قصة آخر الليل .. لا تستخف بوطنك ،إمنحه ثقتك
كمال فياض | باحث في الشؤون السياسية والأمنية
كنت صغيرا وجسدي هزيل ولا أملك أية مظاهر قوة ، أقف عند احد الباعة أنتظر لشراء أغراض للبيت ارسلتني والدتي لشرائها ، عندما فجأة أجد نفسي أتلقى صفعة قوية مؤلمة كادت أن تطيح بي ارضا ،،
كان احد زعران شوارع بيروت الذي يفوقني عمرا وحجما بأضعاف ولا مجال للمقارنة بين ضخامة جسده وجسدي الهزيل الضعيف ،،
نظرت إليه بضعف ولم اكن أملك لا القوة ولا الجرأة على مهاجمته ، ينظر إلي بإحتقار وهو ورفاقه يضحكون وانا اقف امامهم مكسورا حزينا لا اعرف ماذا أفعل وتمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعني تلك اللحظة ، مد يده وأزاحني من دربه وهو يواصل الضحك وأخذ دوري ليشتري أغراضه ويرحل ،
ينظر إلي البائع ، واعجز عن الكلام معه ، فالغصة كانت كبيرة وسقطت تلك الدمعة التي حاولت جاهدا منعها من السقوط ،
تدور الأيام ورأيت ذاك المتنمر الضخم الجثة عدة مرات بعدها ، حتى كان يوم آخر وأنا داخل سيارتي وكان ذلك خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية ، ومعي مرافقين مسلحين ودخلت باحد الشوارع الفرعية التي لا يمكن المرور فيها إلا لسيارة واحدة فقط ذهابا أو إيابا ، وقطعت تقريبا كل مسافة الشارع ولم يبق لي إلا القليل حتى ظهرت لي سيارة تأتي من الجهة المقابلة ولا يتوقف ليسمح لي بالمرور وبعدها يمكنه متابعة طريقه بكل سهولة ، بل انه اندفع بإتجاهي وانا اشير له بالضوء ، غير ان نظرات عينيه كانت تحمل كل ذاك الجبروت الذي يحمله امثاله من متنمرين يعتقدون أنفسهم اسياد الساحات ،
وبكل وقاحة تابع سيره بإتجاهي وتوقفت مجبرا وهو يتوقف مقابلا لي ويشير لي بيده بكل إستخفاف كي اعود الى الوراء كل تلك المسافة ، نظرت إليه جيدا ،، كان هو ،، هو بذاته ذاك المتنمر الذي لم انسى صفعته ذاك اليوم ولم انسى ذاك القهر بعد مرور كل تلك السنين على الحادثة ،
حاول احد المرافقين الموجودين معي بالسيارة النزول للحديث معه وإجباره على العودة ، في اللحظة التي صرخت فيه ان يبقى داخل السيارة ،
ينظر لي المرافقين بكل إستغراب وأنا اعود بسيارتي الى الخلف ومفسحا له الطريق ليمر ،،
كنت شخصية معروفة في بيروت وانا احد المسؤولين تلك الايام والكثير من الناس تحمل لي كل الاحترام وتلجأ لي في كثير من الظروف ،
كنت قادرا لحظتها أن اترك المرافقين لينزلوه من السيارة وتلقينه درسا لا ينساه طوال حياته وحتى كان بإمكاني إطلاق النار عليه وقتله واتابع سيري ولا يوجد احد قادر على سؤالي ماذا فعلت والبلد كلها بحالة فوضى وتحت رحمة وسلطة ميليشيات وتنظيمات مسلحة ، فالدولة كانت منهارة والمؤسسات مقسومة بين شرقية وغربية ،،
لماذا تركته في تلك اللحظة !!
إلى جانبه كانت هناك زوجته وهي تضع طفلها في حضنها ،، نظرت إليها ولم يكن أمامي في تلك اللحظة سوى ان أفكر في مشاعرها وهي ترى زوجها يهان ويداس تحت الأقدام ويتلقى الضربات وهي عاجزة عن فعل شيئ لزوجها !!
لن اضعها في ذاك الموقف ،، ابدا
وكنت ساكون أكثر حقارة من زوجها لو تعرضت إليه واخذت بثأري منه امام زوجته وطفله ،
عدت الى مكتبي ، اجريت إتصالات مع احد المسؤولين التابعين لنا ، عرفوا عنوان سكنه ، انتظروه في اللحظة المناسبة ليلا وهو عائد الى منزله ، تقدموا منه واجبروه على الصعود معهم وأتوا به إلي في مكتبي ،،
في صالون المكتب غادرت غرفتي ، نظرت إليه بكل إحتقار وصفعته صفعة ربما وصل صداها من بيروت حتى جنوب لبنان ،،
ينظر بعيون خائفة زائغة ،
وانا أنظر إليه بعيون طالما إنتظرت حق الرد وها قد أتى ،
كنت ضعيفا وكان قويا بإستطاعته سحقي ،
واصبحت قويا وجاء زمن سحقه ،،
قلت له هل تذكرتني اليوم في مشهد السيارة !!
هل تتذكرني منذ حوالي 14 عاما !!
لا اعتقد انك ستتذكر ، ولكني لن ادعك تنسى هذا اليوم طوال حياتك ،،
وإبتدا الضرب والصراخ ( ودخيلك ، ببوس إجرك ) والدم يتطاير من وجهه ،
كان حقي في الرد الذي إنتظرته سنوات طويلة ، كنت ضعيفا هزيلا وكان الجميع يعتقد أنه قادر على التنمر وتوجيه الإهانات إلى كل من هو اضعف منه ،
وجاء ذاك اليوم الذي وضعت رأس أكبر متنمر في المنطقة تحت قدميٌ وهو يرجوني للتوقف عن ضربه ،،
لا تستهزا من حق الرد ،،
إنها فقط مسألة وقت ،، وحسابات ،
لا تكن بكلماتك مصدر قوة لعدوك الذي يريدك ان تصل الى مرحلة الشك في قوة دولتك والنظر إليها نظرة ضعاف أذلاء ،،
هنا دولة ، ليست ميليشيا ، ليست تنظيم مسلح ليس عنده حسابات اقليمية ودولية ،
هنا دولة ، لها مؤسسات ، لها اصدقاء وحلفاء ،
الصديق ايضا له حلفاء وحسابات مصالح ، غير ان الحليف ، والحليف فقط يكمل معك ويبقى معك وقرارك لن يكون إلا معه ، نحيا سويا ، او ننتهي سويا ،،
هل ترى هذا العلم في هذه الصورة ،،
هذا العلم الذي ادوسه بقدمي ،،
هذا العلم كاد للحظة ان يرتفع لوحده في سماء وطنك وانت ترى علم بلادك يحرق ويمزق ويداس تحت الأقدام ،،
كان وطنك بكامله ، وعلى بعد لحظة ان ينتهي ويصبح مجرد تاريخ سابق لدولة سابقة ،،
فقط ، كانت هناك قيادة ، عرفت كيف تنتظر ، وكيف تصبر ، وكيف تدار الحسابات ، ومتى يأتي حق الرد ،،
والمتنمر القوي في منطقتنا ، اعلم وادرك واثق ان حق الرد سيأتي و ،، س ، ندوسه تحت الأقدام ،
لا تستخف بوطنك ،
حتى لو بدا لك عاجزا ضعيفا ذليلا ،،
إمنحه ثقتك ،، ثقتك قوة ،
وأقسم لك ، ان هذا المتنمر القوي سياتي يوم ، وندوسه تحت الأقدام ،،
وستنتصر ،،