بايدين وتركات أوباما وترامب.
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية .
يبدو واضحاً أن جدول العمل العدواني العسكري الإسرائيلي ما زال يضع توريط الولايات المتحدة بحرب مباشرة على أي طرف من قوى محور المقاومة في سلم أولوياته بعد عجزه عن تحقيق هذا الهدف في ولاية الرئيس السابق باراك أوباما 2009- 2016 حين كان عدد قوات الاحتلال الأميركية منذ عام 2009 حتى عام 2012 أكثر من مئة وستين ألفاً من الجنود وفي ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب 2016- 2020.
ولا شك أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استلم رئاسة الحكومة الإسرائيلية في عام 2009 يدرك السبب الأساسي الذي منع الرئيسين السابقين أوباما وترامب من شن حرب كهذه بقوات أميركية، وهو عدم وجود أي احتمال أو عامل يضمن للولايات المتحدة تحقيق أهداف هذه الحرب بعد أن اعترفت وزارة الدفاع الأميركية في أكثر من مناسبة أنها غير مضمونة النتائج بسبب قدرات إيران وامتداد تحالفها إلى العراق وسورية والمقاومة اللبنانية، ضد أي قوات أميركية تتورط في حرب كهذه، ومن وجهة النظر الأميركية يمكن لهذه الحرب أن تعرض إسرائيل إلى نتائج غير مسبوقة على مستقبل وجودها.
وكان الدليل الواضح على عجز القوات الأميركية عن الانتصار في حرب كهذه يكمن في مقارنة بسيطة بينها وبين الحرب الأميركية الأطلسية المباشرة ضد أفغانستان التي لم تستطع واشنطن وحلفاؤها حسمها وتحقيق أهدافها بعد مرور عشرين عاماً عليها حتى الآن.
ومع ذلك مازالت معظم الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة والمتوسطة حجماً تدرك أن القوة العسكرية الإسرائيلية لا يمكن وحدها أن تبادر بشن حرب على جبهة الشمال وهي جبهة محور المقاومة الممتدة من جنوب لبنان إلى حدود الجولان العربي السوري المحتل إلى قوى المقاومة في العراق وصولاً إلى طهران، ولذلك يحذر بعض القادة العسكريين في إسرائيل من خطر أن تتطور بعض الغارات الصاروخية أو الجوية من داخل أجواء إسرائيل إلى حرب شاملة في لحظة لا تتوقعها القيادة السياسية.
إن نظرة موضوعية على هذه الغارات التي اعتادت إسرائيل على شنها بين فترة وأخرى منذ سنوات عديدة تدل من دون مبالغة على أن تصدي القوات السورية بصواريخها المضادة منع إسرائيل عن تحقيق هدفها المزعوم بمنع وصول أسلحة من إيران إلى سورية والمقاومة اللبنانية ومنع انتشار قوات حليفة لسورية في الحرب ضد المجموعات الإرهابية، وهذا ما يعترف به بشكل غير مباشر رئيس الأركان الإسرائيلي حين يعلن أن عدد ونوعية صواريخ المقاومة اللبنانية ازداد كثيراً في السنوات الماضية وأن إسرائيل ستواجه حرباً على عدة جبهات، ما يعني أن إسرائيل لم تستطع منع اتساع جبهات المقاومة ضدها ولا زيادة قدرات هذه المقاومة وأن حاجة إسرائيل للمشاركة المباشرة الأميركية العسكرية إلى جانب الجيش الإسرائيلي في أي حرب مقبلة أصبح ضرورة لا غنى عنها.
هذا يعني بلغة واضحة أن الدور الإسرائيلي الوظيفي الذي حددته قوى الاستعمار الأميركية ومن قبلها البريطانية لهذا الكيان تآكل ولم يعد قادرا على القيام وحده بهذه المهمة أمام محور المقاومة وهذا التقدير الموضوعي يدل أيضاً على أن كل السياسات الأميركية الإسرائيلية لفرض الاستسلام على العرب لم تحقق أهدافها لأن أطراف محور المقاومة أصبحت تشكل وحدها قوة إقليمية قادرة على ردع إسرائيل عن شن أي حرب شاملة على جبهة الشمال وقادرة على ردع الولايات المتحدة من شن حرب مباشرة، ولذلك لا أحد يشك بأن إسرائيل تحاول استنزاف الجيش العربي السوري باستخدام عملائها من أعضاء المجموعات الإرهابية في جنوب سورية، وبالاتجاه نفسه تحاول الولايات المتحدة استخدام بقايا مجموعات داعش في إدلب والحفنة القيادية لمجموعات قسد المتعاملة مع وحدات الاحتلال الأميركي في شمال شرقي سورية للغرض نفسه، وهذا نفسه يدل بحد ذاته على ضعف أميركي وإسرائيلي في ساحة المجابهة ما يشكل مقدمة للتسليم بالهزيمة، فما أخفق في تحقيقه أوباما وترامب لن ينجح في تحقيقه بايدين الذي أورثه الاثنان هزيمة في أفغانستان وهزيمة في العراق وهزيمة أمام سورية وأخرى في اليمن، وأمام بقايا هذه الهزائم لن يكون أمام بايدين وإدارته سوى تغيير قواعد اللعبة قبل أن تتفاقم نتائج هذه الهزائم.
بالمقابل ترى إسرائيل هذه الصورة الموضوعية للحرب الأميركية الأطلسية الإسرائيلية التي شنتها هذه القوى منذ عام 2001 ونتائجها الواضحة، فتجد هي الأخرى أنها شهدت في كل هذه الفترة هزائم مماثلة وتآكلاً مستمراً فيما تسميه «قدرة الردع»، فالزمن يعمل لمصلحة هذه القوى لتحقيق أهداف شعوبها وسيادتها ومستقبل أجيالها.
الوطن السورية