كتاب الموقع

من تصفية الحساب الى التحرير… حكاية الجنرال العنيد والرئيس المقاوم

شوقي عواضة | كاتب واعلامي

منذ اجتياح جيش العدو «الإسرائيلي» للبنان عام 1982 ووصوله الى بيروت وانطلاق المقاومة بكافة فصائلها. تعرّضت المقاومة للعديد من المؤامرات للانقضاض عليها وإنهائها. وقد مرّت بالكثير من المراحل التي تآمر عليها أعداء الداخل والخارج رغم ذلك لم تنثنِ تلك المقاومة عن مواصلة مسيرة التحرير المعمدة بالدماء. فقد عاشت المقاومة مرحلة طويلة من محاولة تطويقها من عام 1982 الى العام 1989، ايّ سبع سنوات من مسيرة المقاومة الحافلة بالألغام التي تجاوزتها بالمزيد من الإصرار والعزم الذي تكامل بتسلّم العماد إميل لحود قيادة الجيش اللبناني. حيث شهدت تلك الفترة انطلاق مرحلة جديدة من المواجهة مهّدت لاحقاً لعملية التحرير عام 2000. وقد لعب الجنرال العنيد بحق العماد إميل لحود دوراً كبيراً في ترسيخ ثقافة المقاومة وحقها في مواجهة العدو وتحرير جزء كبير من الأراضي المحتلة، بل كان السدّ المنيع في حماية المقاومة والتصدّي للمتآمرين عليها من الداخل والخارج.

للإنصاف لا بدّ من التذكير ببعض مواقف الجنرال العنيد والرئيس المقاوم التي تكاملت على المستوى السياسي مع عمل المقاومة ودعمت خيارها وعززت موقفها باتجاه التحرير. ففي العام 1993 وبعد نجاح المقاومة الإسلامية في تنفيذ إحدى العمليات التي أدّت الى مقتل خمسة جنود شنّ العدو «الإسرائيلي» عدواناً على لبنان تحت اسم (عملية تصفية الحساب) كان الهدف منها القضاء على المقاومة التي بدأت تتنامى قدراتها الصاروخية التي طالت بعض المستوطنات في الكيان الصهيوني. حينها كانت تسيطر ثقافة العين لا تقاوم المخرز على أغلب السياسيين في حكومة الرئيس رفيق الحريري، وحده الجنرال العنيد وقف متصدياً ومقاتلاً ومدافعاً عن حق المقاومة، واثقاً بقدراتها التي أنجزت انتصاراً بعد عدوان عُرف بحرب الأيام السبعة. حينها عاد الرئيس الحريري من دمشق التي بقي فيها طيلة أيام العدوان طالباً لقاء العماد لحود على عجل، قائلاً له أخيراً اقتنعت الدولة السورية بضرب حزب الله، وأنا أحمل لك رسالة من القيادة السورية لضرب حزب الله غداً صباحاً، وانت غير مسؤول لأنّ قراراً من مجلس الأمن سيصدر مساءً لقوات الطوارئ بأن يسيروا أمامك ويقوموا بتنظيف الجنوب من حزب الله، والجيش اللبناني يتسلّم السلاح الذي تصادره قوات الطوارئ من حزب الله، وعلى طريقك احرق أيّ مسلح يظهر (بقاذفة اللهب) بالإضافة الى القضاء على الجبهة الشعبية في الناعمة…

مضيفا بأنه يجب التوجه جنوباً عند الساعة العاشرة صباحاً من اليوم التالي لتنفيذ القرار بالتزامن مع انعقاد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وأنت ستكون حاضراً وسيصدر القرار بضرب (المسلحين) أيّ حزب الله. واعداً الرئيس لحود بانتخابه رئيساً للجمهورية عام 1995 في حال نفذ القرار.

