السيد يمنح السعودية فرصة «للنزول عن الشجرة» ويزيد قلق «اسرائيل»
المملكة ترفض «مبادرة» ميقاتي: خطوات تصعيدية ومطالب «تعجيزيّة»! القرار الظنّي مخرج للافراج عن الحكومة «والدستوري» مرشّح للشلل؟
ابراهيم ناصر الدين | كاتب وباحث لبناني
بهدوء شديد، قارب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الازمة السعودية المفتعلة ضد لبنان، و»بحنكة» موصوفة ردّ على الادعاءات السعودية واتهاماتها ضد الحزب، قاطعا الطريق امام ردود فعل كانت محضرة مسبقا لاستغلال مضمون خطابه او «شكله» لتبرير موجة تصعيد جديدة من قبل الرياض وحلفائها في لبنان، بعد رفض «خارطة طريق» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المقدمة للجامعة العربية. فبدون مهادنة فنّد السيد نصرالله المحاولات السعودية لافتعال حرب اهلية في لبنان، وتحدث عن مأزقها الراهن في مأرب اليمنية، لكنه منح المملكة «سلما للنزول عن شجرة» التصعيد،اذا كانت النوايا سليمة. لكن الاجواء السلبية وصلت الى بيروت، في ظل رفع سعودي لسقف التهديدات من تدابير مشابهة لما قامت به الكويت، حيث افيد ان الخطوات التصعيدية ستبدأ باقتصار منح التأشيرات للحالات «الإنسانيّة فقط» على ان تتدرج الامور نحو اقفال السفارة نهائيا، وخطوات اخرى سيعلن عنها لاحقا. في هذا الوقت «حلق» الدولار في بيروت ووصل الى 22000 ليرة في ظل ارتفاع منسوب التراشق السياسي- والقضائي المرشح للتصاعد الا اذا سارع القاضي طارق البيطار في اصدار القرار الظنّي في جريمة مرفأ بيروت، ما يسمح بعودة الحكومة الى الانعقاد، بينما ترتفع المخاوف من انضمام المجلس الدستوري الى المؤسسات «المشلولة» في البلاد.
نصرالله للتهدئة والسعودية للتصعيد!
ففي خطاب بمناسبة يوم شهيد حزب الله تجنّب فيه الحديث عن «حرب» البيانات بين الرئاستين الاولى والثالثة، حصن السيد نصرالله المفاوض اللبناني في ترسيم الحدود ومنحه دعما مفتوحا لمقارعة الاميركيين والاسرائيليين للحصول على الحقوق اللبنانية، وفيما زرع «الهلع» في كيان العدو، اعلن أنه لا يريد التصعيد وتعقيد الأمور بعد القرارات السعودية التي اتخذتها ضدّ لبنان، مؤكداً ضرورة أن تهدأ الأمور، معتبراً أن ردّ الفعل السعودي على تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي «مبالغ به جداً وغير مفهوم، لافتاً إلى أنّ «المملكة تبحث عن سبب لافتعال أزمة، نافيا ان يكون حزب الله يسيطر على لبنان…
مطلب «تعجيزي» من الرياض
في المقابل، تواصل التصعيد السعودي، عبر رد غير مباشر على السيد نصر الله من قبل السفير السعودي في لبنان وليد بخاري الذي غرد على تويتر قائلا «الحقُّ كُلٌ لا يتجزَّأ… فَهُناكَ فَرْقٌ شاسِعٌ بَيْنَ نَفْيِ الواقِعِ وَبَيْنَ مُحاولةِ تبريرهِ وَالإفْتئاتِ عليه! وعلى وقع التهويل بوقف التاشيرات من بيروت الا للحالات الانسانية، تراجعت الجامعة العربية عن مطالبة الامين العام المساعد حسام زكي وزير الاعلام جورج قرداحي بالاستقالة، كخطوة ضرورية لاستيعاب تداعيات الأزمة، بعدما تبلغت من القيادة السعودية ان الرياض غير مستعدة لتقديم اي مقابل ازاء هذه الخطوة، ووفقا بمصادر ديبلوماسية، لا تملك الجماعة العربية اليوم اي «خارطة طريق» لوقف التصعيد. لكن الجديد، وجود طلب سعودي واضح بان تتحرك الدولة اللبنانية لـ»كف يد» حزب الله عن التدخلات الخارجية والانكفاء الى الداخل اللبناني الذي «لا يعني المملكة بأي شكل من الاشكال»، وهي تتعهد بعدم التعامل مجددا مع الملف اللبناني الداخلي من قريب او بعيد…؟
