جيل فلسطيني جديد.. أكثر تجذراً وإقتحاماً
سمير الحسن | كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية
إعتقد كثيرون أن تدجين الفلسطينيين عبر اتفاقية “أوسلو” ممكنٌ، وأن إجهاض فكرة الكفاح المسلح متاح، وشطب حق العودة بات أمراً واقعاً، وما ضم القدس بصورة نهائية إلى الكيان المغتصب إلا مسألة وقت.
ثلاثة عقود مرت تكاد أن تكون سنوات عجافاً لما شهدته القضية الفلسطينية من خيبات وحصارات وانقسامات في الداخل والخارج؛ وقيام سلطتين في غزة ورام الله؛ وجاء موسم “الربيع العربي”، ليُكرّس إستمرار تصفية القضية الفلسطينية لكن عبر الفوضى، ومحاولات تفكيك جيوش المنطقة، وتقسيم سوريا والعراق وليبيا واليمن. عشر سنوات من الحروب والنزاعات الداخلية، وتسعير الخطابات الطائفية، شهدت المنطقة خلالها واحدة من أكبر الحروب المشتعلة في كل ساحاتها، فلحق الدمار الكبير بسوريا، العراق، اليمن، وليبيا، واستكملت تلك الهجمة الشرسة على إيران حصاراً وعقوبات، مستعيدة بذلك روح مطلع القرن المحمول على أكتاف القوى الاستعمارية الأوروبية، الخارجة من توها من مؤتمر “بنرمان” ١٩٠٥-١٩٠٧، الذي خطّط لتقسيم المنطقة، وفصل مناطقها وأقاليمها، وصياغتها بما يمكن تأجيجه من صراعات ساعة تشاء هذه القوى الاستعمارية. ما يجري اليوم هو صورة طبق الأصل عما جرى التخطيط له منذ اتخاذ ذلك المؤتمر مقرراته، والتي عشنا تداعياتها لقرن ويزيد من الزمن، ولا نزال، وكأن مفاعيل تلك المقررات لا تزال قائمة دون تغيير في المسارت. وبرغم أن الكيان الصهيوني كان رافضاً للتطبيع مع المجتمعات والدول العربية خوفا من ذوبان أقليته اليهودية بالأكثرية العربية، وبموازاة ذلك، جرت محاولات إنعاش وهم التطبيع عبر “صفقة القرن” الهادفة إلى عزل القضية الفلسطينية وصولاً إلى إنهائها. حصل ذلك قبل إجراء الانتخابات الأميركية الأخيرة، وانتقال السلطة إلى الرئيس الجديد جو بايدن، لكن قبل ذلك، ساهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته بخلق احلاف بديلة عربية – إسرائيلية لاستكمال تصفية القضية الفلسطينية، ولعب صهره جاريد كوشنير دوراً بدفع بعض العرب إلى تبني مشروع التطبيع، على قاعدة السلام مقابل السلام، والغاية الأساسية للتطبيع خلق سبب جديد للشرخ العربي وتعميقه.
لكن، طيلة السنوات العشر الماضية، تصاعدت حركة مقاومة راحت تقاتل في كل الساحات، والعين شاخصة على فلسطين. لم تنشغل، أو تهمل، أو تتخلى عن القضية المركزية. استمر الدعم، وتبادل الخبرات، والتدريب، وتطوير القدرات خصوصا في غزة، بالرغم من الحصار البري والبحري عليها، وهي البقعة الصغيرة، والمعزولة على مساحة ٣٦٠ كلم 2 فقط. ١٦ عاماً من الحصار والترغيب والترهيب، واستمرت غزة هاشم بكل حيوية بتأمين مستلزمات الصمود. بالتوازي، لم تكن مناطق الـ٤٨ والضفة، أقل حماسة وعنفواناً بالرغم من قمع السلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني مع سلطات الاحتلال، وظهرت بوادر مقاومة وتضحية مذهلة، فبرزت ظاهرة فردية بالدهس بالسيارات، والطعن بالسكاكين، وإطلاق نار ضد ممارسات الصهاينة، حتى أصبحت نضالات يومية للشبان الفلسطينيين من خارج أطر القوى التنظيمية. بتنا نشهد شباناً ولدوا بعد “أوسلو” لم يتذوقوا طعم خيبات السلطة الفلسطينية، فلم ينسوا فلسطين على ما راهن عليه العدو المتغطرس. نما جيل شبابي فلسطيني أكثر تجذراً وإقتحاماً بمواجهة عدو متغطرس حتى إذا جاءت معركة “سيف القدس” الممتدة من غزة حتى القدس، وأبعد من ذلك أيضاً، أعادت وصل ما انقطع، وصحّحت مسار الصراع وفق رؤية شمولية لاستعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني، مستندة على وحدة مسارات تشكلت في ميدان المعارك وعلى أرض كل فلسطين التاريخية.. ما شهدته فلسطين من انتفاضة في عمق الكيان الصهيوني هو نتاج صمود غزاوي كسر هيبة الجيش الإسرائيلي، وها هي المقاومة تخرج من هذه المواجهة وأمامها جدول أعمال يُرشّحها ليس لمقارعة الإحتلال بل وأيضاً لإعادة انتاج حالة فلسطينية أكثر وحدوية تشكل ركيزة لمواصلة النضال وفرض معادلات جديدة ترسم معالم المنطقة من جديد.. وفي صلبها فلسطين.
180 بوست