تراتيل سورية..
الدكتور حسن احمد حسن | باحث سوري مختص بالجيوبوليتيك والدراسات الإستراتيجية .
من تنهدات أجراسِ كنيسةٍ شرقية تغفو على أكتاف جامعٍ آمنٍ اعتادتْ أسرابُ الحمام واليمام أنْ تستوطنَ شرفاتِ أسواره المطلة على شوارع شامية حبلى بالآمال المشروعة لأجيال تتوالى حاملة في كينونتها الذاتية جينات التفرد السوري والعطاء بلا حدود…مِنْ تلةٍ متوثبةٍ ورابيةٍ تنفضُ عن جنباتها غبار الذكريات.. مِنْ منحنى هنا ووادٍ هناك وما بينهما شجيرات تنمو على ضفاف نهر متدفق بكل آيات الجمال.. من نايٍ منفردٍ يرتل عازفه أشجى الألحان مغازلاً شروق الشمس لا غروبها، واكتمال البدر في عليائه يحرس عشاق القيم والنبل والأصالة..
من هنا وهناك.. من “عقالٍ” يعلو “كوفية” فراتية تناجي عباءة حورانية غٌزِلَتْ خيوطها المذهبة من سنابل قمح تكدست بيادر غلاله في صوامع تستمتع بصوت النواعير وهي تغرف مياه عاصينا العاصي على مصادرة نقائه رغم حقد التكفيريين الذين ألقوا فيه أطهر الأجساد البشرية لتلويثه وتغيير هويته، فذهب القتلة، ورعاتهم، وبقي العاصي، وبقيت النواعير تناجي شواطئ وادعة، وجبالاً شماء تروي للإنسانية مولد الأبجدية، وحكايات العز والكرامة التي تحمل في كل جزئية منها معاني تواصل الشمس مع جباه شماء تتزين بشوارب الكرامة في جبل العرب الأشم المتكامل فخراً وشهامة مع من تربعوا على عرش الصناعة في الشيخ نجار وبقية الأحياء الحلبية التي إليها تنسب العراقة، وبها يقاس عمر المدن في شتى أنحاء المعمورة..
هكذا ومن دون مقدمات تشابكت مدخلات الصورة في الخاطر وأعماق الوجدان، واستدعت إلى منصة العرض إنذار غورو الجديد يحمله وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول إلى عاصمة الياسمين متدرعاً بواقع جديد متشكل يميزه انتشار مئات آلاف الجنود الأمريكيين على الحدود السورية العراقية… أتى مزهواً كطاووس ثَمِلٍ، وسرعان ما رأى نفسه في المرآة كالديك المنتوف… وكانت الصاعقة التي فاجأت كبير دبلوماسية البوارج والأساطيل المنتشرة في المياه الدولية للعالم برمته.. صاعقةٌ لم تكن تخطر ببال صقور القتل والفتك والإبادة..لقد غاب عن أذهان رعاة البقر الذين أقاموا أكبر إمبراطورية في الكون منذ أقل من ثلاث مئة عام على جماجم الهنود الحمر وغيرهم من سكان البلاد المكتشفة، ولأنهم بلا جذور ولا عراقة فاتهم أن زئير أسد بلاد الشام يستند إلى إرث حضاري لا يستطيع هواة القتل ومصاصو الدماء أن يفهموا كُنْهَهُ… زئيرٌ حذف من قاموسه الثنائية البغيضة التي عمل أبناء وأحفاد من ألقوا القنابل الذرية فوق ” هورشيما وناغازاكي” على فرضها بالبلطجة والترهيب على العالم كله… ثانيئة: (إما ـ أو) وما تحمله من تحدٍ لكرامة الدول والشعوب، فإما الخضوع والإذعان، أوالويل والثبور وعظائم الأمور.. وحدها سورية الأسد أثبتت لهم بالأفعال قبل الأقوال أن كل ثنائياتهم مرفوضة، والجواب عليها بتكرار “لن ـ و”، فلن يروا قط أي إذعان أو خضوع أو ذلة، ولن يرهبوا أبناء الشمس بجبروتهم العسكري وما يمتلكونه من وسائل قتل وفتك وإبادة، وفوق هذا وذاك سنعيش ونتطور ونهندس معالم حاضرنا ومستقبلنا وفق إرادتنا لا وفق ما يريده أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب، ويذعن لمشيئتهم غالبية دول العالم ، وفي مقدمتها العظمى منها..
زئير العرين ترددت أصداؤه في شتى أرجاء المعمورة، ولم تفلح كل فصول التآمر والاستهداف الممنهج من تغيير معالم الزئير السوري، فسورية بهويتها وأصالتها وإرثها الإنساني الثر لا يليق بها إلا مواقف الأسود، وإن تكاثرت الضباع وتقاطرت الذئاب والوحوش والثعالب والأفاعي من كل أصقاع الدنيا… وتتالت فصول المشهد الدامي على امتداد عشر سنوات ونيف، والظلاميون الجدد يعيدون إنتاج و تدوير حملة الجاهلية الأولى، ويسعون بكل ما يملكون لإعادة فرض ثنائيتهم النتنة “إما أو”، فإما أن يتخلى السوريون عن ثوابتهم وكرامتهم ومصالحهم لصاح أعدائهم، أو أن يُحْرَقَ وطنهم ويُقْتَلَ أبناؤهم أمام أعينهم، ومرة جديدة أجاب السوريون ب “لن مكررة ـ و” .. قالوها ماء الفيه: لن نتخلى عن ثوابتنا، ولن نسمح لكم بتحقيق أهدافكم الشريرة، وسنبقى وننتصر، وأنتم وأتباعكم وكل ما جمعتم ستهزمون وتجترون مرارة تكيس الخيبات مهما بلغت التضحيات..
وها هي سورية مهد النور والضياء وبعد أكثر من عشر سنوات في مواجهة الحرب المفروضة تستعد لقول كلمتها بوضوح وجلاء في السادس والعشرين من أيار في صناديق الانتخابات الرئاسية وفق الاستحقاق الدستوري الأقوى من كل صراخ الخارج المأزوم المهزوم، ولنا موعد قريب نثبت فيه للعالم كله كيف تنتصر الإرادة، وكيف يكون الوفاء والولاء ونقاء الانتماء لموطن المجد وجبهة الشمس
سورية الأسد.