“مركزيٌ جداً، يُقصي الآخرين، ومنشغل بنفسه. وهو شخص حاد جداً، ذكي جداً. لكنه نرجسي جداً”. هكذا لخّص جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” الصفات الشخصية والنفسية لأمين عام الحزب
فيتامين “د”
هذا ما جاء ضمن مقتطفات نشرتها صحيفة “يديعوت احرونوت”، من تقرير ستنشره كاملاً بعد غد الجمعة، بعنوان “ملف نصر الله”. ويتضمن سرديات من ضباط الاستخبارات لصالح الصحيفة العبرية، باعتبار أن “مهمتهم الدخول إلى رأس (عقل) زعيم حزب الله، ومحاولة فهمه، تحليل خطواته واستباقها”.
التقرير يأتي في إطار دراسة عوالم “العدو” النفسية والشخصية ومدلولاتها على مدار سنوات طويلة، للمساعدة في فهم تأثيراتها في رسم قرارات نصر الله، وخطواته في السياق الأمني والسياسي تجاه إسرائيل. وذلك ضمن مساعيها في سياق نظرية الأمن التي تتبناها الدولة العبرية للبقاء. وهي “الوقاية الاستباقية”.
وتتحدث الباحثة الاستراتيجية في “أمان”، ويرمز إليها بحرف “ك”، عن الجانب الصحي لنصر الله، فتقول أنه بحاجة إلى فيتامين “د” بحكم أنه لا يخرج من المنزل، ولا يقترب من النوافذ؛ ما يجعله لا يتعرض لضوء الشمس كما يجب؛ ذلك أنه “يدرك جيداً أنه في اللحظة التي يخرج فيها رأسه، ستعلم إسرائيل بمكانه”، وفق ادعائها.
وتدرج نصر الله بحكم عمره الستيني ضمن الفئة التي يشكل فيروس كورونا خطراً عليها، لكنه يعارض اللقاحات الأميركية.
ثم تنتقل إلى سرد آليات التواصل مع قادة الأمن والسياسة في حزب الله. ففي ظل تخوفه من اكتشافه، فإن نصر الله ليس بحوزته هاتف نقال. وينقل الرسائل بواسطة نائبه، نعيم قاسم، ورئيس المجلس التنفيذي، هاشم صفي الدين. ومنذ اغتيال من لُقبوا بـ”رؤساء أركان حزب الله”، عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، ولاحقا اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني.. وهو ما دفع نصر الله إلى العمل كـ”زعيم دولة، وزير دفاع، رئيس أركان القوات، قائد منطقة عسكرية، وأحيانا كقائد وحدة عسكرية أيضاً. وهو يعتمد على عدد قليل من الأشخاص، ولا يعين أشخاصاً في مناصب رفيعة”.
تداعيات استشهاد الإبن
لكن التوصيفات والسرديات سابقة الذكر غير كافية للاستدلال على كيفية صنع القرار وتعميمه من دون أي اختراق أو زرع للجواسيس داخل الحزب. إلا أن الإجابة تتجلى في جملة وردت على لسان ضابطة الاستخبارات، وظهرت وكأنها عابرة، إلا أنها كفيلة لفهم المفتاح لذلك. إذ تدّعي أن نجاحه في إدارة تنظيم كبير مثل حزب الله، يكمن في أنه “بعد سنوات طويلة في قيادة التنظيم، يوجد ما يسمى (روح القائد). ويكفي أن ينقل توجيها، وسيعلمون ما الذي يريده”.
إذاً، يمكن الاستنتاج من هذه الجملة أن نصر الله يميل إلى البعث برسائل مشفرة خاصة، عندما تكون تعليمات أمنية. وذلك، بطريقة تجعل القيادات الأمنية في الحزب قادرة على تحليلها وفهم المراد والهدف.
وانتقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” في تقريرها الأمني إلى دراسة تداعيات استشهاد هادي، نجل نصر الله الأكبر، خلال اشتباك مع قوة من وحدة “إيغوز” الإسرائيلية في لبنان، عام 1997. وجرت لاحقاً صفقة تبادل تم خلالها استعادة جثمان هادي مقابل جثة جندي إسرائيلي، قُتل خلال عملية نفذتها وحدة الكوماندوز البحري في لبنان.
