هل ستحمي منظومة الـ إس – 300 سوريا؟
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية .
كُتبت هذه المقالة بتاريخ 1 تشرين الأول 2018 وأُعيد نشرها للأهميّة .
جاء القرار الروسي تزويد سوريا بمنظومة الـ إس -300 خلال ظروف شديدة التعقيد على المستويين السياسي والعسكري، ولا يبدو أنّ القرار مجرّد ردّة فعل على حدثٍ بعينه وهو سقوط طائرة إيل -20 روسية بصواريخ سوريّة في سياق فخّ “إسرائيلي” مُحكَم على ما يبدو، وليس مجرّد خطأ تقني عابِر وهو ما اعتبرته موسكو خطيئة مُضافة إلى مجموعة من الخطايا السابقة تجاوز فيها الصهاينة مصالح روسيا وهيبتها، ليشكّل سقوط الطائرة إيل – 20 إهانة في صميم كرامة وهيبة روسيا وجيشها، بحيث كان واضحاً أن روسيا لا يمكنها تجاوز هذه الخطيئة من دون ردٍّ على مستوى الحدَث.
كما أنّ القرار الروسي جاء ضمن مرحلة من أسوأ مراحل العلاقات بين روسيا وأميركا منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فكل من أميركا وروسيا يعيشان أوضاعاً داخلية معقدّة، حيث تفقد أميركا زعامتها للعالم ما يدفع بالإدارة الأميركية إلى استخدام الطاقة القصوى لتثبيت هيبة دخلت مرحلة التراجع، في حين أنّ روسيا يمكن أن تدخل مرحلة أكثر تعقيداً على المستوى الاقتصادي، ما يدفع الرئيس بوتين وإدارته إلى إظهار أعلى مستوى من الثبات بمواجهة الضغوط الأميركية لتثبيت حال الصعود نحو ترسيخ معالم الدولة العُظمى والانتقال إلى مرحلة الدولة القطبية.
وكل من الدولتين تتصرّف في هذه المرحلة بحذرٍ شديدٍ كي لا تذهب الأمور إلى مستوى المواجهة المباشرة، وهذا أحد الأسباب التي دفعت روسيا بعد دخولها على خطّ الحرب بالبُعد العسكري في سوريا إلى التصرّف بتوازنٍ بما يرتبط بالعلاقة مع “إسرائيل” من خلال عقد بروتوكولات متعلّقة بحركة الطيران تحاشياً للاصطدام، وهو ما التزمت به روسيا بنسبة عالية بينما لم تلتزم “إسرائيل” إلا بنسبة مُنخفضة، ما هدّد العلاقة أكثر من مرّة إلى أن حصلت حادثة سقوط طائرة إيل -20 التي كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير.
بالنظر إلى طبيعة المراحل السابقة والتي سعت فيها “إسرائيل” إلى تثبيت قواعد اشتباك لمصلحتها بعد إسقاط الدفاعات الجويّة السورية لطائرة أف – 16 “إسرائيلية”، وبعد عملية ربط الحدود السورية – العراقية التي يعتبرها قادة الكيان الصهيوني كَسْراً لميزان القوى بما يرتبط بالصراع في بُعديه الموضعي والشامل، وهو ما يُفسّر العمليات المُتكرّرة لسلاح الجو الصهيوني بذريعة استهداف القواعد الإيرانية، في حين أن المواقع المُستهدَفة هي مراكز البحوث العلمية لمنع سوريا من إعادة بناء قدراتها العلمية، وخصوصاً تطوير وصناعة الصواريخ بعيدة المدى التي تشكّل بالنسبة للكيان مصدر قلق وذعر بعد تجارب سابقة خلال اعتداءات “إسرائيل” على لبنان وغزّة، حيث أثبتت الصواريخ أنها سلاح رادِع في المواجهات المحدودة وكاسِر للتوازن في المواجهات الشاملة.
أهمية القرار الروسي في البُعد السياسي تتجاوز الأهمية التقنية لمنظومة الـ إس –300 فالسلوك الروسي السابق تجاه الاعتداءات الصهيونية المُتكرّرة كان في الحدّ الأدنى حيادياً، حيث كانت قنوات الاتصال الروسية – “الإسرائيلية” المشتركة تعمل على تجنّب الاحتكاك من خلال إبلاغ الصهاينة للروس بعمليّاتهم قبل وقتٍ مُحدَّدٍ لم تلتزم القيادة الصهيونية حذافيره، وكانت تتجاوز المعايير المُحدّدة بما يرتبط بزمن التبليغ عن العمليات داخل سوريا، ما يعكس عدم ثقة الصهاينة بالروس خشية إبلاغهم الدفاعات الجوّية السوريّة بالعمليات، ما يؤدّي إلى رفع مستوى الجهوزية لتحسين قدرات وأداء المنظومات السورية، حيث يشكّل عامل الوقت أحد العوامل الرئيسة لقواعد الاشتباك.
