كتاب الموقع

كتبت د . نازك بدير | أميركا “الخاسر الأكبر”

الدكتورة نازك بدير | كاتبة وباحثة لبنانية

مع اقتراب دخول الحرب أسبوعها الثامن، بدأت تطفو على السطح الخلافات بين الإدارة الأميركية وأداتها الإسرائيلية المُصِرّة على المضي في عملية الإبادة الجماعية، مستهدفة النازحين أينما وجدوا، بما في ذلك مقرّات تابعة للأمم المتحدة، غير  آبهة بمطالب واشنطن التي بدت عاجزة عن إدارة الصراع. طفلها المدلل ضرب بعرض الحائط مصالحها الداخلية والخارجية، فهي اليوم مجبرة على تقديم إجابات في الداخل نتيجة التحوّل في الرأي العام، حتى أنّ عددا كبيرا من  اليهود الأميركيين باتوا يعلنون صراحة أنّ اسرائيل ترتكب جرائم بحق الفلسطينيين، وأنها كيان قائم على الفصل العنصري. وشهد الكونغرس الأميركي انقساما حول حجم المساعدات التي سيتم تقديمها إلى الحليف الإسرائيلي. وعلى الصعيد الخارجي، كلما مرّ وقت أطول، تتفاقم خسائر

الولايات المتحدة، وتخسر نقاطا استراتيجية لحساب خصومها الثلاثة: الصين، وروسيا، وإيران. استغراقها في دعم الكيان الإسرائيلي أفقدها وهج الحضور على “الجبهات” الأخرى. بالنسبة إلى الصين، سيتاح لها التحرك بيُسر نحو تايوان، والتمكّن من إحكام السيطرة عليها. كذلك يبدو أنها لم تعد تستطيع تلبية الاحتياجات الكاملة لحليفها الأوكراني، ما يمنح الروسي فرصة أكبر للتقدم في الميدان، وكسْر شوكة الأميركي. هذا، وليس من مصلحة بايدن أن تنفتح الحرب إقليميًّا، إذ تمتلك إيران نقاط قوة على مستوى المنطقة والعالم.

يحاول الجانب الأميركي كبح جماح نتنياهو، وكان قد أعلن في خلال مؤتمر مجلس الحرب في الثامن عشر من الشهر الجاري أنه يمنع مع زملائه الضغوط لوقف القتال، وشدّد على أن الحرب ليست قصيرة، بل طويلة، محرجًا بذلك الإدارة الأميركية. فالأمر البالغ الأولوية بالنسبة إليه هو الاستمرار في الحرب قدر المستطاع هربا من المحاسبة، ومن “سبت أسود” آخر ينتظره.

طالما المعارك مشتعلة، فهو يضمن بقاءه خارج القضبان، ولو كلّف ذلك استشهاد آلاف الفلسطينيين، وغرق جنوده في مستنقع غزة، حيث تتعرض لقتال ثلاثي الأبعاد.

بدأ الأميركي، مؤخّرا، يتراجع بشكل تدريجي عن “تبنّي” عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الإسرائيلي، تارة عبر التنصّل من المسؤولية الأخلاقية بعد اقتحام مستشفى الشفاء، وتارة أخرى عبر الضغط لإدخال كمية من الوقود إلى القطاع.

أميركا “الخاسر الأكبر” تطمع أن يحقق الإسرائيلي أهدافه، لكن من دون إطالة أمد الحرب، وهذا أمر مستحيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى