اغتيال لقمان سليم يكشف عورة الوطن!
ما من مرة كان الانقسام السياسي في لبنان واضحاً بين خطين لا يلتقيان كما هو حاصل اليوم بعد اغتيال الناشط الأميركي الإسرائيلي في لبنان لقمان سليم!
جهاد أيوب – كاتب وباحث لبناني
التقيت به مرتين وفي ذات العام 2007 في بيروت عند أصدقاء مشتركين، كان غاضباً من انتصارات المقاومة، لم يكن يؤمن بالإسلام بالمطلق، ولديه داء اسمه ” مقاومة إسرائيل”، يجاهر بهذا الموقف دون تردد، وخارج المجاملة…وقح في رأيه ضد الشيعة ورجال الدين فيها، ولا يعير أي احترام للطائفة السنية حتى لو شتموا الشيعة، وأما الحديث عن العروبة وفكرة القومية فكان يفتح نار لسانه ولا يتوقف!
بالطبع، ومن خلال الجلستين ادرت النقاش الحاد كما ارغب، ووضعت النقاط على حروف حقده الذي أوصله إلى الجهل المتقن والمتعمد خاصة كلما ذكرته بجرائم أميركا وإسرائيل، ولم اصافحه لا قبل ولا بعد، واعتز بعدم مصافحته!
لقمان سليم اغتيل منذ أيام، وأنا شخصياً ضد سياسة الاغتيالات بالمطلق، ولا أؤمن بأن القتل يلغي الحقد، بل أؤمن بأن يعيش عدونا، ويشاهد انتصاراتنا واختياراتنا وهزيمة مشروعه، وما أن نصل إلى قتل من يخالفنا الرأي في الوطن يعني الفكر سقط، ولا مجال للتغني بالفكر!
لقمان وبسبب حقده على المقاومة فرض هو التواصل مع السفارة الأميركية، هو من تواصل مع العدو الأساسي للمقاومة، وفي كل جلساته حرض عليها وعلى بيئتها، ووصل به الحقد إلى أن يطلب من الدول المناهضة بأن تشن الحرب على البيئة الحاضنة للمقاومة دون تردد، ويعتبر قتل الكثير للوصول إلى حسم هو الحل!
ورغم كل هذا الوضوح في محاربته للإسلام والمقاومة والشيعة تحديداً لم يتمكن لقمان من أن يصبح نجماً تلفزيونياً كغيره من رفاق مشروعه، ومهما كان يسوق بأنه هو المرجع الشيعي الأول في السفارة الأميركية، وبأن كل سفير قبل الولوج بالشأن اللبناني لا بد أن يطرح عليه العديد من الأسئلة، ويقوم هو بالإجابة التي تجعل من السفير الأميركي غارقاً بالإصغاء!
رغم كل هذا لم يتمكن لقمان من صنع حالة لا في طائفته ولا عند الطوائف الثانية، واستمر في دورانه ضمن دائرة مكشوفة ومن غير سواتر، وعاش منذ ولادته ضمن بيئة من يحقد عليهم، ويحتقرهم، ويطلب تصفيتهم في منطقة الغبيري، وهذه البيئة حمته، رفضت أن تضيق عليه، وكان يتجول فيها هو وزوجته بحرية مطلقة، وقيل لي من اشخاص مقربين منه انه كان يتمنى لو أن يعامل على عكس ما يحصل معه من قبل بيئة المقاومة، وتحديداً من جمهور حركة أمل وحزب الله، وربما لو شتموه، وضربوه، وهجروه لكانت أوضاعه المالية أكثر وفرة، وعلاقاته مع الفريق الخصم في الداخل والخارج أقوى وامتن، ولكن لم يحصل على هذه البركة لا بالشتم ولا بالحضن!
قبل الاغتيال كان واضحاً أن المغدور لقمان سليم لم يعد مشروعه العدواني على المقاومة وبيئتها وعلى الإسلام والعروبة لم يعد مؤثراً، وخطابه أصبح اجترارات لفراغات حضوره، وأصبح مجرد حالة عابرة بينما هو يكتشف كل يوم أن أسهم غيره من القدامى والجدد ممن يشتم المقاومة تزداد شهرة في الإعلام المناهض للمقاومة، لا بل أوضاعهم المالية والسكنية أفضل مما هو عليه، ويحضون بفرص السفارات والزعامات أكثر منه!
إغتيال المغدور لقمان سليم أفاد من سعى إليهم أكثر ممن حقد عليهم، وجعل كل أعداء المقاومة في الداخل اللبناني يستنكرون (وبالعادة من يستنكر أولاً لوقوع الجريمة يكون الفاعل أو المتمني لهكذا اغتيال حتى لو قال العكس!)، استنكارات رافقتها اتهامات جاهزة وتحت الطلب، ذكرتنا يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوزيع صور المتهمين، واختراع قصص الأفلام الهوليودية بعد دقائق من الحدث!
في لبنان وبعد اغتيال لقمان كان الهجوم على المقاومة جاهزاً بشراسه من قبل زمر اعتادت الهجوم، ولا لزوم لها سوى شتم المقاومة، ونحن نعلم أن المطر إذا سقط بغزارة سيتهمون المقاومة بذلك، لكونهم يسعون إلى إرضاء من يشغلهم!
من حسنات هذا الهجوم أن رجال دين، وفضائيات محلية مستأجرة للخارج، والكثير من الإعلاميين سقطوا في وحل جهلهم من خلال اتهاماتهم المعلبة دون أي دليل، وأصبحوا يغارون على طائفة المغدور وهو بالأصل منها براء، والأهم انهم كشفوا كل هوياتهم وعاداتهم وعوراتهم بفجاجة، ولم يعد لديهم ما يفعلونه غير هذا الإسفاف في خطابهم لإرضاء من يشغلهم!
هذه الجريمة أكدت أن في لبنان فريقين لا ثالث بينهما، الأول يفاخر ويؤمن بأنه ليس حليفاً للمشروع الأميركي الإسرائيل في لبنان بل تابعاً بفجور لهذا المشروع كما حال لقمان سليم، والفريق الثاني هو حليف المقاومة، ولم يتزعزع مشروعه المقاوم للإحتلال الصهيوني وللحروب الأميركية وللحقد والتمويل السعودي فكراً وأرضاً رغم الحصار الاقتصادي والمعنوي، ورغم هجرة مواقع بعض الإعلاميين المحسوبين زوراً على خط المقاومة، وسقوط بعض الرؤوس في وحل خيانة المشروع بسبب انقطاع المال عنهم، وعدم نيلهم وزارة أو نيابة!
هذا هو واقع المرحلة الحالية في لبنان، ولم يعد “بين ما بين” متواجداً، واغتيال لقمان سليم كشف حقيقة هذه العورة!