الحصار بالإنسداد الحكومي !
ثريا عاصي | كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية .
لا يشجعك بعض المحللين في هذه الأيام على متابعة ما يجري على صعيد تشكيل الحكومة، يصعب عليك اختراق شروحاتهم المزورة والمتناقضة في أغلب الأحيان، والمعروضة للبيع كسلعة فاسدة . بلغ الإلتزام الوطني والأخلافي درجة الصفر!
يجدر التذكير أن الخيار وقع في تشرين أول 2020 على تكليف رئيس أسبق للحكومة كان قد اتخذ قراراً فردياً بالإستقالة في 29 تشرين أول 2019، بعد أيام من تفجر الأزمة المالية وانكشاف إفلاس الدولة، نتيجة سياسة اتبعتها الحكومات المتعاقبة بين 1990 و2019، التي كان الرئيس المكلف، بعد المرحوم والده، أحد رموزها إلى جانب تكتل ضم جميع زعماء الطوائف، حيث ترأس في هذه الفترة عدة حكومات، أبرزها الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية الحالي والتي أعلن هو نفسه عن استقالتها في 2017 من الرياض، في كلمة متلفزة، أثناء زيارة كان يقوم بها للسعودية!
ليس مستغرباً أن تعترض الرئيس المكلف عقبات كأداء، نتيجة لعدم توافق الذين ساهموا في تكليفه أي أعضاء المنظومة الحاكمة، فيما بينهم . فمن نافلة القول أن هؤلاء يحاولون أن ينكروا حقيقة موضوعية، ملموسة، استخفافاً بعقول الناس واستناداً إلى اعتقادهم بانهم استطاعوا في السنوات الثلاثين الماضية استيلاب عقل وإرادة الكثيرين منهم، مفادها أن البلاد تتعرض في الواقع إلى حرب إقتصادية لئيمة توازياً مع الحرب الدموية والتدميرية التي تدور في سورية، حيث تشارك فيها غالبية الأطراف اللبنانية، المتعايشة في الحكم، في الجبهات المتقابلة.
ليس من حاجة إلى بسط وتوسع للدلالة على تجليات هذه الحرب . أكتفي هنا بالإشارة إلى ضرب العملة الوطنية، السطو على ودائع الناس، استفحال الفساد في السلطة والإدارة وتفجير المرفأ المشبوه، بالإضافة إلى احتكار المناصب عن طريق التمديد والتجديد، مثل إعادة تكليف شخصية سياسية، أظن حتى إثبات العكس أنها تتحمل مسؤولية كبيرة في ما آلت إليه الأوضاع السياسية والإجتماعية والمعيشية.
ولسائل يسأل عن أهداف هذه الحرب فإن الإجابة بكل بساطة هي أولاً فتح جبهة من لبنان ضد الدولة السورية بغية إسقاطها وثانياً مصادرة الثروة النفطية التي يعتقد أنها موجودة ضمن الحدود البحرية.
بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، إن المراوغة في تشكيل الحكومة لا تعدو كونها جزءاً من الضغوط المالية والتموينية من أجل تعطيل قدرات البلاد الدفاعية ذوداً عن الحدود الجنوبية والشرقية والبحرية . هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فلا مفر من الإعتراف بان الإنشقاق الطبيعي والمنطقي في التكتل الحاكم هو معطى موجود وأنه يتعمق تدريجياً بالرغم من المحاولات المستمرة من أجل إخفائه أو تجاهله تحت مبررات ليست مقتعة دائماً . فعلى الأرجح أن هذا التكتل بات مجبراً بشقيه على الإنخراط مباشرة في المعمعة، لكي تأتي التسوية بينهما تجسيداً لانتصار أحدهما على الآخر.