في مواجهة الحصار… نكون أو لا نكون
سماهر الخطيب | كاتبة واعلامية
تواجه بلادي أشرس أنواع الحروب وأكثرها ضراوة على الإطلاق بعد فشل كل الأساليب الإرهابية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها طيلة سنوات مضت، فبات الأسلوب المستخدم أسلوباً «قذراً» بقذارة من يمارسه على شعبي، يعكس بشاعة وخبث منفذيه ومبتدعيه، بدءاً من الحصار الاقتصادي الذي لا يقل خطورة عن الإرهاب الفكري، وصولاً إلى الحصار الثقافي والإعلامي ومحاولة إسكات كلمة الحق التي تؤرق العدو الغاشم.
وكذلك الإرهاب الاقتصادي، الذي طاول لقمة عيش المواطن وكل مستلزمات الحياة الكريمة، بل وأبسط حقوقه، في محاولة واهية لإخضاع الشعب، وإغلاق معظم وسائل الإعلام التي تكشف زيف المنادين بالديمقراطية وتفضح زيف ذاك القناع المختبئ خلفه وحش مفترس لا يريد سوى ثروات الشعوب، بل وأكثر يريدون أن يكون الشعب بجميعه وجموعه ضمن سيطرته وخدمته.
إنّ دورنا كـ «إعلام مقاوم» هو فضح هذا العدو الغاشم وكشف زيفه وتفنيد حججه الواهية. وظيفتنا، هي إيصال صوت المتضررين من سياسات الولايات المتحدة الأميركية الجشعة في السيطرة على موارد الشعوب. حضورنا على المنصّات الإعلامية المرئية والمسموعة وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي لا يجب أن يكون بقصد الشهرة ولا حصدها ولا تلقف القيل والقال، بل أهمية حضورنا تأتي بأهمية مواقفنا من الحصار الممارس ضد بلادنا وشعبنا. رسالتنا يجب أن تكون بلسان شعبنا الذي أنهكه الحصار الاقتصادي وأن نسعى لإيصال صرخة شعبنا وآلامه إلى الشعوب كافة كي تؤرق حكامها إذا ما كانت فعلاً بريئة من ممارساتهم المجحفة بحقنا.
وظيفتنا أن نكثف حضورنا الإعلامي على المنابر كافة للإضاءة على إنجازات المقاومة وكل الطرق التي نتغلب فيها على فعل الحصار ليس «التضخيم» بل أن نكون جنوداً في الميدان الإعلامي، كما الجنود في الميادين كافة يقاتلون ويستبسلون في القتال لنزع الحرية والتحرير، يتوجب علينا أن نكون سيوف العقل وترسها الممانع في وجه تلك الممارسات الهادفة للنيل من عزيمة شعبنا.
نعم فنحن نخوض حرباً قوية عنوانها نكون أو لا نكون، لكن سنكون وقوى المقاومة صادقة في توجهها لكسر الحصار، لذا اتخذ قرار باستيراد النفط من إيران في وقت يعاني كيان الاحتلال من واقع اقتصادي وإرباك مع المقاومة، وبعد معركة سيف القدس، وتحرير الأسرى الستة وانتصار سورية في حربها ضد الإرهاب، فإنّ دورنا كإعلاميين هو ترجمة لهذه المقاومة بأقلام وكلمات تتخطى المحظور الأميركي وتتجاوز الحصار نحو الحرية لشعبنا في سورية ولبنان وكل مكان للمقاومة فيه حقٌ وللنصر فيه إرادة.
فإنّ بلادي السورية التي تستند إلى قاعدة صلبة ستنتصر على «قيصر»، كما كسرت كل الحصارات والعقوبات المماثلة، وأبطلت مفعولها، ووظفتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً وعسكرياً، وحقّقت التوازن والرّدع الاستراتيجيّين مع تحالفاتها، طوال عقود من الزمن وستبقى سورية شامخة بشعبها وحلفائها.
ناهيك عن أنّ دورنا كـ»إعلام مقاوم» هو ملاصقة هذا الشعب وعكس صموده ووعيه لما يُحاك ضدّه من جهة والسياسات التقنينة للتقليل من تداعيات «قيصر» المجحف بحق شعبنا من جهة أخرى والبحث عن الإمكانات الذاتية لتجاوز الحصار بحق شعبنا، كما تجاوزنا تداعيات العقوبات المماثلة المفروضة على سورية منذ عام 1979 بسبب مواقفها الداعمة لقوى المقاومة وإلى اليوم، أي منذ قانون «معاقبة» سورية حتى «قيصر»، مروراً بالعقوبات الأوروبية التي أثرت في تراجع الناتج القومي حوالي 60 في المئة والتي فرضت مع بداية الحرب على سورية.
