مقالات مختارة

الكيان الصهيوني في أخطر أزمات ضعفه بعد انعدام الأمن ونقص الهجرة

 

تحسين حلبي – باحث فلسطيني في الشؤون الإسرائيلية

إن نظرة سريعة على مواضيع أول جدول عمل وضعه “قادة” الكيان الصهيوني عام 1949 مع تشكيل أول “حكومة” صهيونية في فلسطين المحتلة ستكشف أنه حتى الآن وبعد مرور أكثر من 70 عاماً على إعلان الكيان الصهيوني ما تزال هي المواضيع نفسها على جدول عمل “الحكومات” التي تعاقبت وفي مقدمتها «العمل على ضمان أمن المستوطنين وزيادة هجرة اليهود من أجل تعزيز القوة البشرية في الجيش وفرض الاستسلام على العرب عن طريق عقد اتفاقات تسويات تحقق هذه الأهداف».
وهذه الحقيقة تدل تماماً على أن الكيان الصهيوني ما زال يواجه عجزاً في تحقيق أهدافه برغم توسعه الاستيطاني بعد عام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء المصرية، فالمقاومة ما تزال تبدد شعور المستوطنين بالأمن وتهدد بصواريخها، من جبهة الشمال وجبهة قطاع غزة، جبهته الداخلية ومستوطناته، وما تزال تفاقم أزماته وقلقه على مستقبله.
أما موضوع هجرة اليهود فقد تناقصت بشكل تقلص فيه عدد القوة البشرية العسكرية المطلوبة لحماية الأمن، ففي الثالث من شهر كانون الثاني الجاري نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تحليلاً كشف فيه الدكتور ناتانئيل فيشير انحسار الهجرة المتواصل بسبب هذا الموضوع وكذلك بسبب تفاقم أزمة كورونا في المدن والمستوطنات.
وكشف فيشير تحت عنوان «أسطورة الهجرة المكثفة لليهود» أن «الوكالة المتخصصة بتهجير اليهود من العالم ذكرت في حزيران الماضي أن 50 ألفاً من اليهود أصبحوا جاهزين للهجرة في النصف الثاني للعام الماضي 2020 إلى “إسرائيل”، أي أكثر من ضعف عدد الذين جرى تهجيرهم قبل عام من ذلك». وأضاف فيشير أن «رئيس الوكالة اليهودية تحدث عن هجرة 250 ألفاً في عام 2020 لكن الرقمين لم يحملاً من الحقيقة شيئاً لأن عدد المهاجرين الذين وصلوا أقل من عشرة آلاف!» وقبل أزمة كورونا لم يصل إلى الكيان الصهيوني سوى ما يزيد على 25 ألفاً؛ ويقول فيشير إن هناك من يريد عرض أرقام لا تدل على الحقيقة.
بالمقابل تناقص عدد اليهود المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق ولم يزد على ستة آلاف في العام الماضي 2020 ولم يأت من أوكرانيا سوى 2500 وهاتان المنطقتان هما اللتان تعول عليهما وزارة تهجير اليهود لإحضارهم إلى “إسرائيل”، لأن من يعيش في أوروبا أو أميركا أو كندا قلما يرغب بالهجرة, ولهذا السبب اتجهت وزارة تهجير اليهود إلى بقايا ما يطلق عليهم اسم يهود إثيوبيا «الفلاشمورا» لدفعهم إلى الهجرة.
ومع هذه الإخفاقات في أهم موضوع تاريخي على جدول عمل الحكومات الصهيونية، بدأت حكومة نتنياهو بالتفكير في إعداد خطة للتوجه إلى مئات الآلاف من يهود الاتحاد الروسي ممن لا تنطبق عليهم صفة اليهودي بسبب عدم ولادتهم من أمهات يهوديات ولا تربطهم صلة قرابة بيهود سوى علاقة قربى بعيدة جداً بهدف إقناعهم بالهجرة وهم من غير الراغبين بموجب ما يكشفه الدكتور ناتانئيل في مقاله، هذا يعني أن الخزان البشري اليهودي بدأ ينضب ويقل فيه عدد اليهود الراغبين بالهجرة من ناحية، ويمتنع من ناحية أخرى عن القبول بالهجرة الأفراد الذين ترى فيهم وكالة التهجير مشروعاً للهجرة.
عدد اليهود الذين يعيشون تاريخياً في العالم خارج الكيان الصهيوني أصبح أكثر عدداً من اليهود الذين جيء بهم إلى هذا الكيان قبل أكثر من 70 عاماً، وهذا يدل على حقيقة أن مشروع إنشاء «وطن لليهود» بدأ يتعرض لفشل مستمر بسبب تضافر عوامل موضوعية شكلتها أولاً مقاومة الوجود الصهيوني، ثانياً إصرار كل شعوب المنطقة على عدم التسليم باغتصابه للأراضي العربية، ثالثاً بقاء الكيان الصهيوني محاطاً بأطراف وقوى تعد له قدرات وقوة كعدو مركزي وتاريخي لا يمكن السماح ببقائه مغتصباً للأراضي العربية في هذه المنطقة ولا لأي شبر فيها، ورابعاً تآكل قدراته ودورانه حول أزماته البنيوية نفسها غير القابلة للعلاج والحلول بعد تدهور حال القوة الأميركية الضامنة لوجوده في هذه المنطقة وظهور قوة إقليمية تشكلت من محور المقاومة الذي تمتنت وحدته بعد عقود كثيرة من مجابهة أطرافه للقوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسورية إضافة للمقاومة الفلسطينية، وكذلك مجابهة قوته الأميركية في العراق وإيران ولبنان وسورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى