صاروخ ديمونة السوري… حذاء السندريلا..
نارام سرجون | كاتب سوري
صرت أحسّ انّ حكاية سندريلا الجميلة التي تقوم بكلّ الأعمال وبكلّ مهارة لكنها مغيّبة بسبب خالتها التي تعطي كلّ الفرص لبناتها، صرت أحسّ أنها حكاية بلدنا.. فهذه الحكاية تشبه حكاية سورية الجميلة الحسناء المظلومة.. التي فعلت كلّ شيء وضحّت بكلّ شيء وخدمت كلّ العرب وكلّ الشرق بكلّ إخلاص وحب.. واستقبلت كلّ اللاجئين في هذا الشرق منذ مذبحة الأرمن الى مذبحة العراقيين مروراً بمذبحة الفلسطينيين وغيرهم.. ولكن العالم العربي والغربي يقدّمها على أنها ساحرة شريرة غامضة قذرة لا تجيد إلا الإرهاب وصنع الديكتاتوريات والقمع والمجازر في تدمر وتل الزعتر وحماة، وأنّ جيشها لم يقم إلا بقلع أظافر أطفال درعا في قصة ملفقة معروفة..
نحن دافعنا عن العرب جميعاً وحاربنا مع العرب جميعاً.. دافعنا عن مصر وقاتلنا معها.. منذ السويس وحتى 73.. ومع ذلك فإنّ إعلام مصر يتحدث عن كلّ حروب مصر وكأنّ سورية لم تكن معها.. يغيب جول جمال وكلّ الضباط السوريين تماماً عند الحديث عن معركة السويس.. ويكون دور سورية عام 67 في الكتابات المصرية الحالية أنها هي التي أوقعت مصر في الفخ وجلبت عليها الكارثة.. ويتحدث هذا التيار المصري عن العبور وكأنّ الجبهة السورية كانت ترفع شعار النأي بالنفس أو أنّ دورها كان مثل قطر والامارات وتركيا! ويتمّ تجاهل أنها حاربت منذ اللحظة الاولى كي تعطي للمصريين القدرة على العبور وهي تباغت «الإسرائيليين» في الشمال… ولا يظهر اسم سورية في الإعلام المصري في حكاية العبور الا عندما اضطر السادات – كما يزعم – لتطوير هجومه من أجل سورية فخسر النصر وحوصر الجيش الثالث.. ولذلك قرّر فجأة ان يتركها في المعركة ويصنع السلام! ويظهر دور سورية على أنها هي سبب فشل أهداف الحرب..
وسورية حاربت في لبنان الفتنة وضدّ كلّ الطوائف والأحزاب.. وقفت ضدّ المسلمين عندما حاولوا إيذاء المسيحيين.. ووقفت ضدّ المسيحيين عندما تنمّروا على المسلمين.. ووقفت ضدّ الفلسطينيين في لبنان عندما حاولوا الاعتداء على اللبنانيين.. ووقفت ضدّ اللبنانيين عندما تمادوا في الثأر من الفلسطينيين.. ووقفت ضدّ الشيعة وضدّ السنة وضدّ الدروز وضدّ المسيحيين عندما كان فيهم من يريد ان يخرج عن الولاء للبنان.. ومع ذلك خرج فريق من اللبنانيين الذين لا يذكرون من سورية إلا انها احتلال ووصاية وعدو يجب التآمر عليه.. وقالوا عنها ما لم يقل مالك في الخمر.. حتى انّ من يستمع للساسة اللبنانيين يظنّ انّ جيش سورية هو هولاكو او جيش جورج بوش في بغداد..
سورية وقفت مع فلسطين منذ وعد بلفور وحتى اللحظة.. باع العرب فلسطين وسلموا الأوراق وبصموا وختموا لـ «إسرائيل» ما يسمّى بوعد بلفور العربي.. وقرعوا معها الأنخاب وطبّعوا وصاروا عملاء.. وظلت سورية ضدّ «وعد بلفور» الانكليزي والعربي.. وقفت مع ياسر عرفات ضدّ الجميع من أجل فلسطين.. ووقفت مع الجميع ضدّ ياسر عرفات عندما صار يتيه خارج فلسطين.. وقفت مع حماس ضدّ أوسلو.. ووقفت ضدّ حماس عندما خرجت من فلسطين الى قطر واستانبول وسكرت بخمر الاخوان المسلمين ورقصات الدروشة العثمانية.. ومع ذلك لا يذكر البعض من كلّ هذا التاريخ الا قصة مشوّهة وملفّقة عن تل الزعتر.. وباقي كلّ شيء يُرمى في البحر والمحيط كالنفايات النووية..
وقفت سورية ضدّ إيران الشاه عندما كانت ضدّ العرب ووقفت معها عندما صارت مع فلسطين والعرب.. وقفت سورية مع العراق عندما كان يتطلع نحو الجبهة الغربية مع المشروع «الإسرائيلي» ووقفت ضدّه عندما تطلع نحو البوابة الشرقية لأنها ليست بوابة فلسطين.. ولكنها وقفت مع ذات العراق رغم كلّ جراحها من العراق عندما تعرّض للغزو الأميركي الصهيوني الاعرابي..
هذه السندريلا الجميلة الفدائية التي تكنس بيوت العرب وتنظفها وتمسحها من القذارات وتجعلها جميلة معطرة وتزرع ياسمينها في كلّ شرفات هذا البيت وفي الحديقة.. تطبخ الطعام وتطهو للجائعين من العرب وتحمي البيت من اللصوص.. وتلمع السيوف وتنظفها.. وتسقي أصائص الورد الاحمر في كلّ فجر.. وتطعم العرب كرامة نظيفة.. وتسقي المسلمين إيمانهم ليكون مذاقه من الجنة.. وترتدي الثياب الرثة والقديمة والممزقة من أجل أن يزهو العرب بحريرهم.. ومع هذا لا تزال خالتها المتمثلة بالأمتين العربية والإسلامية تقسو عليها وتريد ان تخفي جمالها ورشاقتها ومهارتها وروحها الرائعة وكياستها.. وتقدّم لنا هذه الخالة بناتها القبيحات الدميمات البدينات المترهّلات من كثرة الكسل والترف وقلة العمل على انهن مجاهدات مقاتلات وفاتنات راقصات لا يصلحن إلا للرقص في حفلات الأمراء.. وأنهنّ سليلات أمير مجاهد.. وهكذا استمات العرب من أجل ان ترقص تركيا وقطر رقصتهما مع أمير الحرب كي يتزوّجهما أمير الجهاد العظيم..
لم يتغيّر شيء.. على الإطلاق في حكاية السندريللا السورية.. التي ظلمت.. وأهملت ولفق عليها العرب والمسلمون كل الحكايات القذرة.. فهم لا يذكرون من فضل لها في فلسطين إلا حكاية تل الزعتر.. وفي لبنان حكاية الحريري وكمال جنبلاط.. وفي العراق لا يذكرون الا حكايات عن خلافها مع صدام حسين وتخلفها عن قادسيته الحمقاء.. ولا يذكر المسلمون من كلّ ما فعلته لهم ولشعوبهم الا قصة سجن تدمر وحماة بنسختهما الاخوانية الدعائية..
جميع العرب والمسلمين تركوها وحدها خمسين سنة وجهاً لوجه مع كلّ العالم كي تحرر الجولان ثم قالوا إنها لا تريد ان تحارب فهي لم تطلق طلقة واحدة على الجولان.. يريدونها ان تنظف البيت العربي وتزرع الورد وتطبخ للجياع واللاجئين العرب وأن تسهر الليل لتمنع اللصوص من سرقة البيت.. وكي تحمي شرفهم وعرضهم وهم يسهرون السهرات الخليعة في الخمارات وكازينوات القمار والسياسة.. ويتساءلون لم لاتحارب؟!
الصاروخ السوري هو حذاء السندريللا
ما لفت النظر انّ ما حدث للصاروخ السوري الذي سقط قرب ديمونة يعيد القصة ذاتها مع السندريللا.. فقد انقضّ العرب والمسلمون على الصاروخ الذي كان مثل حذاء السندريللا.. وجعلوا يحققون معه بعد هبوطه وتفجره.. البعض أخذ عيّنات من الأشلاء وفحصها على الفور.. وأكد انّ فحوض الـ (دي ان اي) تثبت إيرانيته.. مرة يقولون صاروخ طائش ومرة منزلق.. ومرة متزحلق.. ومرة تائه.. ومرة مجنون.. ومرة متهوّر.. ومرة منفلت.. ومرة انه دفاع جوي.. ولكنهم أجمعوا على انه صاروخ إيراني الصناعة والقرار.. وانّ ايران وقفت على ظهر سورية لتطلق النار على «إسرائيل» او تمترست خلفها واحتمت بجسدها.. ويصرّ العرب والمعارضون الإخوانيون والأردوغانيون على أنه انتقام لـ «نطنز».. واكتشف البعض انّ حذاء الصاروخ الذي وقع بعد منتصف الليل وهو يغادر قاعدته لم يناسب مقاسه إلا قدم إيران.. وبعض الشيء قدم روسيا.. وخلص البعض إلى انّ إيران تستعمل سورية قاعدة لها لإدارة حربها مع «إسرائيل».. أو انّ روسيا تدير حرب أوكرانيا من سورية.. وكأن سورية ضيفة على الحرب مع «إسرائيل» وليست روسيا أو إيران هما الضيفان.. فروسيا لم تصل الى سورية إلا في الستينات ثم غابت عقوداً ولم تعد إلا منذ ٥ سنوات.. وإيران وصلت الى الصراع مع «إسرائيل» عام 1979 بعد ان كانت سورية هي التي تدير الصراع لستين عاماً سبقت منذ عام 1917 اي بعد لحظات من توقيع بلفور الوعد بالحبر.. الذي لم يكد يجفّ حتى كانت سورية تعلن عداءها له.. ومن يومها وهي تدعو جميع الأحرار للحرب معها..
يعد صدمة صاروخ ديمونة حار العرب والمعارضون والأردوغانيون الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة على «إسرائيل» رغم أنهم ملأوا الشرق الاوسط ومحيط «إسرائيل» بالرصاص من أفغانستان الى الجزائر ولم تمرّ رصاصة طائشة بـ «إسرائيل» من بين مئات مليارات الرصاصات وكأن «إسرائيل» ترتدي قبة حديدية ضدّ رصاص العرب والإسلاميين وضدّ صواريخهم التي تجنّبتها ولم تسقط الا على سورية والعراق واليمن ولبنان وليبيا..
حيرة العرب كبيرة منذ إسقاط طائرة «أف 16».. وزادت أكثر بصاروخ ديمونة.. فقد سقطت مقولة انّ سورية لا تحارب ولا تردّ ولا تريد ان تحارب وهي تقتل شعبها فقط وجيشها لا يتمرجل إلا على أطفال درعا وأظافرهم.. وهي لا تصلح إلا ليمسح العرب قذاراتهم بثوبها الأبيض.. وتركت هذه السندريلا الرائعة لكنس قمامات العرب ولملمة قوارير النبيذ وأعقاب السجائر وغسل الأطباق وتنظيف ما بعد حفلات التطبيع وغسل ثياب الزنا والحفلات القاصفة الماجنة للعرب والمسلمين مع الناتو و»إسرائيل»..
ولكن بعد الصدمة صار القول يركز على انّ ما يحدث هو انّ الحرب الإيرانية «الإسرائيلية» تشتعل على الأرض السورية.. فـ «إسرائيل» لا تقصف السوريين بل قواعد إيرانية.. وإيران لا تسأل السوريين ولا تستشيرهم بل تفرض عليهم حربها وتطلق صواريخها من سورية على «إسرائيل» دون ان تستأذن السوريين.. رغم انّ إيران قصفت عين الأسد من إيران وليس من سورية عندما احتاجت لتنتقم سابقاً وكان يناسبها أكثر ان تقصف عين الأسد من سورية.. وهي الآن لكي تنتقم لـ «نطنز» لا يليق بها ان تنتقم إلا بصواريخ تنطلق من أرض «نطنز» ولا يليق بها ان تتخفى خلف الأرض السورية وتتمترس باسم سورية.. والغريب انّ بعض المعارضين جعلوا يتباكون ويبدون خشيتهم من مغامرات الأسد على الشعب السوري كما يقولون.. فهو يريد أن يأخذ السوريين الى حرب مع «إسرائيل».. ولم نعد ندري ماذا يرضي هؤلاء.. إذا لم نحارب قالوا إننا لا نريد الحرب وانْ حاربنا قالوا اننا نريد ان نورّط السوريين بالحرب.. انهم من قال فيهم علي بن ابي طالب: في الصيف حر وفي الشتاء قر وأنتم من السيف أفرّ..
ميديا البلد
الحقيقة هذه الحرب الاعلامية على الصاروخ السوري ونسبه الى إيران وسياسة إيران وثارات إيران وقرارات إيران ينطوي على رغبة «إسرائيلية» في إضفاء لون جديد على صراعنا معها على انه الصراع الإيراني ـ «الإسرائيلي» او الفارسي ـ «الإسرائيلي».. فهو لا يخص العرب ولا يخص المسلمين.. بل صار فارسياً شيعياً «إسرائيليا».. وهذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. بل انّ إيران تستخدمنا في حربها ضدّ «إسرائيل» وهي تفاوض أميريكا على الملف النووي.. وتريد «إسرائيل» أن تقنع السوريين والعرب عموماً انّ إيران تورّط شعوب الشرق في حروبها ومعاركها..
ولكن اللافت أنها تريد ان تنشر فكرة انّ الحرب عليها هي قرار خاطئ وسيجلب الدمار للسوريين (ضيوف إيران في سورية!) إلا انّ الخوف واضح في هذا التحذير في انه ليس على السوريين بل الخوف على «الإسرائيليين» من الحرب المرعبة القادمة من الشمال.. فالقنابل النووية «الإسرائيلية» هي التي ستتفجر فيها اذا تحامقت «إسرائيل» ضدّ كلّ محور المقاومة الذي صنعته سورية.. فلولا قرار سورية باستضافة إيران في سورية ولبنان فإن إيران لا تأثير لها في الصراع مع «إسرائيل»..
فالصاروخ السوري وصل الى النقب وأراد بالرحلة أن يقول لـ «الإسرائيليين» إنكم في بيت هش.. وانّ استسهال الحرب وهم كبير زرعه البعض من انّ سورية ضعفت بعد طعنها من قبل الأتراك والعرب.. وليتذكر كلّ «إسرائيلي» واهم انّ السوريين لن يلعبوا الغميضة اذا وقعت الحرب.. التي ستكون كارثة على «إسرائيل»..
صاروخ ديمونة ليس سندريلا.. بل حذاؤها.. لكن حذاءها يستحق التقبيل.. فهو حذاء الجيش السوري.. ايّ البوط العسكري السوري.. الذي سندقّ به على أبواب التطبيع والخيانات والمشاريع التركية و»الإسرائيلية»..
ولا شك انّ حذاء سندريللا الشرق التي يريد البعض إخفاء جمالها وإبعادها عن حفلات سياسة العالم.. يستحقّ ان يكون فوق رؤوس بائعي الخمور والحشاشين والجبناء والعملاء.. والخونة من عرب وأتراك..
وإذا رقصت السندريللا.. فسيلهث كلّ الأمراء لتقبيل حذائها.. خاصة إذا كانت أحذيتها.. صواريخ…