سنُصلي في القدس (2)
الدكتور علي عز الدين | كاتب وباحث سياسي .
وحسن كان عمره ٧ سنوات وككل طفل ريفي مولع بالطيور كان يصمّد ما استطاع من ( خرجيته) و ( عيديته) ليشتري الحمام من ابو جهاد بائع الطيور المتجول والذي كان يأتي كل اسبوعين إلى القرية ويختار لحسن الحمام حسب الغلة التي مع حسن….
يتذكر ( الحاج فداء) طفولته وهو يكمن بالليل القاسي بسواده لطائرات العدو التي لم تبارح السماء طيلة فترة العدوان…لكنها هذه المرة تدعم انسحاب قوة عسكرية كانت علقت بكمين المجاهدين من ليل أمس ولم يتمكن العدو من سحب قواته ولا الجرحى ناهيك عن من وقع بالكمين..
طائرة مروحية تقترب تحاول انزال قوات الدعم والتدخل..يُجّهز الحاج صاروخ الكتف مضاد للطائرات ويبتسم ( علّق عليها اللايزر) وقبل الرمي يفصل الرادار عنها…
يتذكر كيف اغارت الطائرة على منزله الطفولي واستشهدت امه حين كان اباه بالعمل وهو كان في المدرسة…لم يستوعب ماحصل وهو الطفل الحالم الحنون البريء..يقول حين رجعنا من (الجبّانة) مررنا بكومة الركام التي كانت بيتنا …رأيت الحمام يحوم حولها كأنه يسأل عن ( الحاجّة أُمّي) والتي كانت تُطعمهم كما تطعمني….فيسرد ويشرد بلون كل حمامة وتفاصيلها كأن المشهد يمر أمامه…
تمر الدقائق ثقيلة عليه في مكمنه والإشتباكات قريبة منه لكنه لا يستطيع أن يتدخل لإن مهمته في الدفاع الجوي مختلفة تماما عن مهمات المشاة…
اقتربت المروحية مجدداً فخرج لها وسدد صاروخ الكتف مجدداً وبإبتسامة جديدة ( رجعت علـقتو عليها بس فصل) فعاد إلى مكمنه متحسرا…
ذات يوم وحين قرر ابي معاودة بناء المنزل وكنت قد بلغت خمسة عشرة عاماً..قلت له اول شي بدي روح فتش عن الحمام وبدي ارجع اعملهم بيت اكبر وبس يجي الطيران الإسرائيلي بدي إلشقو بالنقيفة)…
وحسن صار خبيراً بأنواع الحمام وطريقة طيرانها وشكل الأجنحة وكل ريشة كيف تنبت ومتى…وصار مرجعاً بالقرية والقرى المجاورة…
( كنت جمّع الريش واعملو مخدات ووديه عالمبرة القديمة عن روح امي..وكنت اخدلهم زغاليل للأيتام والعب معهم ..كمان انا يتيم الام اللي استشهدت مع الحمام الي كان بالبيت متلها) …
خرج حسن هذه المرة وسدد محموله ( ما نطرتو للسايب حتى يضوي وسفقتهي للطيارة)…
لم ينتظر جهاز التحديد ورمى متكلاً على الله قائلاً ( أن الله قد رمى)..
كتلة نارية كبيرة ودخان كثيف جداً ( عبّاها للسما فوقي وطوشني الصوت …ما شفت الا كركبة حديد وشقف ذكرتني بالحمامات لما قصفوهم كيف اتشقفوا) ..
انها سيعور ….سقطت فوق وديانننا و ضليت ناطر لإجو الطيرات التانية ..شالو ١٨ جثة هودي اللي عديتهم..لأنن صاروا يرموا قنابل دخانية حرقو الجلالي كلها حواليهم)…
لا ادري لماذا تذكر الحاج وقتها والدته وهي تقترب منه وتسلم عليه وتقبل رأسه حين اتته في المنام موصية له أن يرجع ليربي الحمام)…
وتذكر ايضا بيته الجديد كيف زاد فيه الحمام وكان كل ما اقتربت طائرات العدو لم يطير ولم يجفل ويبقى محدقاً فيها…كأن الحمام كان يعلم أن حسن سوف يسقطها حينما يكبر…
( قلتلن عالجهاز اذا عم تسمعوني أنا حسن الي قتلتو امو والي منعتو الحمام يطير فوق بيتو. أنا حسن الي منعت طيارتكن ترجع تجي فوق الارض…وانا ناطركم مع كل المجاهدين بالحرب الجاي لنوقع طيراتكم كلها متل الحمام..) ..
وعلي الفتى الآن على درب أبيه متباهياً بخوذة قبطان الطائرة التي اسقطها والده متوعدا من يقترب من ( قن الحمام)…
(شفتها كيف بتطير مش خايفين من حدن)…حسن الفتى الجنوبي