حتى ما قبل القرار الروسي بتزويد الدفاعات الجوّية السوريّة بمنظومة الـ إس -300 ساد شعور شعبي عارِم بتواطؤ روسي مع “الإسرائيليين” وهو شعور طبيعي يتجاوز تعقيدات المصالح وتشابكاتها.
في البُعد التقني لا يجوز النظر إلى منظومة الـ إس -300 بـأنها السلاح الذي سيحسم المواجهة مع الكيان الصهيوني ويؤدّي إلى منع الاعتداءات كليّاً، وهو أمر لا يتماشى مع الرغبات الشعبية بالطبع، ولكنه مفهوم لدى الاختصاصيين الذين يعرفون أن الـ إس – 300 ستُحسّن من شروط الاشتباك مع القوات الجوّية الصهيونية بما يخفّض نسبة المخاطر والتهديدات إلى الحدود الدنيا ، ولكنه لن يمنعها ، فخلال المرحلة السابقة من الاعتداءات المُتكرّرة سواء الأميركية – الغربية أو الصهيونية استطاعت شبكة الدفاع الجوّي السوريّة أن تسقط ما نسبته 70% من الصواريخ المُعادية، ما يعني أن وجود الـ إس – 300 بحوزة سوريا سيرفع نسبة إسقاط الصواريخ إلى 85% ولا يؤثّر في الطائرات الصهيونية في ظروف المعركة الموضعية، حيث امتنعت طائرات سلاح الجو الصهيوني من الاقتراب من المجال الجوي السوري بعد إسقاط الـ أف -16 الصهيونية رغم أن الـ إس – 300 التي ستعمل مع المنظومات الأخرى كالـ”تور – أم” و الـ”بوك أم 2″ و”بانتسير إس1″ ومنظومات أخرى كال”إس 200 ” و”بيتشورا” ستشكّل درعاً واقياً بنسبة عالية، خصوصاً أن القرار الروسي لا يقتصر على الصواريخ بل وصل حد تزويد سوريا بمنظومة التحكّم الآلية، والتي ستزيد من فاعلية القيادة والسيطرة والتعرّف على الطائرات الروسية في الأجواء في ظروف الاشتباك الموضعي والشامل، إضافة إلى إغلاق منطقة الساحل السوري بمنظومة التشويش الكهرومغناطيسي الروسية التي ستشلّ حركة اتصالات الطائرات والأقمار الصناعية المعادية، ما سيساعد في حصر اتجاهات الطائرات الصهيونية التي ستلجأ بالتأكيد إلى استخدام المجالين الجوّيين الأردني والعراقي إضافة إلى المجال الجوي اللبناني.
في ظروف المعركة الشاملة سيكون بمقدور الـ إس – 300 إسقاط الطائرات الصهيونية فوق المجال الجوّي لفلسطين المحتلة، وخصوصاً في المناطق الوسطى والشمالية حيث لا تزيد المسافة بين قواعد إطلاق الـ إس – 300 في محيط العاصمة دمشق حتى المجال الجوّي الفلسطيني الأوسط والشمالي عن الـ 200 كلم، وهو المدى الفعّال للمنظومة، في حين أن المنظومة ستكون قادرة على استهداف الطائرات المُعادية حتى مشارف العاصمة الأردنية في حال تمّت الاعتداءات من الأراضي الأردنية، ويبقى المجال الجوّي اللبناني الخاصِرة الرخوة التي يمكن للطائرات الصهيونية أن تتفوّق من خلاله على المنظومات السورية بسبب قصر المسافة بين الساحل اللبناني ، حيث تكون الطائرات الصهيونية خارج نطاق التغطية الرادارية للمنظومات بسبب وجود السلسلتين الغربية والشرقية من جبال لبنان، إلا إذا زوّدت روسيا سوريا بطائرات إنذار مِبكّر أو تم استخدام طائرات روسية مرتبطة بمنظومة القيادة والسيطرة السورية، حيث يمكن حينها تجاوز المشكلة التقنية المرتبطة بقصْر المسافة والتضاريس.
في المُحصّلة يبقى عدد كتائب الـ إس – 300 التي ستصل إلى سوريا ونوعيّتها عاملين أساسيين في مستوى الفاعلية المرتبطة بتأمين الحماية للمدن والمنشآت السورية، ولكنها في كل الأحوال إضافة نوعية لايمكن الإستهانة بها.