رفض «خارطة» ميقاتي
ودون ان تقدم المملكة اي تفاصيل حيال كيفية تحقيق هذا المطالب، لم تتعامل بجدية مع «خريطة الطريق» التي وضعها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امام زكي لوقف تدهور العلاقات والتأسيس لبدء حوار جدي لطمأنة السعودية ودول الخليج، فالمقترحات برأي السعوديين لم ترتق الى مصاف العمل الجاد، وهي «شيك» بلا رصيد، لان رئيس الحكومة لا يملك «مفاتيح» الحل والربط، وليس قادرا على المونة على حزب الله، وكان الرد واضحا بان القيادة السعودية لم تعد بامكانها التعامل مع «النوايا الحسنة» وتريد خطوات ملموسة لا مواقف اعلامية، والا فالنتيجة الحتمية مزيد من الخطوات لعزل لبنان… وفي الخلاصة يمكن القول ان الجامعة العربية لا تملك بين يديها اي مبادرة جدية لتسويقها، والامور مفتوحة على كل الاحتمالات ربطا بنجاح التفاوض الايراني- السعودي او فشله.
كذبة «الاملاءات» الخارجية
وكان السيد نصرالله اكد ان الدولة التي تقبل الإملاءات الخارجية تكذب عندما تدّعي العكس، معتبراً أنّ «السعودية افتعلت الأزمة مع لبنان لأجندات خاصّة، وأنّ التصريحات السعودية مبالغ فيها وغير مفهومة، كالمطالبة بوقف الحرب العبثية التي طالب بها مسؤولون غربيون ولكن لم نرَ ردّ فعل بسيط من المملكة حيالها. واضاف «إذا كانت لديكم مشكلة معنا أو مع وزير الإعلام جورج قرداحي احصروها معنا ولا تقحموا السفراء وغيرهم بالأمر، فنحن بحاجة لأن نتواصل مع بعضنا بشكل هادئ لتصحيح الأمور». وفي مقارنة بين السعودية وايران قال «عندما أتينا إلى مشكلة الكهرباء التي هي على رأس المشاكل الأساسية في البلد، لم تقف سوريا في وجه مصلحة لبنان، على الرغم من أنّ رئيسها تعرّض للإهانة من قبل بعض الساسة اللبنانيين»، كما ان إيران تتعرض من الـ2005 للإهانة أيضاً ولكنّها لا تزال تقف إلى جانبنا وتعرض المساعدات التي غالباً ما تواجه بالرفض والاتهامات والتضليل، متسائلاً «هل هكذا يتصرّف الصديق مع صديقه ويفتعل حرباً ديبلوماسيةً»؟
الحرب الاهلية
وسأل السيد نصرالله: الم تكن السعودية حليفة البعض في لبنان؟ لماذا لم يقدّموا إلى حلفائهم أيّ مساعدات من مملكة الخير؟ ببساطة لأنّ السعودية تريد الثمن، والثمن حرب أهلية. وهنا نحن أمام خيارين إمّا أنّهم لا يريدون حرباً أهلية الآن أو لا يستطيعون خوضها معنا. ورأى أنّ استقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبة كان أوّل خطأ يرتكب لبنانيا، والآن دور قرداحي»، معتبراً أنّ «استقالة وهبة لم تقابلها السعودية بإيجابية، وكان يمكن الاكتفاء باعتذار»، ومتسائلاً: «أين السيادة إذا أملت السعودية على لبنان استقالة وزير معيّن؟ هل هكذا تكون الدولة الشريفة والتي تملك كرامة»؟
لا سيطرة على الدولة
وشدد نصرالله أنّ «الحزب لا يسيطر على الدولة ومؤسّساتها كما يتداول البعض»، مضيفاً «أشعر بالخجل وتضييع الوقت عندما أحاول إظهار هذا الأمر، والأسخف من ذلك هو فكرة الاحتلال الإيراني. أمّا عن الملفّ اليمنيّ، أكّد نصرالله أنّ «تداعيات مأرب ستكون كبيرة في المنطقة» والسعودية تدرك ذلك».
لا مقايضة
ونفى أن يكون الإيرانيون قد طلبوا من السعوديين التواصل مع حزب الله لحلّ الأزمة اليمنية، مؤكداً أن المفاوضات بين الطرفين في بغداد لم تتطرق إلى الملف اللبناني أو حزب الله. وفي ملفي المرفأ والطيونة، أكّد نصر الله أن «كل ما قيل عن مقايضة غير صحيح، وليس فينا من يقبل بالمقايضة، كلا الملفين مهمّان، والدماء التي سقطت في الجريمتين دماء بريئة، وتعنينا. والمطلوب في قضية المرفأ، كما الطيونة، الوصول للحقيقة والعدالة.
ما هي «الرسالة» لاسرائيل؟
اما كلام نصرالله حول القلق الاسرائيلي الوجودي، فجاء بحسب مصادر مقربة من الحزب، ردا على رفع قوات الاحتلال من منسوب غاراتها الجوية في سوريا التي وصلت الى سبعة اعتاداءات خلال شهر في إطار ما يسمى «المعركة بين حربين». فاذا كانت اسرائيل تدعي ان أهدافها الرئيسية في سوريا، إحباط تهريب السلاح لحزب الله من إيران، والمس بمصالح إيرانية في عمق سوريا، وبنشطاء محليين يعملون لصالح إيران وحزب الله قرب الحدود في هضبة الجولان، فان السيد نصرالله اراد الرد على نحو غير مباشر على وزير الدفاع بني غانتس، الذي اعلن منذ يومين إسرائيل لن تسمح لحزب الله بأن يمتلك سلاحاً نوعيا، واراد التذكير بان الحزب يملك جهوزية كافية لتهديد استراتيجي على كيان الاحتلال الذي يعرف جيدا ان قوات «الرضوان» جاهزة للدخول الى الجليل في اي حرب جديدة.
قلق حلفاء واشنطن!
وبراي المصادر، فان ما لفت اليه نصرالله حيال التبدل في الموقف الاميركي لا يرتبط فقط بملف حصار لبنان، وانما تبدل الاستراتيجية حيال المنطقة، وفي هذا السياق عبرت صحيفة «هآرتس» عن وجود قلق حقيقي في اسرائيل ولدى حلفاء واشنطن من كونها «غائبة عن الصورة» ازاء تطورات واحداث غاية في الخطورة، ولفتت الى انه « في نهاية تشرين الأول، هاجمت «مليشيات شيعية»، تحصل على التوجيهات من إيران، القاعدة الأميركية في التنف شرقي سوريا بواسطة الطائرات المسيرة، وفي هذا الأسبوع تم قصف رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، وقد اكتفى الأميركيون فقط باصدار «الإدانة» في هاتين الحادثتين، بينما تستعرض إسرائيل قوتها في سوريا نتيجة الإحباط من عدم قدرتها على التأثير في المفاوضات النووية، وهكذا يبدو ان للأميركيين مشكلات ملحة أكثر»!
