السكن العشوائي في سورية
الدكتور محمد رقية | باحث اكاديمي وكاتب سياسي
في صيف عام 2003 زارنا في الهيئة العامة للإستشعار عن بعد وزير الإدارة المحلية الأسبق المهندس هلال الأطرش ، أطال الله بعمره .
وبعد القيام بجولة في الهيئة والإطلاع على مخابرها وعملها ونوعية مشاريعها ، سألني (وكان يومها صادر مرسوم عن السيد الرئيس يمنع مخالفات البناء ) وقال هل يمكن أن نعرف الأبنية التي تم إنشاؤها بعد تاريخ صدور المرسوم ؟ فقلت له نعم بكل بساطة يمكن أن نعرفها حتى ولو كانت على مستوى غرفة واحدة وكان يومها يتوفر صور فضائية بقدرة تمييز 61 سم ، أما اليوم فيوجد صور فضائية بقدرة تمييز 30 سم .
ويتم ذلك من خلال تأمين صور فضائية للمنطقة المطلوبة قبل تاريخ المرسوم ، ثم صور فضائية بعد صدور المرسوم في تواريخ متتابعة لتتبع المخالفات التي تتم في أي مكان . وسر كثيرا” وقال سنتابع هذا الأمر معكم لتأمين الصور اللازمة .
بعد فترة من الزمن لم يردنا أي كتاب بهذا الخصوص وعندما سألت عن الموضوع قيل لنا بأن الأمر يرتبط بالقطع الأجنبي وتعقيداته وعلمت لاحقا” بأن هناك أناس كثر لا مصلحة لهم بذلك ولا يريدون تنفيذ أي شيء من هذا القبيل. علما” أن السيد الوزير كان جادا” في طرحه.
وتراكم السكن العشوائي في دمشق وبقية المدن السورية وازداد كثيرا” خلال الحرب العدوانية علينا من خلال الربيع العبري ،حيث سيطر الطابع العشوائي على غالبية المدن السورية، فتجاوزت نسبة المناطق غير المنظمة حدود (50-60%) من إجمالي الحيز الجغرافي والديموغرافي في بعض المدن السورية، وخاصة في دمشق وحلب.
فقد بينت الدراسة التي قمنا بها في الهيئة لمدينة دمشق أن نسبة السكن العشوائي فيها وصل إلى 62% ، فهل يعقل أن دمشق ام التاريخ والحضارة أن يكون فيها هذه النسبة العالية من العشوائيات، هذا فضلاً عن الطابع العمراني التقليدي والنمطي ، الذي سيطر وحدد المعالم العمرانية في مساحات كبيرة من الأجزاء المنظمة من المدن .
في الواقع إن ظاهرة السكن العشوائي غير المنظم وأحزمة المخالفات، التي طوقت المدن والمناطق، عكست كلّها بصورة جلية النموذج التنموي الذي وصل إلى أفق مسدود، وظهرت تجلياته بوضوح في الهجرة الكبيرة من الريف إلى المدينة، وبالتالي تراجع مستوى حجم الخدمات ونوعيتها، وفي مقدمتها خدمات السكن والإسكان، ما انعكس بصورة مباشرة على قطاع الزراعة، والإنتاج الزراعي، في الوقت الذي تسبب فيه الزحف السكاني – المرافق لارتفاع معدلات النمو السكاني – نحو المدن بتزايد الضغط على قطاع الخدمات، ما أدى إلى تشويه صورة المدينة، والإخلال بالمعايير والمواصفات الحضرية. إذ تراجعت نوعية خدمات البنى التحتية في المدن في الوقت الذي هيأت فيه أحزمة المخالفات والعشوائيات ، كل الظروف الموضوعية لخلق البنى الحاضنة للفئات المنحرفة، والعناصر الشاذة، والإرهابية ، كما شكلت في الوقت ذاته ملجأً آمناً للخارجين على القانون، والفارين من وجه العدالة. وكانت معظم بؤر الإرهاب خلال الحرب العدوانية على سورية قد انطلقت من هذه الأماكن في مختلف المدن السورية .
كما أن السكن المخالف له أبعاد اجتماعية وتنموية وبيئية واقتصادية كبيرة وخطيرة وخاصة قضم المساحات الزراعية والتصحر وتشويه منظر المدن .
إن تنظيم المناطق والضواحي العشوائية وبناء الأبنية العالية الكبيرة التي يمكن أن تستوعب عشرات أو مئات العائلات فإنها توفر مساحات كبيرة من أراضي العشوائيات، التي تمنع التمدد على الأراضي الزراعية وتسمح بإقامة الشوارع العريضة والحدائق الجميلة والمدارس الواسعة والملاعب الرياضية والمراكز الصحية والثقافية والمراكز التجارية المنظمة وتعطي البعد الجمالي للمدينة وتعزز البيئة المفيدة للساكنين من شمس و ماء وهواء نظيف . وتمنع البيئة التي تفرخ الإرهاب والمنحرفين والخارجين عن القانون .