رغم إغراء الحريري بعرضه للرئيس لحود صدم الحريري من ردّ الجنرال الثائر الذي قال له

«ضميري لا يسمح لي أن أضرب لبنانيين يريدون العودة الى بيوتهم و»إسرائيل» تحتلّ أرضهم»، فردّ الحريري: «إذا كنت تريد التأكّد فراجع رئيس الأركان السوري وهو يؤكد لك الأمر». فعندها كان جواب لحود: «فتشوا عن غيري»، فأردف الحريري: «غداً يعيّن قائد جديد للجيش غيرك». لكن تطوّر الأمر في اليوم التالي بعد تهديد الحريري إلى مرحلة إحراج الجنرال لحود باتصال مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي الذي كان يريد ان ينتظر على الهاتف ليبلغ العماد لحود قرار مجلس الأمن فكان جواب العماد لحود للحريري: (قلت لك أنا لن أنفذ ولا أريد أن أكلم غالي) فقال الحريري: غداً اجتماع المجلس الأعلى للدفاع وأنت مجبر على الحضور، فردّ لحود: (لن أحضر الاجتماع فأنا غير مجبر على الحضور لأنه عند صدور القرار لن أكون قائداً للجيش).

موقف أبي لقائد الجيش الذي تميّز بثباته وقناعته بأنّ الأرض لن تتحرر دون المقاومة. أسّس من خلاله الرئيس لحود لمرحلة جديدة من العمل المقاوم. أصرّ على موقفه متمسكاً بذلك الحق الذي قاتل من أجله الى أن اعتلى سدة الرئاسة بشرف وكرامة فاستحق ان يكون فخامة الرئيس المقاوم الذي لم تغره الإغراءات ولم تثنه التهديدات من الداخل والخارج، فكان عهده عصر المقاومة الذهبي الذي أرسى فيه قاعدة الجيش والشعب والمقاومة. ومهما كتبنا عن فخامة المقاوم قد تعجز ابجديتنا عن إيفائه حقه ولكن لنستخلص من تجربة الجنرال العنيد والرئيس المقاوم ما يلي:

1 ـ انّ مواقف الجنرال العنيد إميل لحود إبان تولّيه لقيادة الجيش حمت المقاومة وشعبها وأسّست لمفهوم التكامل بين الجيش والمقاومة وما جرى من مواجهات مع العدو الصهيوني وداعش والإرهاب خير دليل على ذلك.

2 ـ لم يتراجع إميل لحود طرفة عين أبداً ولم يبدّل من مواقفه كقائد للجيش وكرئيس للجمهورية رغم كلّ الإغراءات والتهديدات التي تعرّض لها بل ازداد ثباتاً ويقيناً بإنجاز تحرير عام2000.

3 ـ يُسجّل للرئيس لحود موقف تاريخي لم يجرؤ على اتخاذه أيّ رئيس عربي سوى الرئيس بشار الأسد حين رفض الهيمنة الأميركية والتدخل الشؤون اللبنانية فكان الرئيس السيادي بامتياز، وتجلى ذلك بموقفه حين أقفل الهاتف بوجه وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت أثناء المفاوضات خلال تحرير عام 2000، واستكمالاً لتصديه للمؤامرة على المقاومة عام 2006 من قبل الإدارة الأميركية وبعض دول الخليج وحكومة فواد السنيورة…

4 ـ سجل التاريخ انّ الرئيس المقاوم إميل لحود تفرّد بين الزعماء والرؤساء العرب بشرف دحر جيش العدو «الإسرائيلي» يجرّ خيبة الهزائم على يد المقاومين في عهده.

ويبقى كلّ ما أوجزناه جزءاً صغيراً في مسيرة فخامة المقاوم الذي هزم العدو قائداً للجيش ورئيساً للجمهورية فاستحق أن يخلّده التاريخ في زمن الهزائم والردّة العربية، فهنيئاً لمن عاش عصر فخامة الرئيس المقاوم إميل لحود الذي كان فرصة تاريخية للبنان وجيشه وشعبه ومقاومته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى