كتاب الموقعمقالات مختارة

كتب نبيه البرجي | لاهوت الأمبراطوريّات

نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني

حين تتحدث المؤرخة الأميركية آن د. غوردون عن “لاهوت الأمبراطوريات” : “لقد بدأنا في الدخول الى ما بعد الايديولوجيا، والى ما بعد التاريخ. ما أخشاه أن نكون قد بدأنا الدخول الى… ما بعد العالم”. لنتصور الكرة الأرضية وهي ترقص “التانغو” مع العدم!

من هنا، دعوتها الى عقد مؤتمر دولي، على الأقل لاعادة أحياء المعاهدات التي تم ابرامها ابان حقبة الحرب الباردة وما بعدها، لتلاحظ أن الجنرالات الذين قالت مادلين أولبرايت انهم لم يوجدوا للاسترخاء داخل الثكنات، يبدون الآن في ذروة الانتشاء وهم يرون كيف تتزعزع عظام القيصر، حين يكتشف أن حلمه ببناء الأمبراطورية الروسية قد تداعى أمام مدينة صغيرة في أوكرانيا (باخموت).

غوردن تنبّه “لكن صراعنا، أيها السادة الجنرالات، وأنتم قلتم ذلك في وثيقتكم السنوية مع التنين، لا مع الدببة القطبية، التي وان كانت قد ترعرعت وراء الثلوج، فهي أقرب الى حضارتنا والى ديانتنا من التنين، الذي لا ندري أين هو من السماء، وأين هو من الأرض”.

قد تجد في فرنسا من يحدثك باللغة نفسها، وبالرؤية نفسها، ولكن من زاوية أخرى. القارة، وبتأثير الاستئثار الأميركي، تعاني من توترات اقتصادية تنذر بتفاعلات كارثية. لن يأتي الحل من الشركات أو من البنوك، ولا من الادارة الأميركية التي تخضع لهذه الشركات ولهذه البنوك، بل من الصين”.

لا شيء يمكن أن يوقف الايقاع الصناعي والتكنولوجي في “أمبراطورية كونفوشيوس”. الأميركيون أنفسهم يتوجسون من ذلك، وهم يعززون قواتهم في اليابان وفي الفيليبين وفي كوريا الجنوبية، التي سترابط عند شواطئها غواصة نووية في وجه كيم جونغ ـ أون، الذي لا أحد يدري ما يجول في رأسه المقفل، وفي بلاده المقفلة…

لا يصدق الأوروبيون أن استقلال تايوان يعني الأميركيين، الذين لا بد يذكرون كيف أن أبراهم لنكولن، أحد أركان “مثلث العظماء مع جورج واشنطن وفرنكلين روزفلت، شن حرباً ضروس على انفصاليي الجنوب. هدفهم الاستنزاف المتعدد الوجوه للصين.

القارة العجوز في مكان آخر. فرنسا مثالاً. الحاجة ماسة الى الاستثمارات الضخمة كي “لا نصاب بالتعفن الاستراتيجي”. هذا هو شعور الأوروبيين الآخرين. الاستثمارات، وكما يجزم المستشارون الاقتصاديون في الاليزيه، لن تأتي من الضفة الأخرى للأطلسي، وانما من الضفة الأخرى للعالم…

لا يتعاطى الأوروبيون بجدية مع الادعاء الأميركي بأن الصين “قد تقفل أبواب الباسيفيك في وجهنا”، لتغدو الولايات المتحدة الأمبراطورية العرجاء أو الدولة العرجاء. بعض المعلقين يسخرون “هل الأوقيانوس ملهى ليلي في لاس فيغاس لكي يقفلوه”. الفيلسوف لوي موران يقول ساخراً “هذا ما لا يستطيع أن يفعله حتى الله” !

لكن الأوروبيين يبدون الآن وكأنهم لا يتركون فرصة للأوروبيين حتى لكي يفكروا. “لعلهم يغسلون أدمغتنا بأحذيتهم”. هذا ما يقوله لاحدى الشاشات شيوعي عتيق، ويدعى “الرفيق مارسو” .

الروس الذين انكفأوا أمام كييف كيف لهم، وكما يقول الأميركيون، أن يغزوا باريس أو برلين أو روما؟ لكنها… الكوميديا الأميركية!

ايمانويل ماكرون، وأثناء زيارته الصين، حاول أن يبعث برسالة اى الأميركيين، والى “الرفاق في أوروبا”. الأميركيون سخروا من “شخصيته الدونكيشوتية”. الأوروبيون خافوا من التجاوب مع موقفه، ليبدو رأسه الآن تحت المطرقة الأميركية…

حتى الانكليز هزتهم الصدمة الاقتصادية. “الفايننشال تايمز” سألت ما اذا كان “آلهة المال في أميركا يشعرون بآلامنا”؟ هل لهؤلاء أن يشعروا حتى بآلام الأميركيين؟

كارل ماركس قال لليهود “ثمة اله لكم هو المال”، وقد بات اله الجميع. لاهوت الأمبراطوريات. ألم يصف جورج سوروس “وول ستريت” بـ “كاتدرائيتنا العظمى”؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى