هل يمتلك المهرجون أسلحة نووية؟
ايهاب زكي | باحث فلسطيني في الشؤون السياسية .
هناك أشياء تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى، كانبعاث رائحة عفونة من برعم ورد مثلاً، وقد تظل في حالة استعصاءٍ على التفسير المنطقي أو التفكيك العلمي، دون الوصول إلى نتائج واضحة. وهذا يحدث في السياسة أحياناً. ويعتقد البعض أنّ التحليل السياسي أو الموقف السياسي حلبة لمصارعة الثيران، ودخولها يجيز له الشطط الدائم والخبال أحياناً، كما فعل البعض حين قام بتوجيه الاتهام لحزب الله في حادثة مقتل لقمان سليم مثلاً، ثمّ أقرّوا بأنّ توجيههم الاتهام إنما هو اتهام سياسي، لا يستند إلى أية أدلة أو قرائن أو حتى منطق.
وهؤلاء الساسة موجودون في كل مكان وليس في وطننا العربي فقط، فهذا نتن ياهو مثلاً والذي وصفه الإمام السيد علي خامنئي بالمهرج، يُعتبر مثالاً واضحاً على السياسي النتن، ولكن وصفه بالمهرج من قبل أعلى سلطة سياسية وأخلاقية في إيران، لم يمرّ في خاطري باعتباره جزءًا من “التراشق الإيراني – الإسرائيلي”. ورغم أنّي كنت أعتبر نتن ياهو مهرجاً واستعراضياً، لكن صدور التوصيف من طهران مسألة مختلفة. وما جعلني أعيد التدقيق في الوصف، الذي لا يمكن أن يكون عابراً بحالٍ من الأحوال، هو ما تم تسريبه عبر الإعلام الأمريكي عن أعمال وإنشاءات داخل مفاعل “ديمونا”، وبما أنّ التسريب أمريكي فهو “إسرائيلي” في مكانٍ ما. ولم أستطع التخلص من فكرة أنه يأتي في إطار التهريج، فلا وجود لرسائل ذات قيمة، أو أطراف معنية بتسلم هذه الرسالة، إلّا إذا مارسنا الشطط التحليلي واعتبرناها رسالة أمريكية لـ”إسرائيل”، بعدم الوقوف في وجه اجراءات بايدن للعودة للاتفاق النووي، باعتبارها “دولة” خارجة عن كل المعايير الدولية للطاقة النووية، أو اتخذنا دور الإعلام الصهيوني واعتبرناها رسالة لمحور المقاومة، بأنّ بنك أهدافه في فلسطين المحتلة ينضب.
لا يمكن التعامل مع هذه الرسالة إلّا في إطار التهريج، ولكن هذا التهريج ليس عابرًا، وقد يكون كاشفاً للنقيض تماماً من الاعتقاد الجازم بنووية”إسرائيل”، فهل هذا الكيان نوويٌّ فعلاً أمّ أنّ ما اعتمده منذ ستينيات القرن الماضي، وما يسمى بسياسة “الغموض النووي”، كان للتغطية على فشله في الحصول على القنبلة النووية؟ فقد تكون سياسة الغموض البناء صالحة بعد العام 1967، حيث استقر العالم على حصرية امتلاك الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن للأسلحة النووية، ولكن بعد حصولٍ دولٍ أخرى كالهند وباكستان وكوريا الشمالية على هذا السلاح، فما الجدوى من “الغموض النووي”؟ وما الجدوى من استمرار هذا الشائع، الذي لا يوجد عليه دليل واحد، حتى أنّ قضية موردخاي فعنونو تُعتبر من السيناريوهات الرديئة، حين النظر إليها بجدية، حيث إنّه وفي معرض ما قاله أنّ المفتشين الأمريكيين لم يلاحظوا الجدران الزائفة، أو المنشأة السرية القائمة على بعد ستة طوابق تحت الأرض، وقد توترت العلاقة حينها بين الكيان والولايات المتحدة، ولكن فعنونو يخبرنا أنّه حتى عام 1986 لم تكن الولايات المتحدة تعلم بوجود أسلحة نووية في “إسرائيل”، ولا أعرف ما الدواعي لتصديق هذا الجهل الأمريكي، أو بالأحرى الاستغفال “الإسرائيلي” لأمريكا كما يقول فعنونو، ولا أعرف أيضاً كيف استطاع فعنونو وهو غير مختصٍ نووياً بل رجل فلسفة، وهذه الثقافة لا تؤهله للعمل في أقسامٍ لها علاقة بانتاج البلوتونيوم أو الليثيوم، أن يطّلع على هذه الأقسام بل ويصورها على شرائط فيديو.
إنّ الدول العظمى التي تكفلت بزراعة “إسرائيل” ورعايتها وحمايتها، وخصوصاً الولايات المتحدة، هل تحتاج لتكون “إسرائيل” نووية، خصوصاً في زمنٍ كانت فيه القوة التي لا تُقهر، وأنّ أياً من أعدائها لا يمتلك برنامجاً نووياً، وهي كيان توفر له الولايات المتحدة مظلة نووية زمن الحرب الباردة، وحتى ما يُثار بين الحين والآخر عن وثائق يتم الكشف عنها من حرب73، وكون “إسرائيل” مارست الابتزاز النووي، بنشرها صواريخ”أريحا” وقاذفات “فانتوم” محملة برؤوس نووية لضرب القاهرة ودمشق، لتهرع واشنطن لنجدتها من التقدم العربي، وهو ما يُقال أنّه نجح فهرعت الولايات المتحدة لإنشاء جسر جوي يوم 12 تشرين أول/أكتوبر، أو أنّ غولدا مائير ثنت موشي دايان عن استخدام الأسلحة النووية بعد عودته منهاراً من الجبهة الجنوبية، أراه الآن أيضاً في إطار التهريج، رغم أنّ “الخضوع” الأمريكي للابتزاز “الإسرائيلي” عام 1973 يتنافى مع “حقائق” فعنونو، باعتبار أنّ المفتشين الأمريكيين يتم استغفالهم في زياراتهم لمفاعل”ديمونا”، وإيهامهم بأنّ المفاعل مدنيٌّ بحت حتى عام تسريبات فعنونو عام 1986، فلماذا لا يكون فعنونو جزءًا من عملية التهريج، كما هو حال التسريب الأخير عن الإنشاءات الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار نزع وهج القوة “الإسرائيلي” عن زمن فعنونو، وإلباسها ثوب البهلوانات في زمن النصر، فيصبح الأمر منطقياً، حيث لا يمكن السماح للمهرجين بامتلاك أسلحة نووية.