مأرب ومعاقبة الفاشلين .
ايهاب زكي | باحث فلسطيني في الشؤون السياسية .
حين قررت الولايات المتحدة إعلان الحرب على اليمن عبر أكثر أدواتها خسةً وأقلها ذكاءً في السعودية والإمارات، لم تكن تتوقع أن يكون اليمن أكثر العلامات وضوحاً على انطفاء عصر قدرتها المطلقة، وابن سلمان كان يصدق ضباط”السي آي إيه” الذين يديرون ملكه وملك أبيه، فخرج على الإعلام ليقول أنّ بإمكانه الانتهاء من السيطرة على اليمن في غضون أسبوعين، كما لقنه الضباط الأمريكيين، وبما أنّ الولايات المتحدة لا تتسامح مع فشل أدواتها في أداء المهام، فيبدو أنّه قد حان وقت دفع الثمن، كما حدث في الحرب على سوريا، فحين فشلت قطر في قيادة دفة العدوان، عادت للمقعد الخلفي لصالح تقدم السعودية، على حدّ تعبير حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، بل قامت بإزاحة طاقم إدارة المحمية القطرية، فاستبدلت الوالد بالإبن، ويبدو أنّ بن سلمان في ذات الخانة، ويحاول تجنب عقوبة فشله أمريكياً.
وهو يخوض اليوم ما يمكن تسميته بمعركة”تجديد التكليف” في مأرب، فانتصار ما تسمى بقوات هادي في مأرب، سيعطي زخماً كبيراً لابن سلمان، وقد يفتح أمامه طريق السيطرة على الجنوب وما تسمى بالعاصمة المؤقتة في عدن، وهذا ما سيخفف من وطأة العقوبات الأمريكية، لذلك فهو لا يخوض صراعاً ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية فقط في مأرب، بل هناك صراع بدأ يظهر للعيان مع ما تسمى “قوات طارق” و”قوات المجلس الانتقالي”، وهي الأطراف التي تتلقى الأوامر من محمد بن زايد، فما تسمى بـ”قوات هادي” رفضت بشكلٍ مبطن مشاركة”قوات طارق” في التصدي لقوات صنعاء في مأرب، بينما تتعرض قوافل الدعم لقوات هادي إلى كمائن تنصبها”قوات المجلس الانتقالي”، وتنتهي إما بالإبادة أو بالأسر ومصادرة المعدات في أفضل الأحوال، حيث تعتبر الإمارات أنّ انتصار”قوات هادي” في مأرب، والتي عمودها حزب الإصلاح، سيعطي حزب الإصلاح قدرة على فتح معارك جنوباً على النفوذ الإماراتي، بما يحمل ذلك من أوراقٍ سيفتقدها بن زايد لصالح بن سلمان أمام إدارة بايدن.
وقيل قديماً” الهزيمة يتيمة وللنصر ألف أب”، ولكن في اليمن تتسابق دول العدوان ولمحدودية ذكائها على تبنّي الهزيمة، فيصرّون بغباءٍ مطلق على مراكمة الهزائم، ويتجنبون الخوض في كل المبادرات لوقف العدوان، في توقيتٍ يملكون فيه بعض الأوراق القابلة للتفاوض مع الحكومة اليمنية في صنعاء، بينما تشير كل المؤشرات الميدانية على أنّ استمرار معركة مأرب، يعني بالقطع سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على آخر معاقل ما تسمى بـ”الشرعية” شمالاً، بينما المنطق يقتضي اغتنام فرصة تقليص الخسائر، وليس الإصرار على مراكمتها ميدانياً وسياسياً عبر صخب إعلامي وفبركة الكذب، أو النواح الإنساني وشتم إيران ليل نهار وتحميلها المسؤولية، ومن عجيب المفارقات ما نقلته جريدة”الشرق الأوسط” عن إنشاء فرقة اغتيالات للفارين من جبهات مأرب، فتقول الشرق الأوسط أنّ الفارين من جبهة مأرب والتابعين لـ”قوات الشرعية” تقوم فرقة اغتيالات”حوثية” بملاحقتهم وقتلهم، وهذه الفبركة السعودية تعني أنّ هناك الكثير من الفارين أولاً، كما تعني ثانياً أنّ السعوديين يهددون الفارين بالقتل، وأنّ عليهم القتال في مأرب حتى الموت، لأنّهم بكل الأحوال سيموتون، وبهذه السذاجات الإعلامية تريد السعودية كسب الحرب في اليمن.
تُعتبر مأرب خط الدفاع الأول عن المناطق الجنوبية والشرقية في اليمن، واستعادتها من قِبل الجيش اليمني واللجان الشعبية، تعني أنّ الجغرافيا اليمنية كلها أصبحت قابلة للاستعادة والتحرير، فمأرب بعيداً عن موقعها الجغرافي شديد الأهمية، فهي تشكل الجزء الأكبر من ميزانية ما تسمى بـ”الشرعية”، حيث تحتوي على مخزون اليمن النفطي، كما أنّها مركز الإمداد ومخزن السلاح ومقر القيادة والسيطرة، ويبدو أنّ خيار التفاوض غير وارد في ذهن بن سلمان حتى اللحظة، فإنّ استمرار تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية هو الخيار المتاح حالياً، والتسابق بين بن سلمان وبن زايد على حيازة ورقة اليمن لتقديمها لإدارة بايدن، بعد أن كانت ورقة مشتركة، ستنتهي بفقدانها لكليهما، وسيدفع كلاهما ثمن الفشل بالتزامن أو بالتتابع، وإن كانت الأولوية لابن سلمان في تدفيعه ثمن الفشل، لذلك يحاول بن سلمان الاحتماء بالظهر”الإسرائيلي”، عبر تقديم كل ما يلزم لنتن ياهو، حتى يكون حائط الصدّ أمام نوايا بايدن تجاهه، ولكن على بن سلمان أن يدرك أنّ استنزافه سياسياً ومالياً لصالح”إسرائيل”، لا تعني حمايته على الإطلاق، بل قد يكون الاستنزاف مقدمة للإلقاء في سلة المهملات.