عدسة الزمن بين النيغاتيف والسيلفي

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
ما بين جيل الأمس وجيل اليوم
بينما كنت أتحدث مع ابني الذي بلغ الثامنة عشرة، أخبرني عن صديقته. بابتسامة مازحة سألته: “أهي جميلة؟” فردّ عليّ بصورة التقطها معها، رأسيهما متلاصقان، كأنهما قطعة واحدة. انتفضت، وقد باغتني المشهد، فسألته بذهول: “ما هذا؟” أجابني ببساطة مدهشة: “وماذا في ذلك؟ إنها مجرد صديقتي!”
في تلك اللحظة، شعرت كأن الزمن يسحبني من يدي إلى الوراء، إلى ماضٍ بعيد كنت فيه فتاة مراهقة، بريئة كصفحة بيضاء لم تخطّها العولمة بعد. تذكرت رحلة مدرسية حملنا فيها معنا الكاميرا الشهيرة—”كوداك”، بعدد صور محدود لا يتجاوز الأربع والعشرين، ومن كان ميسورًا امتلك واحدة بستٍ وثلاثين لقطة، وكأن الذكريات آنذاك كانت أغلى، واللحظات تُوثّق بانتقاء شديد.
في تلك الرحلة، التُقطت لي صورة لم أكن أعلم عنها شيئًا، وحين عرفت، كان هاجسي الوحيد أن أستعيدها، مع النيغاتيف أيضًا، كأن روحي قد سُرقت في ظلّها، وكأن صورتنا لم تكن مجرد انعكاس، بل سرّ من أسرارنا المغلقة. كان ذلك زمنًا أكثر نقاءً، زمنًا كنا نحسب فيه للصور حسابًا، ونرى في المسافة بيننا وبين الآخرين حرمة وجلالًا.
واليوم؟ اليوم تُلتقط الصور كأنها أنفاس عابرة، تتطاير في فضاء بلا قيود، بلا رهبة، بلا ذاك الحياء العذب الذي كان يلوّن أيامنا. كيف تبدّل كل شيء بهذه السرعة؟ كيف أصبح الحاضر غريبًا عن ماضينا؟ وإلى أين يمضي بنا هذا التيار الجارف، الذي لم يترك لنا حتى فرصة التقاط الأنفاس