«الرمال» تنزلق؟
وفي وقت وصف السيد نصرالله الانفتاح الاماراتي على دمشق بانه انتصار لخيار الدولة السورية، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية عن مسؤول اسرائيلي رفيع قوله ان لقاء وزير الخارجية الإماراتي بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق هذا الأسبوع مثير للدهشة في جميع أنحاء المنطقة وفي واشنطن ايضا. «فالزيارة رمزية ومهمة، ويمكن أن تكون بمثابة تحوّل في المنطقة، وفي هذا السياق تبدو أميركا قلقة بشأن شركائها في المنطقة، فهي بعيدة عن كل من القاهرة والرياض في القضايا الرئيسية، ويبدو أن الرمال في المنطقة تنزلق من تحت أقدام الاميركيين، فهم لديهم مشاكل مع معظم حلفائهم وأصدقائهم التقليديين».
تعطيل محتمل «للدستوري»
امام هذه المعطيات، وفي غياب الاجراءات الحكومية المعيشية، ووسط ارتفاع منسوب «الكباش» السياسي والقضائي في البلاد، ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء مقابل الليرة، وبلغ لأول مرة منذ تشكيل الحكومة، 22000 ليرة. فيما ادى الانقسام السياسي الى وقف الإجراءات القانونية المتصلة بجريمة انفجار المرفأ، بينما لا يزال «الشلل» الحكومي على حاله، وسط مخاوف جدية من «شلل» قد يصيب المجلس الدستوري المرشح لينضم الى المؤسسات المعطلة في ظل حديث عن تغيب 3 من اعضائه عن دراسة الطعن المتوقع من قبل تكتل «لبنان القوي» لقانون الانتخاب.؟!
مخرج لعودة الحكومة؟
وفيما اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ التحاور يقفُ عند حدود قناعاتٍ وطنيةٍ وشخصية لا يحيد عنها أبدًا، وأبرزُها إستقلالية القضاء ومن خلاله حمايةُ الدستور والمؤسسات، وصون انتماءِ لبنانَ العربي والحفاظ على علاقاتِ الأخُوَّةِ مع الأشقّاء العرب، وفي مقدَّمِهم المملكةُ العربية السعودية، لفتت مصادر وزارية الى ان «الشمس» التي تحدث عن اشراقها رئيس الحكومة قبل يومين من بعبدا ترتبط باحتمال معاودة انعقاد مجلس الوزراء قريبا، انطلاقاً من حل يجري العمل عليه ويقضي بِختم المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، التحقيق، واصدار قرار ظني يتهم فيه من يشاء من الوزراء والنواب السابقين الذين سطّر في حقهم مذكرات استدعاء، والاكتفاء بنشر الاتهامات بحقهم وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة لمحاكمتهم.
«الكباش» السياسي – القضائي
استؤنف بالامس «الكباش» السياسي – القضائي لكفّ يدّ المحقق العدلي طارق البيطار، وقد هدأت مؤقتا على جبهة بعبدا- عين التينة فيما الجمر يبقى تحت الرماد، تقدم وكيل النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل أمام محكمة التمييز بدعوى مخاصمة الدولة عن القضاة نسيب إيليا، مريام شمس الدين وروزين حجيلي. وقد نفذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت تحرّكاً، بالتعاون مع مجموعة نون، أمام بيت المحامي، لإيصال رسالة بعدم استغلال القانون بطريقة غير شرعية وعدم اعطاء المجال للسياسيين بالتدخل في القضية. وامام «المهزلة» المستمرة في قصر العدل رأى رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود «ان السلطة القضائية تجد سبب وجودها في حريتها واستقلالها، وأنها تفقد مبرر وجودها وتفتقده عند حصول أي استتباع او عند تحقق أي تأثير أو خوف، لذا مطلوب من الجميع دون استثناء من سياسيين وزعماء وقياديين ومقامات عدم استباحة القضاء وعدم اقحامه في تجاذباتهم.