في لبنان.. ثمة احلام ضائعة
الدكتورة نازك بدير | كاتبة وأكاديميّة لبنانيّة
بعد تصنيف البنك الدّولي الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة أنّها من أسوأ ثلاث أزمات عرفها التّاريخ، كان من الطّبيعي- لو حلّت هذه الكارثة في بلد آخر- أن تهتزّ أركان الدّولة بأسرها، وتستقيل الطّبقة الحاكمة لتحفظ ماء وجهها.
لكن ما يحدث في هذا البقعة من العالم يشذّ عن المألوف، ويخرج عن قواعد المنطق، وتجارب السّياسة والاقتصاد. ويبدو من الصعب القياس عليه بما حصل مع غيره من دول عرفت الانتكاسات نفسها، واجترحت الحلول
الناجعة.
إصرار «الفواعل» على إغراق الوطن بمن فيه يبدو أمرًا لا مناص منه، على الرّغم من المحاولات الجديّة، الخارجيّة منها والداخليّة لإنقاذه، إلّا أنّه ثمّة تعامٍ عنها، والانزلاق باتّجاه معاكس نحو تخريبها، والإمعان في الانجرار صوب «قعر القعر». وكلّما حاول المواطن التّأقلم مع ما يحصل، وجد نفسه محاصرًا في أتون أزمة خانقة
مستجدّة.
لو قيّض لأحدهم أن يُسِطّر ملحمة في فنّ تعذيب الشّعوب، سيكون من الأجدى أن يختصّ بها اللبنانيّين في القرن الحادي والعشرين لما نزل بهم من بلاء. إذ تكاد تكون قصّة كلّ مواطن أسطورة من المعاناة؛ أن تبقى على قيد الحياة في ظلّ هذا الوضع المأساويّ المتدهور قد يكون فعلًا خارقًا. أن تتحدّى العبث اليوميّ في لبنان، على وجه الخصوص، هو فعْل أسطوري… تنهض ملتحفًا كفنك، وصخرة سيزيف تثقل ظهرك. قدرُك أن تُصلَب كلّ يوم، تعطش وتجوع، وتسقط، وتُحرَق، ومن ثمّ تقف لتُحرَق مجدّدًا. تنثر أنت بنفسك رمادَ روحِك في كأس تروي بها ظمأك، فإذا بك تكتشف أنّ لا شيء سوى
الدّخان.
الطّفل- منذ أن يولد- « خفّاش عجوز» ينوء ظهره بالدّيون. وبدلًا من تدوين اسمه في السّجلّات الرّسميّة، بات همّ والديه استحصال جواز سفر له. صارت تأشيرة السّفر الحلم الماسيَّ للكثير من الشّباب بعد أن انتزع منهم السّاسةُ مستقبلَهم، وصادروا حريّتَهم، ونحروا أحلامَهم.
في هذه البلاد، يُحكَم على الإنسان بالإعدام منذ الولادة، لا حاضر له، ولا مستقبل
ينتظره.
يمكن القول، ليست أوروبا هي القارة العجوز، بل البلد العجوز الفعليّ والحقيقيّ هو» وطن النجوم» حيث اغتيلت أحلام الشباب، وآمالهم، فكان السّراب.