كما علينا أن نعلم بأن عدم جدوى العقوبات كمبدأ في تقويض سلطة الدولة، يتعزز بالاستناد على أن هذا النهج ليس بجديد، والدليل أن الدول التي تتعرض لعقوبات مثل روسيا وإيران بنت سياساتها وعلاقاتها على أساس تلك العقوبات، وعملت على سياسات البدائل سواء في علاقاتها الدولية أو في سياساتها الداخلية، كما حدث في المشروعين، النووي والصاروخي، الإيرانيين اللذين تأسسا وتطورا في ظل العقوبات.
بالتالي فإنّ العقوبات تأتي بمفعول عكسي على الهدف منها، فتواجه بالاعتماد على مكنونات الداخل والاعتماد على الذات عوضاً عن الاستيراد، بالتالي الإضاءة على السياسات القائمة على تطوير الموارد الداخلية وتطوير الصناعات المحلية والاستعاضة عن المنتجات المستوردة بأخرى محلية وتقنين بعض المواد الاستهلاكية كتلك المسماة بـ»البطاقة الذكية»، التي من خلالها حاولت الحكومة السورية مواجهة تلك العقوبات وعلى رغم ما فيها من شوائب وعيوب إلا أنه إذا ما أردنا الإنصاف فإنها فعّالة مع الضرورة لاتمام إجراءاتها.
كما أنّ هناك الكثير من محاولات الالتفاف على العقوبات أو مواجهتها بشكل واضح من قبل الدول الحليفة لسورية كالصين وإيران وروسيا من خلال الباخرات النفطية أو الغذائية التي تحط على الموانئ السورية وهو ليس بجديد، فكما قامت إيران بإرسال البواخر النفطية إلى فنزويلا أرسلتها إلى سورية وكذلك إلى لبنان وكسرت الحصار بلقاء رباعي في الأردن، تجاوزت فيه الإرادة الحرة قيود الحصار وأجبرت الأميركي على نزع القناع المتخفي خلفه حين ذهبت السفيرة الأميركية في لبنان إلى «بعبدا» طارحة «خيار» استجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن عبر سورية إلى لبنان، وهو طرحٌ اتضح عبره الزيف الأميركي وازدواجية معاييره، حين وجَد أنّ المقاومة تفرض بالقوة إدخال بواخر نفط إيرانية على لسان السيد حسن نصرالله، وهو ما يؤكد أنّ للمقاومة قوّة مضافة تحوّل الأقوال إلى أفعال، ما يملي علينا واجبٌ أن نكون صوت الحق ونبراسه وعين المقاومة التي لا تنام، وتكثيف حضورنا عبر الإعلام لفضح الممارسات الأميركية والغربية ضدّ شعبنا وأرضنا.
كما أنّ واجبنا وعملنا هو ليس فقط في مواجهة الحصار بل في استثماره وتحويل التهديد إلى فرصة والضعف إلى قوة، وكما قال الرئيس بشار الأسد في خطاب تنصيبه أخيراً، «الحصار هو الفرصة الأكبر للتطوير بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية وعلينا ألا نكتفي بالتخفيف من الخسائر بل علينا تحقيق الأرباح وهذا ممكن ونحن قادرون، إذ لا وجود لمشكلة من دون حل، لكن علينا البحث عن الحلول ولا وجود لمشكلة بلا نهاية إلا إذا بقينا ننتظر مجيء النهاية من تلقاء نفسها، لكن الحلول لن تكون سهلة ولن تكون من دون ثمن لكن الثمن الذي سندفعه اليوم سنحصد مقابله لاحقاً، والشعب الذي خاض حرباً ضروساً واسترد معظم أراضيه وفرض سيادة مؤسساته ودستوره في الشارع وصناديق الإقتراع رغماً عن أنف أقوى الدول وأغنى الدول، بكل تأكيد قادر على بناء اقتصاده وتطوير ذاته بأصعب الظروف وبنفس الإرادة والتصميم».