انتظروا زعامة الأسد العربية قريبا …
هلال عون | كاتب وباحث سوري
لم يتمكن الغرب ولا الصهيونية العالمية حتى الآن ، رغم كل أجهزة مخابراتهم ومراكز دراساتهم وعلماء النفس لديهم من فهم شخصية الرئيس بشار الأسد..
ظنّوه في البداية شابا غضّا في السياسة ، سيحصلون منه على ما لم يستطيعوا الحصول عليه في عهد الأسد الأب (حافظ الأسد) من تنازلات .
رأوا صُوره ، وهو يركب دراجته الهوائية ويمارس رياضته الصباحية ..
رأوه يلبس الجينز وال “تي شيرت”.. ويتناول البوظة مع ملك الأردن في سوق الحميدية بدمشق ..
رأوه يُمارس هواية التصوير مع أطفاله ..
و يحضر المسرحيات دون دعوة، مثل أي مواطن عادي ..
سمعوا عنه أنه يتناول ساندويتشات اللبنة والزيت والزعتر مع الموظفين في مكاتب القصر الجمهوري ..
قال لهم خبراء علم النفس لديهم ومراكز ابحاثهم ومخابراتهم إنه ليّنُ العريكة ، فهو بشوش لا تفارق الابتسامة وجهه ، ولا تظهر على محياه علامات الغضب ، ولا يقدّم وعودا عن مشاريعه السياسية المستقبلية ..
مدّ إليه زعماء السياسة في الغرب الذين باتت تعيّنهم في مناصبهم مافيا المال الصهيونية ..
مدّوا إليه أيديهم ، وأظهروا له الابتسامات الماكرة ..
زاروه فاستقبلهم، ووجّهوا إليه الدعوات فلبّاها.
حدّثوه عن تحسين العلاقات مع سورية فرحّب .
خطّطوا لتوقيع اتفاقات تجارة حُرّة مع سورية ..
كان يعلم أنّهم يريدون أن تكون سورية سوقا استهلاكية لبضائعهم ، لأن صناعاتها لا تُنافس صناعاتهم ..
كان يعلم أن توقيع الاتفاقية يعني كسادا و مواتا للصناعات السورية العامة والخاصة.
لم يقُل لهم : لا ، بل طلب مساعدتهم لتطوير الصناعة السورية وتحديث آلاتها أولا ، وشرح لهم المبرّرات فرفضوا .. وهو من جانبه رفض توقيع الاتفاقية ما لم تضمن تطوير واستمراية الصناعة السورية ، ولم يمكّنهم من جعل سورية سوقا لبضائعهم .
بالتوازي مع ذلك كان يعمل الأسد على فتح الأبواب المُغلقة ، وهدم الحواجز التي تقف في وجه التشبيك الاقتصادي والأمني مع المحيط العربي ، فأرسل الوفود الحكومية إلى العراق المُحاصَر، رغم سوء العلاقات مع صدام حسين، ورغم سوء مواقفه من سورية سنين طويلة ماضية..
كانت الأحداث تسير بسرعة ، وكان العراق آنذاك قد استوى وبات جاهزا للقطاف من قبل الغرب (الحضاري الإنساني) الذي قتل بحصاره له أكثر من مليون طفل عراقي بسبب نقص الأدوية والأغذية .
احتلّت أمريكا العراق ، وبات جيشها على الحدود الطويلة السورية مع العراق ..
وأرسلت إلى دمشق وزير خارجيتها كولن باول بحزمة مطالب معروفة “طرد الفصائل الفلسطينية من دمشق، ووقف دعم حزب الرب، والسلام مع ‘إسرائيل’، وفك العلاقة مع إيران”.
كانت تظن أنّ بشار الأسد سيجثو على ركبتيه أمامهم، طالبا قبوله أجيرا وعبدا تابعا مقابل إبقائه رئيسا ، لكن “كولن باول” عاد مُهانا ، كما عاد قبله سلفه “وارن كريستوفر” الذي رفض الأسد الأب استقباله لانشغاله باستقبال واستضافة بنزير بوتو ، رئيسة وزراء باكستان حينذاك.
ماذا سيفعل الأسد ، وكيف سيتصرف بعد أن أصبحت أمريكا ،القوة الأعظم في العالم على حدود سورية مع العراق ، وبطبيعة الحال على حدود سورية مع الأردن وفلسطين المحتلة ؟!.
اتّجه الأسد حينذاك إلى الحليف الموثوق (إيران) و تمّ التخطيط لهزيمة أمريكا في العراق ، وبدأ التنفيذ ..
أما أمريكا التي رفض الأسد مطالبها ، فاتّجهت إلى لبنان لإكمال الخناق على سورية من الغرب ..
ولم يكد يبدأ العام 2005 حتى قتلت ، عبر ربيبتها ، رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري (14 / 2 /2005 ) واتهموا سورية وحليفها الحزب الإلهي بقتله ، حتى قبل أن تبدأ التحقيقات وشكّلوا المحكمة الدولية لتكون الإدانة بقرار دولي .
منذ تلك اللحظة بدأ الضخ الاعلامي بماكيناته الضخمة لشيطنة الأسد واعتباره مجرما سفاحا، يضرب ضيوفه من القادة والرؤساء ، مرة بقبضة يده على وجوههم .
ومرة أخرى ب«الطربيزة» حتى يسيل الدم من وجوههم ومن أنوفهم .. !!
ألم تتحدث جوقاتهم العاهرة عن الدم الذي سال من وجه وأنف رفيق الحريري لأنه كان يعارض التمديد للرئيس إميل لحود ؟!!
ومنذ تلك اللحظه بدا اختراع شهود العيان بطريقة تراجيدية أحيانا وتراجيكوميدية أحيانا أخرى !!. فظهر «زهير الصديق» شاهدا ملكاً، وهو شاب تافه نصّاب ، كما اتّضح لاحقا، ولكنهم أظهروه على أنه كان يجلس كل يوم مع الأسد ، وكان الرئيس الأسد يخبره عن كل شيء حتى عن نواياه الداخلية ، وأنه أخبره بأنه سيقتل رفيق الحريري!!.
وأظهروا أيضا «هسام هسام» وجعلوه ، لأهميته ، لاتقوم المخابرات السورية بأي عملية سرية، خطيرة إلا إذا كان حاضرا ، و يطلّع ويرى بعينيه الإثنتين عملَها ، يعطي توجيهاته وملاحظاته لها ، وتجعله يشاهدها وهي تملأ سيارة شحن بالمتفجرات في الزبداني وتخبره بساعة انطلاقها وتوجّهها إلى لبنان لقتل رفيق الحريري !!.
ربما لم ترَ البشرية عُهرا واستحمارا للعقول أكثر من ذلك .
أثناء ذلك انقسم لبنان بين المقاومة التي أعلن قائدها “أبو هادي” أمام الحشود وعلى الشاشات بأنّ “بيروت دمّرها شارون وعمّرها حافظ الأسد ، وحدّد خيار شرفاء لبنان بالوقوف مع سورية قلب العروبة النابض” .
أصدرت أمريكا القرارات الدولية لإخراج الجيش السوري من لبنان فأعلن الأسد أن تحالفه مع شرفاء لبنان ومقاومته أقوى وأفضل للبلدين ، وأكثر راحة لسورية من بقاء قسم من جيشها على أراضيه ..
وأثبتت الأيام صِحّة تلك الرؤية .
ومن أجل ذلك أخذ الحزب الإلهي دوره منذ ذلك الحين في البرلمان و في الحكومة بهدف منع عملاء لبنان من الذهاب به إلى الحضن الصهيوني.
وسرعان ما فوجئت أمريكا بقوة علاقة الحزب والشرفاء في لبنان مع سورية بعد خروجها منه.
وعندما استشعرت أيضا فشل محكمة «ميليتس» وشهود زوره ..
