كارثة بحيرة “القرعون” والتوحش اللبناني .
غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد .
ما كشفته المعلومات والوقائع المتصلة بما حلّ من كارثة بيئية سممت بحيرة “القرعون” وقتلت عشرات أطنان السمك الغني بالعناصر الغذائية يؤكد المؤكد عن بشاعة التوحّش اللبناني وخطورة البربرية السائدة اجتماعيا وسياسيا على البلد واقتصاده الوطني وجميع مظاهر الحياة فيه.
أولا: عندما نضع السلطة السياسة ومؤسساتها في مقدمة المسؤولية عن هذه الكارثة وغيرها فلأنها الجهة التي تحمل المسؤوليات البديهية عن البلاد والناس ومن غير أن نعفي العبث الشعبوي وطبائع التفلّت “الداشرة” التي تحكم المزاج اللبناني الشائع من عقود في استباحة مرعبة لكل ما هو عام وبمزاجية فردانية بربرية، ربما تكون التعبير الوحيد عن فرادة مزعومة في خرافة التميز، الذي يصح في حالات مفردة ويندثر في حساب الجمع داخل حلقة خراب موصول.
هبات الطبيعة شكّلت علامة فارقة ميّزت لبنان خلال العقود الماضية، وكانت مصدرا لثروات طائلة وموردا هائلا تنعّمت به أجيال من اللبنانيين. فكل ما يتصل بمجد السياحة الصيفية والشتوية بني على فرادة البيئة والمناخ ومزايا جمالية ومعالم طبيعية نادرة المثال.
ثانيا: تقوم دول أجنبية وعربية عديدة بجهود جبارة، وترصد من ثرواتها الوطنية الكثير لتطويع الطبيعة، وهي تعمل بكل الوسائل لاكتساب بعض المزايا، التي يدمّرها هذا التوحش اللبناني البائس عمدا ويعرف أي من اللبنانيين، الذين سافروا إلى الخارج وعاشوا في بلدان أخرى، ما تمثله طبيعة بلدهم من تميّز قل نظيره في العالم، ومن غير أي مبالغة أو اجترار لما علكته خطب الترويج المستهلكة..
إن تخريب الطبيعة يرتبط بتوحّش النظام السياسي القاصر، الذي يَنظر قادته وسياسيوه إلى وزارة البيئة كمؤسسة هامشية وثانوية عند وضع الموازنات ورسم السياسات وتشكيل الحكومات، ونادرا ما يهتمّ بعضهم القليل بالمحميات الطبيعية وسبل الحفاظ على الثروة الطبيعية والحيوانية وتنميتها في مناطق نفوذهم وتمثيلهم الشعبي.
ثالثا: إننا ندعو لجعل ما حلّ ببحيرة القرعون وأسماكها مناسبة لأوسع نقاش وطني ممكن، لتحريك حملة شعبية وسياسية لحماية الطبيعة في لبنان انطلاقا من نقاش علمي لكيفية استرجاع حيوية الموارد المائية والحرشية والحيوانية في كل لبنان، وإنهاء مصادر الخطر الكبير، الذي يهدّد مظاهر الحياة في البلد بسياسات عامة منهجية لتنمية الثروات الطبيعية ومعالجة المشاكل التي تمثّل مصدرا للخراب، سواء معضلة الصرف الصحي أم النفايات الصلبة، وكفى بهذه الحصيلة بيانا عن تخلّف اللبنانيين أنهم الشعب الذي يتفاخر بكل مظاهر حياته وخصوصا أطعمته وتقاليد عيشه، بينما هو عاجز عن التخلص من فضلاته، التي تحوّلها شعوب أخرى إلى موارد لتنمية الطبيعة ومصادر للثروة، عبر تقنيات متعددة للفرز والمعالجة وإعادة التدوير أبدع البشر منها الكثير عندما أدركوا أهمية الطبيعة وهباتها وخيراتها.
القرعون بحيرة شهيدة وشاهد، يحفز عقولنا، وأسماكها المسمومة، التي أتلفنا أطنانها بأيدينا هي الدليل على أننا شعب متخلف قاصر ومتوحّش بجميع قواه وتياراته السياسية اللاهية بالتناحر على الفتات، بينما الثروة الحقيقية يهددها الخراب والتوحّش “الفرداني” الأعمى في بلد “الإشعاع والنور”.