الحمار ما بين التنين والدب..
نضال بركات | كاتب وباحث سوري
قد يبدو العنوان غريبا ولكن علينا أن نوضح المقصود من هذا العنوان الذي يتعلق بالولايات المتحدة والصين وروسيا والمقصود بالحمار هو شعار الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن أما الدب فيقصد به روسيا التي باتت تتحرك لإعادة نفوذ القياصرة ، وهذا ما يقوم به حاليا قيصر روسيا الرئيس فلاديمير بوتين من خلال قوة بلاده العسكرية وتحركها الى المياه الدافئة في الشرق الأوسط وتهديد النفوذ الأمريكي ومصالحه ، أما التنين المقصود به الصين وهناك مقولة مشهورة لنابليون بونابرت وهي ( لا توقظوا التنين ) ويقصد من وراء ذلك أن يتركوا التنين نائما حتى لا يتحرك وتسيطر الصين على العالم ،وهذا ما يحدث الآن فالتنين استيقظ وبدأ يهدد السيطرة الاقتصادية الامريكية على العالم ، بعد أن حقق في العقود الماضية نموا إقتصاديا كبيرا كان يعلن في كل عام بنحو تسعة بالمئة وفي حقيقة الأمر هو أكبر من ذلك بكثير بينما الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تتجاوز نسبة النمو فيها ثلاثة بالمئة ، ولهذا شعرت واشنطن بهذا الخطر وبدأت تعيد حساباتها لمنع الصين وروسيا من كسر هيبتها من خلال تحريك أدواتها في العالم لإعاقة أي تقدم أو نفوذ للصين في كل بقاع الأرض ، ولكن التنين الصيني والدب الروسي تحركا بقوة بوجه الحمار الأمريكي وعززا مواقعهم ليس في اسيا وحسب وإنما في كل القارات من خلال العلاقات مع الدول التي تهددها الولايات المتحدة واتباعها ، فكانت التحالفات والاتفاقيات مع قوى إقليمية أبرزها مع إيران التي هي الأخرى تهدد مصالح واشنطن في المنطقة نظرا للقوة العسكرية والسياسية التي تتمتع بها والتحالفات القوية خاصة حلف الم قا و مة وهذا ما يشكل دعما قويا للتحرك الصيني والروسي بوجه أمريكيا لتعود مرحلة الحرب الباردة إلى سابق عهدها…
بالطبع لا نريد أن نشكك بقوة الولايات المتحدة العسكرية والإقتصادية ونفوذها في الكثير من بقاع العالم ، ولكن هذا الصعود المتنامي لبكين وموسكو شكلا بالفعل هذا التهديد ، لتتحرك واشنطن في كل الاتجاهات وتلعب على التناقضات بين البلدين لدب الخلاف بينهما ، وهذه الخلافات هي كثيرة منها قلق موسكو من التنافس حول اسيا الوسطى الذي يشهد تمددا صينيا والتباين الديمغرافي على جانبي الحدود في سيبيريا وطموحات الصين في القطب الشمالي هذا من جانب روسيا أما الصين فهي قلقة أيضا من التمدد الروسي في الكثير من بقاع العالم وخشيتها من تأثير روسيا عليها ، وهذا القلق بين الطرفين لن يتطور إلى مرحلة سيئة نظرا لحاجتهما معا لمواجهة الولايات المتحدة وهذا ما يجري بعيدا عن الأضواء في توحيد الرؤى بينهما ، ورغم الخلافات فإن الجميع يلعب على التناقضات وإذا كانت الصين تتحرك بقوة لتعزيز نفوذها الاقتصادي فهي في الوقت نفسه تسعى لعلاقات تبادلية تجارية وتعاون مع الولايات المتحدة وهي تسعى لتجنب أي صدام وفق السياسة الهادئة التي تتبعها على عكس الولايات المتحدة التي تعمل إدارة الرئيس بايدن على دب الخلاف بين الصين وروسيا وتركيزها على سلاح الديمقراطية الزائفة للتدخل في شؤون البلدين وهي تعمل ايضا على استقطاب الكفاءات في البلدين ومراقبة تحركات البلدين في الكثير من دول العالم، لهذا فإن تحرك واشنطن الحالي ضد البلدين يختلف حجمه فالضغط الأكبر على روسيا في الكثير من مناطق نفوذها إضافة إلى التحركات المشبوهة على الحدود الروسية والخلافات مع دول الجوار خاصة أوكرانيا وفي البحر الأسود وكذلك اتهامات واشنطن لموسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية ووصف بايدن الرئيس بوتين بالقاتل وإيعاز واشنطن للأوربيين بتصعيد التوتر مع موسكو وطرد الدبلوماسيين الروس على خلفية اتهامات باطلة ، لكن روسيا التي شعرت بالقلق من التحركات الغربية وحلف الناتو تحركت بقوة لمواجهة هذا الخطر وردت على القرارت الاوربية والامريكية بطريقة اكبر وأجرت مناورات ردع استراتيجية في البحر الأسود وبحر قزوين وفي جنوب غرب البلاد وهذا ما أكد عليه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو من خلال اتخاذ إجراءات متكافئة للردع الاستراتيجي وزيادة القدرة القتالية للقوات في المنطقة العسكرية الجنوبية ، وهذه المناورات التي هي رسالة للناتو في حال أقدم على أي تحرك مشبوه علق عليها الجنرال شارلز ريتشارد قائد القيادة الاستراتيجية الامريكية وهي اعلى قيادة عسكرية أمريكية وقال : إن روسيا تجري مناورات عسكرية لا مثيل لها منذ الحرب الباردة ، وهو كقائد عسكري يعرف جيدا طبيعة هذه المناورات وأهدافها وبالتالي فإن الجميع يعي خطورة التحرك الأمريكي ضد روسيا ، ولكن لن تصل الأمور إلى الحرب لأن مخاطرها على العالم بأسره ، والبلدان تعلما جيدا من دروس الماضي وضرورة التعاون من أجل حل القضايا الخلافيه وفق ما أشار اليه نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف في مقاله لوكالة نوفوستي ، ولكن انزلاق واشنطن في سياسة خارجية غير مستقرة من خلال رفض الاتفاق النووي مع إيران والانسحاب من معاهدة الأجواء المفتوحة وعدد من المعاهدات الأخرى أدت جميعها إلى تراجع هيبة ومكانة الولايات المتحدة في العالم ولم تعد تلك القوة التي تستطيع أن تفرض هيبتها على أي دولة إلا تلك الدول التي تدور في فلكها حتى هذه الدول تحاول أن تعزز علاقاتها مع روسيا والصين ، لكن خوفها من سيدها الأمريكي تتردد …
إن واشنطن لا تزال تستخدم أوراق الضغط لديها لتؤثر بها على روسيا والصين من خلال الناتو وأوربا والكثير من الدول وأيضا من خلال التباين والخلافات بين روسيا والصين رغم تفاهمها وتعاونهما ، لكن واشنطن تسعى للعب على وتر هذا التباين من أجل رسم ملامح سياستها الخارجية في المستقبل فهل ستنجح واشنطن في تحقيق ذلك؟
بالتأكيد لن تنجح واشنطن لأن التعاون الصيني الروسي كبير جدا ووحدا رؤيتيهما جيدا لمواجهة الغطرسة الأمريكية والتعاون بينهما وصل إلى مرحلة متقدمة بدأت ملامحها تتوضح أكثر من خلال تراجع الزعامة الأمريكية إلى عالم متعدد الأقطاب ونظام إقتصادي جديد وما يؤكد ذلك هي تلك التفاهمات والاتفاقيات بين الكثير من الدول بينها ايران مع العملاقين الروسي والصيني وبالتالي فإن الحمار لم يعد له تلك الهيبة في مواجهة التنين الذي استيقظ والدب الروسي الذي ثبت نفوذه في العالم.
كُتب هذا المقال قبل ستة اشهر