كتبت سماهر الخطيب | وانتصر قيصر العرب..
سماهر الخطيب | كاتبة في الشؤون السياسية
إثنى عشرة عاما عانى فيها الشعب السوري أعتى أنواع الحروب شراسة وضراوة بدءا من الحرب الإعلامية التي مارستها ضده شتى وسائل الإعلام العربية والغربية من تزوير للحقائق وافتعال الأزمات ودس السم في العسل السوري تحت شعار “إغاثة السوريين” و “نصرة السوريين” وما أن مرت أشهر قليلة على افتعال الأزمة في سورية عام 2011 حتى بدأت المظاهر المسلحة التي هيأت فيما بعد بيئة حاضنة للإرهاب ليتم جلب ما هب ودب من إرهابيين ومتطرفين إلى الأرض السورية.
وتحولت الأزمة المفتعلة بأساليب دعائية وإعلامية وفق ما يعرف بالحرب الناعمة حتى تكشفت خشونتها إلى حرب إرهابية ومؤامرة كونية ضد سورية حتى باتت مرتعا للإرهاب الذي تم توريده إلى أصقاع سورية من أكثر من ثمانين دولة حيث دخل من تركيا فقط عبر مطار أتاتورك ٦٣٠ ألف مقاتل من جميع بقاع الأرض، (الشيشان، الأوزبك، الإيغور، الطاجيك، الأسترال، البريطاني، الفرنسي، المغربي والتونسي والخليجي وحتى الأفريقي)، كما دخل من العراق إلى سورية ٣٢٥٠٠٠ ألف مقاتل من جنسيات مختلفة ومجموعات كردية من كردستان العراق باتجاه الشمال السوري، ناهيك عن الدعم “الإسرائيلي” لتلك المجموعات، وما تلقته من تمويل وتدريبات عسكرية ومساعدات لوجستية وتكنولوجية، في محاولة لإسقاط الدولة السورية وإفراغ مؤسساتها من شرعيتها ومشروعيتها.
ولطالما سجل التاريخ فتح سورية أبوابها أمام دول العالم أجمع فلم تغلق بابها أمام اللاجئين الهاربين من الموت سواء خلال الحرب العالمية الثانية حين استقبلت اليونانيين والأرمن والشركس وحتى اليهود الهاربين من النازية وفي العصر الحديث استقبلت العراقيين واللبنانيين استقبال الأم لأبنائها…
نعم استقبلت الجميع، ولم تفرق بين سائح ولاجئ وبين عربي وغربي بل كانت للجميع مرحبة إلى أن أتتها الطعون من الجميع إلا من آمن بها وبادلها الوفاء بالوفاء والحب بالحب… وأول طعنة تلقتها كانت بسكين عربية لتتوالى بعدها الطعنات الغربية…
وبقيت سورية تلملم جراحها وتداويها وتصبر على مصابها بأشقائها صبر العارف والمدرك بأن الحق لا بد وأن ينتصر، وبأن الكبير لا بد وأن يستوعب الصغير، وبأن الرأي العربي التائه لا بد وأن يعود إلى رشده، وأن السنين العجاف ستمضي، وأن النصر قابع في نهاية المطاف ينتظر وصولها، وأن كل ما مر بها سيمر بما حواه من مر الأيام، فاستبسل جيشها الأسطوري في حربه ضد الإرهاب يوازيه جيش دبلوماسي مستبسل في وجه من يدعم ذاك الإرهاب، وصبر شعبها أمام كل ما حيك ضده من مكائد، وقضى الجيش العربي السوري مع حلفائه على الإرهاب، وأسقط الجيش الدبلوماسي مع حلفائه كل القرارات التي حاولت الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها الغربية استصدارها ضد سورية…
وحين لاح فشل شتى تلك المخططات “الشيطانية” أوجدت الدول الغربية والعربية وجه آخر للإرهاب فطال خبثهم لقمة عيش المواطن بعقوبات اقتصادية مجحفة وجائرة بحق إرادته في الحياة بعد أن “تهاوشوا عل الغنيمة” ولم يجدوا ما يغتنموه ووجدوا ذاك الشعب العنيد متمسكا بكل إرادته بدولته ومؤسساتها مؤمنا بجيشه وبمؤسسته العسكرية ملتفا حول قيادته صابرا على تجويعه وفقدانه أبسط مطالب العيش من تدفئة وكهرباء حتى أنهم حرموه الماء ولو استطاعوا لمنعوا عنه الهواء، فدخلوا في حرب مدمرة اقتصاديا وحاصروا الدولة والنظام، فرضوا العقوبات وسطروا أسماء على لوائح العقوبات وأدخلوا البلاد والشعب في ظلام دامس وإفلاس تام.