وهنا، يفاضل ضابط الاستخبارات الذي يرمز له ب”أ” بين هادي الشهيد، وشقيقه جواد، بناء على معيار معنوي وفائدة إعلامية بالنسبة لنصر الله. فالأخير يسعى للاستفادة إعلامياً من حقيقة أن لديه ابناً شهيداً. لكن ابنه الثاني، جواد، تسبب بحرج كبير له، بعد اختفاء الصحافي لقمان سليم، الذي انتقد نصر الله بشدة بعد انفجار المرفأ في بيروت.
وحسب الضابط الإسرائيلي “أ”، فقد غرد جواد في تويتر: “خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب #بلا_أسف”. وبعد وقت قصير تم محو التغريدة. وعلى ما يبدو أنه تلقى “اتصالاً هاتفياً عصبياً”، وفق ادعاء الضابط.
ونصر الله يواجه صعوبة في التعامل مع وسائط الميديا الجديدة، كما يزعم ضابط الاستخبارات الإسرائيلي “أ”، بالقول إن “الانتقادات ضده في الشبكات الاجتماعية تثير جنونه، لأنه يسيطر على كل شيء”.
ألدّ عدو
ووصفت الصحيفة العبرية نصر الله بأنه “ألد عدو لإسرائيل، ويرأس التنظيم الذي يسيطر على لبنان، وبحوزته عشرات آلاف الصواريخ التي تغطي كافة الأراضي الإسرائيلية تقريباً”.
واللافت أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “أمان” لم ينس الإشارة إلى اهتمام حسن نصر الله بالإعلام الإسرائيلي. فوصفته الضابطة الباحثة “ك” بأنه “يعيش وسائل الإعلام الإسرائيلية ويعرف الذين يكتبون، من منطلق اهتمامه بتحليل الجمهور الإسرائيلي ودراسته”.
نكاية بالموساد؟
والواقع، أن تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” عن ملامح نصر الله النفسية في صحيفة “يديعوت احرونوت”، قد جاء في هذا التوقيت ليس فقط للقول لحزب الله عموماً وحسن نصر الله خصوصاً “نحن نعلم أدق التفاصيل. وأننا الأقوى في حرب العقول”، بل يأتي أيضاً في إطار النكاية الداخلية في هذا التوقيت تحديداً، خصوصاً في ظل حديث عن خلافات وصراع خفي بين رئيس جهاز “الموساد” يوسي كوهين من جهة، ورئيس أركان الجيش من جهة ثانية.
والجدير ذكره، أن صحيفة “يديعوت احرونوت” هي نفسها تحدثت قبل أيام عن الخلافات بين استخبارات الجيش والموساد. ثم جاء تقريرها اليوم عن قدرات الاستخبارات “أمان” في تتبع تفاصيل “العدو”، حتى النفسية والصحية والشخصية الدقيقة. كأن التقرير الجديد تم تقديمه كهدية من “أمان” للصحيفة الإسرائيلية، امتناناً لما نشرته قبل أيام حول المفارقة بين الجهازين في التقييم والنظرة إلى إيران وأذرعها في المنطقة وطريقة التعامل المثلى.
فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” منذ أيام أن خلافات وفوارق في النظرة بين قيادة “الموساد” وقيادة الجيش الإسرائيلي بشأن موضوعات عملانية واستراتيجية، كانت موجودة في الماضي وستظل موجودة أيضاً في المستقبل. لكن مؤخراً، وخصوصاً هذا الأسبوع، برز هذا الخلاف في وسائل الإعلام، نتيجة الهجوم على باخرة يملكها إسرائيلي في الخليج الفارسي في الأسبوع الماضي.
وحسب “يديعوت أحرونوت”، طالب رئيس الموساد يوسي كوهين بـ”ردّ جريء”، بينما أيّد رئيس الأركان “رداً معتدلاً”.
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أن الخلاصة المنطقية للصراع الدائر في الكواليس هو: إذا كان الجيش الإسرائيلي هو الذي يقوم بالجزء الأساسي من المواجهة الاستخباراتية مع إيران، ليس هناك سبب لأن يكون رئيس الموساد هو الذي يقود ويخطط السياسة في هذا الموضوع.
ويبدو أن النشر الجديد بعنوان “ملف نصر الله” ليس بعيدا عن صراع الكواليس المشار إليه.