وتيقّنت من أنها بوجود الحزب لا يمكنها أخذ لبنان بعيدا عن سورية قامت بشن حرب تموز عام 2006.
لكن حلف المقاومة انتصر وصحّ معه قول الشاعر :
بإرادة الملّاح تجري الريح … والتيار يغلبه السفين.
في ظل ذلك التعقيد والضغط الهائل كان يعمل الأسد على منع إكمال طوق الحصار عليه من الشمال مع تركيا الإخوانية الأطلسية ..
واشتغل على تحجيم الشر الممكن ، وعلى منع اشتعال النار التي يمكن أن يُشعلوها ضدّه من الشمال ، فأقام أحسن العلاقات معها ، وكان التركيز على البُعد الاجتماعي للعلاقات بين البلدين لأن الأسد يعلم أن لا أمان للإخوان .
جاراهم الأسد بقبول واسطتهم للتفاوض مع الكيان الغاصب ، ورتّبوا لأجل ذلك حتى المنابر الدولية والوساطات العربية والإقليمية.
والجميع يتذكر كيف أدار الأسد ظهره ل «أولمرت» الذي جاؤوا به لكسر الحاجز النفسي و لإحراج الأسد الذي رفض قبول تحيّته أمام الكاميرات.
كان الأسد يُمرّر الوقت ليُكمل بناء القوة العسكرية الصاروخية، وليُراكم القوة الاقتصادية ، حيث وصل الناتج الإجمالي المحلي عام 2010 إلى 68 مليار دولار ، ونسبة النمو الاقتصادي إلى 5،4 % .
ولولا الحرب شبه الكونية التي شنّوها على سورية منذ عام 2011 لكانت سورية اليوم تشبه سينغافورا وتايوان.
صمد الاسد وصمدت سورية 11 عاما على أقذر حرب عرفتها البشرية ، وهزمت أكثر من 100 دولة في ميادين الحرب العسكرية .
لم يستسلموا وتحوّلوا إلى الحصار الاقتصادي للتجويع والتركيع ، وصمد السوريون أيضا .
والآن بدأت المؤشرات على قُرب فشل وانتهاء الحصار ، ومن أهم تلك المؤشرات :
– عودة أمريكا للاتفاق النووي مع ايران و رفع العقوبات عنها والإفراج عن أموالها المُحتجزة في البنوك العالمية .
– فشلها الأكيد في أخذ لبنان إلى الحضن الصهيوني بعد تهريب أموال شعبه الى الخارج .
– تحرشها بروسيا ، في عز قوة روسيا .
– إعلانها التوجّه لمحاصرة الصين..في عز قوة الصين (الأمر الذي يعني تشتيت قوتها) .
– توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران .
– عمل الصين وحلفائها الدؤوب على إزالة العقبات من أمام مشروعها الضخم ( الحزام والطريق) .
– قرار الصين وروسيا وايران شراء النفط والتبادل السلعي بالعملات المحلية ، بعيدا عن الدولار ، الأمر الذي يعني بداية نهاية سيطرته على الأسواق ، الأمر الذي سيجعل العقوبات الأمريكية ، بعد حين ، تضر بأمريكا وحدها .
– ومن المؤشرات المهمة جدا ظهور وصعود قوى مقاwمة كالح*شد الش*عبي في العراق.
والانتصارات العظيمة لأنصار الله في اليمن وتهديد الاقتصاد السعودي.
وبعد أن يتم إنجاز مشروع المقاومة الشعبية (الذي بدأ سِرّا دون شك) في الشرق والشمال السوري فإنّ محور المقاwمة سينتقل قريبا من رد الفعل إلى الفعل ، وحينها سيوجع أمريكا كثيرا .
وحين يُوجعها سيُجبرها على الانسحاب سريعا من المنطقة .
عند ذلك ستصبح اليد العليا في منطقتنا هي يد المقاwمة وسيصبح الأسد هو زعيم كل أحرار العرب الشرفاء وليس رئيسا لسورية فقط ..
وليس ذلك الموعد ببعيد .