هل يتجرأ الملك…؟
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
يا للمرؤة التي دبت في رؤوس العرب! كلهم ضنينون بالبلاط الهاشمي، وكلهم ضنينون بالأمن في المملكة التي لم تتحول الى غرفة عمليات (وهذا هو دورها التاريخي) في تدمير سوريا، وفي تفكيك سوريا، خدمة لمن هب ودب…
حتى عندنا في لبنان، وحيث الصراع فوق هياكلنا العظمية حول الحقائب، وحول الصلاحيات، وحيث الخراب يحدق بنا من كل حدب وصوب، استيقظت المرؤة لدى أولياء الأمر، ورأوا في استقرار الأردن حجر الزاوية في استقرار المنطقة، وقبل سوريا، وقبل العراق، وقبل اليمن، في هذه المنطقة التي يحكمها آلهة النار…
على من يضحك العرب؟ وعلى من يضحك الأميركيون؟ كيف لنا أن نصدق أن باسم عوض الله، بأدواره القميئة، يمكن أن يفكر بازاحة عبدالله بن الحسين والاتيان بأخيه حمزة بن الحسين، دون ايعاز من دولة ما؟
هذا دون أن نجهل، أو أن نتجاهل، أن المملكة فردوس مشرع الأبواب لأصحاب العيون الزجاجية، ومن كافة الأشكال والأنواع، دون أن يفارق الاسرائيليين هاجس تحويل الأردن الى الدولة البديلة، تبعاً لمشروع ييغال آلون الذي طالما راود جاريد كوشنر لدى وضع السيناريوات الخاصة بصفقة القرن.
كان هناك توقيت لزعزعة، وربما لتغيير، الوضع. من السذاجة بمكان أن نتحدث، كما أيمن الصفدي، عن دور للمعارضــة الخارجية، المجــهرية، والمبعثرة. لماذا لم يتحـــدث وزير الخارجية عن الأجهزة الخارجية؟
أي جهة «عادية» يمكن أن تتصل، في تلك اللحظات الحرجة، بزوجــة الأمير المتمرد، وتعرض عليها ارسال طائرة لنقل العائلة الى دولة أخرى بعدما انكشف أمر الخطة اذا لم تكن تلك الجهة جهازاً مؤثراً على البلاط، ويمكن أن يبعث بالطائرة ويلفلف المسألة؟
الأمير حمزة الذي اخترق العشائر، بشكواها من استشراء الفساد، ومن تردي الأوضاع المعيشية، رفض الرحيل لاعتقاده أن اعتقاله لا يمكن الا أن يحدث هزة داخل العائلة، كما داخل الدولة، ولأنه يريد تحويل محاكمته الى محاكمة لأهل السلطة بدءًا من رأس الهرم.
ثم أليس من البديهي التساؤل عن هوية الجهة التي بامكانهــا تمويل أي عملية بتلك الحساسية، وسواء توخت التفحير الداخلي أم الانقضاض على العرش، بعدما كان الأمير حمزة قد أزيح عن ولاية العهد ليعهد بها الى نجل الملك بذريعة النص الدستوري؟
اذا عرفت الدولة التي تمسك عن بعد بخيوط اللعبة، والتي قد تكون سقطت، مرة أخرى، في صياغة السيناريوات المرتجلة، هل يتجرأ الملك على أن يوجه اليها، ولو مواربة، اصابع الاتهام، أم يأمر بدفن المسألة في الدهاليز، بالطريقة الشكسبيرية اياها التي تشكل الأداة الفلسفية للعديد من الأنظمة العربية؟
اللافت أن ثمة مسؤولين أردنيين سابقين ظهروا بكثافة على الشاشات، وهم من جماعة البلاط، ليوحوا بأن بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من مأزق قضائي، وأيضاً من مأزق سياسي في ظل النتائج الأخيرة لانتخابات الكنيست، هو من يقف وراء العملية.
السبب الكاريكاتوري لذلك الكلام ليس موقف عبدالله الذي عارض صفقة القرن، وكان يفترض أن تنتهي بتتويج زعيم الليكود ملكاً على الــشرق الأوسط، وانما رفــض الملك الاجازة لهذا الأخير العبور في الأجواء الأردنية ما أدى الى النتائج الضبابية لانتخابات الكنيست.
الــسؤال ـ اللغز يبــقى لمــاذا ازاحــة المــلك أو زعزعــة (وتغيير) الوضع الداخلي، اذا لم يكن في رأس دولة خــارجية مشروعاً جيوسياسياً ينعكس على الاحتمالات التي تدق على كل الأبواب في المنطقة؟
الدولة اياها التي ترى الأمور من منخار ولي الأمر، لا المنخار الذي يستشف البعيد. ما بعد البعيد..