إنما بقي الشعب السوري الذي استشهد أولاده وسرقت أرزاقه ومصانعه وآثاره ونقلت إلى الدول المحيطة، بقي عنيدا بوجه كل محاولاتهم ومخططاتهم ومكائدهم مؤمنا بنصره سائرا على درب شهدائه مقدرا تضحياتهم ونهجهم البطولي المقدس، مدافعا عن أرضه وشرفه وعرضه مؤكدا بكل وقفاته إنتماؤه المتأصل بالأرض والفكر والمبدأ المقاوم، مقاتلا، صامدا، حقق بصموده الإلهي العظيم انتصارا على هولاكو العصر وحلفائه الذين لم يستطيعوا أن يخترقوا أسوار الشام العظيمة.
فما كان لتلك الدول العربية والغربية سوى الرضوخ لإرادة الشعب السوري والعودة دون شروط إلى سورية المنتصرة، بعد أن فهموا أبعاد ما افتعلوه “بحماقاتهم” بأن سورية في سياستها وفي أفعالها ستظل القلعة الوطنية القومية، فسورية لا تجامل ولا تساوم أحدا على المبادئ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأبعاد القومية هكذا كانت وهكذا ستبقى وهذا هو دور سورية القومي النقي ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ومهما ضخمت المصاعب فالتسليم ليس خيارها، والسلام الذي تقبله هو الذي يعيد الأرض ويعيد الحقوق وينشر الأمن في المنطقة وأقل من ذلك وفق رؤيتها هو استسلام.
انتصرت سورية أمام عنجهية الغرب و “خيانة” العرب و “تمرد” الترك، وانتصرت سورية بجيشها الدبلوماسي في المحافل الأممية والعربية، وانتصرت سورية بجيشها الباسل في الميادين العسكرية كافة أمام كل من راهن على سقوطها وأمام كل من راهن على رحيل رئيسها وأمام كل من راهن على التفريق بين أطياف شعبها وأمام كل من راهن على تفكيك منظومتها المقاومة وأمام كل من راهن على احتلال إرادة أبنائها وهي الإرادة الحرة الأبية التي راهن عليها القائد الراحل حافظ الأسد وكسب الرهان حين قال: “الأرض إذا احتلت يسهل استرجاعها أما الإرادة فإذا احتلت من الصعب استرجاعها” وها هي الأرض عادت والإرادة بقيت حرة كما كانت في البلاد السورية بلاد الحرية المرهونة بمبادئ المقاومة وليست كتلك الحرية التي أرادوها قبل إثنى عشرة عاما حرية مرهونة بمبادئ صهيوأميركية …
انتصر الأسد الذي صمد أمام تهديداتهم وإغراءاتهم لم يساوم ولم يهادن ولم يهاب إرهابهم بل جال أصقاع البلاد السورية مع عائلته في زيارات حميمية بسيطة مهنئا بالنصر، مثنيا على تضحيات الأبطال، مؤازرا جبهات الجيش في خطوط الدفاع الأولى في حلب وفي الغوطة وفي شتى الميادين دون أي خوف فحاله كحال المقاتل… كما أن قصره لم يكن لكبار العائلات وتجارها ولم يكن لكبار السياسيين والصناعيين بل كان مفتوحا لجرحى الجيش وعائلاتهم للمتفوقين والمبدعين وصناعهم للأسر الفقيرة والمحتاجة، لندرك يقينا أن لدينا أعظم رجل في العالم…
نعم إنه الرئيس الأعظم على مر التاريخ ابن مدرسة الأسد وحامي عرين سورية وقيصر العرب وسيدهم، كما هو صامدا شامخا مبتسما ، كان وما زال سيد القرار، ثابت بمواقفه لا يساوم ولا يهادن، قيصر العرب وصاحب الكلمة الفصل في ملفات المنطقة، يعرف جيدا ماذا يريد، ويعي جيدا كيفية مقاربة الملفات بفكر استراتيجي بما يمتلكه من رؤى استراتيجية للقضايا كافة، ولثقته بذاته وبفكره وبشعبه وشعوب العالم العربي ثقة عميقة بعمق ما يمتلكه من حق وخير وجمال، ثقة لم تزحزحها سنوات الحرب الطويلة وعلى توقيت ساعته ضبطت ساعات العالم أجمع وإلى أرض بلاده السورية المقدسة توافدت وفود الحجيج صاغرين خانعين فهم أمام الأسد في عرينه الآمن من كل شر بقدرة الله الواحد الأحد والشعب الذي صمد والجيش الذي استبسل بمعارك لولاه لم يكن قد سلم البلد، ورحم من قال “سلام أيها الأسد… سلمت وتسلم البلد… وتسلم أمة فخرت… بأنك فخر من يلد…”، مبارك للجامعة العربية عودتها إلى سورية، مبارك لحلفاء سورية انتصار خيارهم المقاوم، ومبارك لسورية انتصارها الإستراتيجي، ومبارك للشعب السوري نصر إرادته، ومبارك للعرب نصر قيصرهم أسد الشام وقيصر العرب، ولأرواح الشهداء الذين قدموا أرواحهم قربانا للنصر الرحمة والسلام…
نقلاً عن موقع الخنادق