الحزب في عقدين من تاريخ لبنان الحديث .
لينا وَهب | كاتبة وباحثة لبنانية.
لا يخفى على أي لبناني أسباب الأزمة الاقتصادية والمعيشية والسياسية التي يمرّ بها لبنان اليوم، إلا أنه ما يغفل عن ذكره بعض الناس، بأن الحزب لم يخيب ظن مناصريه وبيئته الحاضنة يوماً، وكان دوماً على قدر المسؤولية في إنقاذ لبنان بعدة محطات تاريخية. وللتاريخ والأجيال القادمة لا بدّ من التذكير بالمراحل الصعبة التي مرّ بها لبنان والتي كانت فيها دائما المقاومة اللبنانية المتمثلة بالحزب حاضرة لتسطير الانتصارات وحماية سيادة واستقلال لبنان. فكان تحرير لبنان وحمايته من العدو الإسرائيلي، والعصابات التكفيرية كداعش وأخواتها. وهذا ما وثقه الإعلام إثر دخول الحزب المعارك في سوريا وتأهب مجاهديه على الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا ومنها جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك لمواجهة داعش وبمؤازرة مع الجيش اللبناني والسوري.
لا يمكن التنصل من حقيقة مساهمة ح ز ب الله في رسم هوية لبنان الحرّ السيد المستقل، حيث أنهم رفضوا الانصياع للاحتلال وكان اصرارهم على الجهاد وبذل الغالي والنفيس سبباً في تحرير الأراضي عام 2000 وإعادة الكرامة وفرض معادلة توازن الرعب، ولا سيما عقب العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في حرب تموز عام 2006 وما تبع ذلك من إعادة الإعمار والتعويض على المتضررين بميزانيات ضخمة، دون انتظار الدولة، بهدف حفظ كرامة الشعب. كما لم يتخلوا عن أي أسير من أسرى المقاومة، فتم تحرير الشهيد سمير القنطار عميد الأسرى وعدد كبير من الأسرى عام 2008.
وفي محطة تاريخية مفصلية، ازداد لبنان عزاً وفخرًا بعد الانتصار على داعش عام 2017 حيث كان لمجاهدي ح ز ب الله مساهمة أساسية في تحقيق النصر، الأمر الذي أسقط كل المؤامرات التي كانت تحاك لإخضاع اللبنانيين عسكرياً.
فعلى مدى عقدين لم يتوانَ حزب الله عن تقديم التضحيات سواء أكان في الأرواح حيث قدموا عدد كبير من الشهداء على مذبح الوطن والعقيدة والحرية والكرامة، أو في الماديات التي كانت على حساب التقشف من جيوب مجاهدي تنظيمهم الحزبي في سبيل دعم القضايا الوطنية والإنسانية. إضافةً إلى حشد المساعدات الممكنة من إيران وسوريا والأصدقاء، مما أثار استفزاز من يريدون السيطرة على مقدرات لبنان وموقعه الاستراتيجي وقراره السياسي، فكان الحزب العقبة الكبرى أمام شر مطامعهم.
ومن دون علوّ أو غرور أو استكبار أو ادعاءات مزيفة، رصد الإعلام دعمهم للديمقراطية والقضايا الإنسانية، على خلاف أميركا التي يشهد لها التاريخ استكبارها واستبدادها باجتياح دول العالم بحجة الإنسانية والديمقراطية من أجل نهب الثروات والخيرات وتحقيق مطامع وغايات غير نظيفة، فأين الثّرى من الثريَّا.
واليوم كما يعلم الجميع لبنان يعيش حرب باردة وناعمة ولكنها تكاد تكون الأشد من نوعها حيث أنها لا تستثني أي فئة من فئات الشعب اللبناني، سواء كانوا من البيئة الحاضنة للمقاومة أو محايدين.
وفي هذا السياق، يشغل الحزب ليلاً نهاراً وضع الخطط والبرامج والمشاريع للانتصار في هذه المعركة الجديدة، مثل إطلاق مشاريع استشفائية وتموينية لإغاثة الناس لمواجهة احتكار التجار وفساد الدولة الذي ساهم بشكل أساسي في انهيار الاقتصاد وسعر صرف الليرة.
على المقلب الآخر كثير من الناس يضعون ثقتهم بحزب الله، فيتوجه بعضٌ منهم على صفحات التواصل الاجتماعي لحزب الله، بنقل شكواهم وأوجاعهم أحياناً، ليس لتحميل الحزب عاتق معركة لا علاقة له بها وفرضت على المجتمع لبناني ككل، وإنما ثقةً منهم بأن حزب الله أهلٌ للانتصار بهذه الحرب وإنقاذ كل اللبنانيين من الجوع والعوز والذل والتدويل. فليس من شك بأنه أصبح معروفاً للجميع بأن سبب الأزمة الاقتصادية اليوم تعود إلى سببين أولاهما فساد حاكمية المصرف والسلطة ومرافق الدولة، وثانيهما الحصار المفروض بأوامر أمريكية وتوابع ما أفرزته الحروب والتوترات في منطقة الشرق الأوسط.
فلا شك بأن ح ز ب الله لطالما تميز بحسن التنظيم وإدارة الأزمات والنظرة الثاقبة في استشراف المستقبل، حيث يحذر من الأخطار المحدّقة والداهمة، ويبشر بالانتصارات الحتمية وهذا ما أكدّه الأمين العام ل ح ز ب الله حين قال “ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات”، كما في كل خطاب له ولا سيما خطاب البارحة حيث وضع النقط على الحروف في تحميل المسؤوليات لصناع القرار.
أمّا بما يخص الملف الاجتماعي والمعيشي، لا شك بأن أحلام وطموحات وتطلعات اللبناني أكبر من تأمين رغيف خبز وشربة حليب لأطفاله، وليست بأصغر من العيش بعرق الجبين دون منةٍ من عباد الله، حيث ما من عبدٍ إلا و ينطبق عليه مصطلح الأشد فقرًا مصداق الآية الكريمة (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) القصص/23، 24، ولذلك أعتقد بأن الحزب يدرك بأن المساعدات الاجتماعية هي حل آني (حتى إشعار آخر) ولا بد أن تترافق مع مجموعة من الإصلاحات بتكاتف جميع اللبنانيين وليس الحزب فقط، وهذا ما يرنو إليه الحزب في الأيام القادمة.