هـل ينجـح لودريان في إحياء «المبادرة» قـبل أن ينتهي الشوط ؟
ثريا عاصي | كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية .
الوزير الفرنسي في لبنان حيث صارت الدولة كومة أشلاء نتيجة تطورات متلاحقة بدءاً بخطة رسمت بمساعدة رسمية فرنسية في سنة 2004 ، تتوجت بالقرار الدولي 1559 الشهير، وانتهاء بإعلان الحرب على سورية، التي اضطلعت فيها الحكومات الفرنسية بدور بارز لا يختلف جوهرياً عما قامت به في ليبيا عام 2011، مرتجعاً أمام الذاكرة العربية العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956!
تجدر الإشارة أيضاً في هذا الصدد إلى البيان الرسمي الفرنسي الذي صدر مؤخراً، بينما كانت منظمة العفو الدولية تدق الناقوس منبهة إلى أن «حقوق الإنسان» تداس في مدينة القدس، جاء فيه أن الحكومة الفرنسية تؤكد أن دعمها ثابت لإسرائيل وأنها تعمل مع شركائها على تحقيق «حل الدولتين» وأنها تدين إطلاق القذائف من قطاع غزة على مناطق إسرائيلية مأهولة. لم يتناه إلى العلم أن الحكومة الفرنسية أدانت قرار ضم أراض في الضفة الغربية المحتلة بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية أو انها احتجت ضد فصل القطاع عن فلسطين وتطبيق قانون الغيتو على سكانه المليوني نسمة المحاصرين في مساحة لا تزيد عن 350 كلم مربع!
هذا غيض من فيض نستطيع من خلاله بانتظار أن تتوضح الأمور، أن نستشرف الأهداف المحتملة للمهمة التي حضر الوزير الفرنسي من أجلها إلى بيروت، أو بالأحرى إلى سفارة بلاده. إنها تتوزع على الأرجح بحسب ثلاثة محاور:
1 ـ المحور اللبناني: أغلب الظن ان وراء الإلحاح على تشكيل حكومة توجد الحاجة إلى كيان قادر على قبول إملاءات، الحكومة الفرنسية «وشركائها» والعمل بموجبها على الصعيد الدولي (كما جرى في 2004 والقرار 1559، مثلاً)، بالإضافة إلى تسهيل ترسيم الحدود البحرية تمهيداً للإنتقال إلى استغلال الثروة النفطية الموعودة، الأمر الذي يوفر ظروفاً أكثر ملاءمة لمعالجة الأزمة المالية.
2 ـ المحور السوري: من نافلة القول أن المسألة السورية تحظى باهتمام كبير «شركائها» من شأنه أن يرفع مكانة هذه الأخيرة بينهم وان يشجعهم بالتالي على إنجاحها في لبنان.
3 ـ المحور الثالث: عقدة الدول المغاربية عموماً والجزائر على وجه الخصوص، التي ترجع إليها سياسات الحكومات الفرنسية، إذا استثنينا فترة الحكم الديغولي، تجاه الشرق العربي ـ الإسلامي. لا يتسع المجال هنا للغوص في تفاصيل مسألة العلاقة بين الشرق والغرب، فأقتضب لأقول أن نسبة عالية من المستوطنين اليهود في إسرائيل من أصول عربية شمال إفريقية، وهم فئة سكانية كبيرة، يضمرون مشاعر خصومة ضد العرب والمسلمين، مثلهم مثل المستوطنين الفرنسيين (الذين يعرفون بذوي الأقدام السوداء) الذين غادروا الجزائر بعد التحرير، واستقروا في فرنسا.
مجمل القول أن خلاص اللبنانيين الذين آذتهم دولتهم التي كانت قبل انهيارها خاضعة لفرنسا وشركائها ولجشع الرأسماليين، لن يأتي من فرنسا ولن يتوصلوا الى نتيجة، لما للأذى الذي تعرضوا له، إلى تأسيس دولة بديلة بأنفسهم، فلا خيار أمامهم غير أن يتعلموا أساليب العيش دون دولة. هذا يتطلب بلا شك، مزيداً من التربية والرقي!!
يتم قراءة الآن