بنو سعود: الانتصار المستحيل .
ايهاب زكي | كاتب وباحث فلسطيني في الشؤون السياسية .
قال نابليون بونابرت “لا مستحيل تحت الشمس”، لكنه لم يعش زمن العدوان السعودي على اليمن، حيث تجسد المستحيل حقيقة تحت الشمس، والذي سيظل مستحيلاً للأبد، وهو استحالة انتصار آل سعود في اليمن، بينما الانتصار اليمني ليس مجرد هزيمةٍ عسكرية وسياسية وأخلاقية لآل سعود وحسب، بل هو صفعة على وجه الإمبراطورية البريطانية البائدة، التي عبثت بالجغرافيا والوعي، فاختلقت آل سعود واخترعت السعودية. كما أنّها صفعة للإمبراطورية الوريثة أمريكا، التي حاولت تكريس العبث الانجليزي بجغرافيتنا ووعينا. فالمقاتل اليمني حينما انتفض للدفاع عن وطنه وشعبه وسيادته، كان يختزل موت إمبراطوريات واحتضار أخرى، وكان يدرك أنّ آل سعود هم القناع الأخير على وجه الامبراطوريات العابثة، فلم يكونوا يوماً أصحاب رأي أو أرباب رؤية. وهزيمتهم في اليمن التي أصبحت محققة متحققة، قد لا تؤدي لاستغناء الولايات المتحدة عن خدماتهم حتى الآن، خصوصاً أنّ وظيفتهم مرتبطة بالتخديم على الوجود “الإسرائيلي”، لكن العناد الأمريكي واللامبالاة بالألم السعودي، واللذين يتم تقديمهما في إطار المراوغة السياسية، قد يكونان بدايةً حقيقية للاستغناء والاستبدال، إنما الوقت لا يعمل في صالح مخططات بعيدة المدى كالاستبدال، فهو لا يسعف.
أعاد آل سعود كسوة المبادرة الأمريكية لوقف العدوان على اليمن بكساءٍ عربي، فخرجت ما تسمى بالمبادرة السعودية بلغة الضاد، وقاموا بتقديمها في إطارٍ حياديٍ مفتعل، وكأنّ السعودية ليست طرفاً معتدياً، وهي سبب المشكلة لا وسيلة الحل. وتبدو هذه المبادرة تمهيدا أمريكيا لفتح خطوط التفاوض مع صنعاء، وهي تلحظ تذاكياً أمريكياً من خلال تسليط الضوء على الواقع الإنساني المنكوب في اليمن، كما تلحظ محاولةً أمريكية لإخراج آل سعود من الهزيمة بماء الوجه، حيث لا زالت “إسرائيل” بحاجة للخدمات السعودية في سبيل البقاء. لكن التجاهل اليمني والرفض الكلي لهذه اللعبة المكشوفة، والإصرار على الموقف الثابت بضرورة وقف العدوان ورفع الحصار، خصوصاً فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة دون قيدٍ أو شرط، جعل المبعوث الأمريكي لليمن يتراجع خطوة، حيث أكد على “ضرورة حماية الممرات المائية”، وهذا التصريح الذي يتعامل معه الإعلام السعودي باعتباره انتصاراً أمريكياً ودولياً لآل سعود، هو في الحقيقة مجرد خطوة أمريكية تراجعية، وقد يكون بدايةً لوقف العدوان فعلياً، حيث يشكّل هذا التصريح يأساً أمريكياً من إمكانية إحداث أيّ خرقٍ ميداني، يخفف من وطأة تصميم وإصرار صنعاء.
وهذا ما لا يفهمه بعض المحللين السعوديين أو الآكلين على موائدهم، فتسمع منهم عجاباً، حيث يطالبون مثلاً بأخذ ما تسمى بالمبادرة السعودية إلى مجلس الأمن، ووضعها تحت الفصل السابع، وهذا تجسيدٌ حقيقيٌّ لثلاثيّ البؤس، سذاجة التفكير ووقاحة التعبير وعجز الفعل، وهذا البؤس التحليلي ينسحب على الرسميين في حكومة هادي، فهي الحكومة التي لا يخلو بيان لها من اسم إيران، ولا تخلو إشارة لها لحكومة صنعاء من تتبيعٍ لإيران، وأنها ذراع إيرانية وتعمل للمصالح الإيرانية بعيداً عن مصالح اليمن وشعب اليمن. يقول رئيس قطاع الإعلام فيما يسمى بـ”الجيش الوطني” العقيد يحيى الحاتمي، التابع لحكومة هادي “لن نسمح بخميني (الإمام الخميني) آخر في صنعاء طالما معنا الملك سلمان حفظه الله”. ولا أعرف هل اسم الإمام الخميني (قدس) هنا خطأ تعبيري أو جهل أو أنّه مقصود، ولكن هذا ما قاله حرفياً، فهو في اللحظة التي يتهم فيها حكومة صنعاء بأنها ذراعٌ إيرانية، يعترف بصريح القول أنّه مجرد أداةٍ في يد سلمان. وعلى مدى سنوات الحرب الست، لم أسمع أحداً من مسؤولي صنعاء قال “لن نسمح بسلمان آخر في صنعاء طالما لدينا الإمام الخامنئي”، فهذه الحكومة التي باعت اليمن وطناً وشعباً لآل سعود، مقابل أن يسمح لهم آل سعود بالإقامة في فنادق الرياض وشتم إيران ليل نهار في أشد السرديات بؤساً لأسباب الحرب ودوافعها، لم يعد لديها من فعاليةٍ إلّا كورقة تفاوضية في يد بن سلمان.
يقول سفير أمريكي سابق إنّ “الحوثيين يشعرون بأنّهم انتصروا في الحرب، لذلك فإنّه ليس من السهل على السعودية إغواؤهم ببعض الانفراجات أو التنازلات”. إنّ هذا النصر ليس مجرد شعور، بل حقيقة ماثلة، وهو النصر الذي فاجأ المعتدين قبل مفاجأته للعالم، حيث لم يدر في خلد الولايات المتحدة أنّها ستعجز أمام بلدٍ منهكٍ وشعبٍ فقير، وأنّ ابن سلمان حين تبجح بالأسابيع المعدودة لحسم الحرب، كان مجرد صدىً للعقلية الأمريكية التي دفعته للتورط والاستنزاف في اليمن، فحين جاءت الولايات المتحدة الى اليمن بضباطها وأسلحتها واستخباراتها، وضباط بريطانيا وخبراتها وأسلحتها، وضباط “إسرائيل” واستخباراتها، وجيّشت مرتزقة السودان والسنغال وغيرهما، ومرتزقة بلاك ووتر ومرتزقة محليين، تحت مسمى “التحالف العربي”، لم يكن يخطر في بالها أنّ اليمن بعد ست سنوات من الحرب سيكون تهديداً فعلياً للنفوذ الأمريكي والأدوات الأمريكية، بل كان المتوقع بعد ستة أسابيع من بدء العدوان أن يصبح باب المندب باباً لـ”تل أبيب” بل يصبح البحر الأحمر بحيرة “إسرائيلية”، وترفرف الأعلام “الإسرائيلية” في صنعاء، ولكن بعد ست سنوات ترفرف أعلام فلسطين في صنعاء، ويأتي المبعوث الأمريكي منكس الرأس إلى عُمان، ليستجدي صنعاء قبول وقف النار. لكن صنعاء تأبى إلّا صدّ النار بالنار، وتأنف انتصاراتٍ تمر عبر مظلةٍ أمريكية، وماء وجه آل سعود معلقٌ في هاتف بايدن، أن يرفع سماعته على قصر اليمامة، ويأمر بوقف العدوان ورفع الحصار، فيتوقف استهداف نفط أمريكا وهيبتها على الأراضي الحجازية.
العهد