لماذا تعتبر روسيا حليفا ، رغم الاختلاف مع بعض سياساتها وتكتيكاتها في سورية ؟!
اللواء الدكتور بهجت سليمان
1▪︎رغم أن السياسة تصبح في بعض الاحيان عبارة عن طلاسم بحاجة الى مجهودات خارقة لفهمها واستيعابها وسبر اغوارها ، لأن ظاهرها قد لا يعكس باطنها وباطنها قد لا يعكس ظاهرها ، فتظهر للعيان على غير حقيقتها مشوشة وملتبسة .
ولكي اوضح ما اريد ايصاله الى القارى أذكر بما ذكرته صحيفة “ تيليبوليس ″ الألمانية بأن ” إسرائيل ” اختبرت صاروخا أسرع من الصوت من فئة ارض جو يسمى “ رامبيغ ” لتدمير منظومات الدفاع الجوي الروسية في سورية من طراز S 300 ، الأمر الذي سيلحق في حال حصوله أضرارا فادحة بسمعة السلاح الروسي وبالتالي بمبيعاتها من الاسلحة ومصالحها الاستراتيجية .
2▪︎ واذا ما انتقلنا الى صلب الموضوع الذي ننوي معالجته في هذه المقالة ، فإن روسيا لم ترتكب تاريخيا جريمة واحدة ضد الشعوب العربية لا في العهد القيصري ولا في العهد الشيوعي وصولا الى عهد بوتين ، كما فعلت بريطانيا وفرنسا وامريكا التي ارتكبت افظع الجرائم وسفكت دماء ملايين العرب والمسلمين من اجل مصالحها الاستعمارية في النهب والسيطرة ، مما جعل من صورتها في الوعي الجمعي العربي ناصعة البياض ومشرقة بعكس دول الاستعمار القديم والجديد .
3▪︎ وقد ربطت روسيا التي كانت عماد وراس حربة الاتحاد السوفياتي السابق بالدول العربية المعادية للامبريالية ، علاقات صداقة وتعاون قوية وتحديدا ايام فترة حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ، مما جعل الشعوب العربية تنظر الى الروس نظرة احترام وتقدير على اعتبارهم حلفاء للعرب في معاركهم ضد الامبريالية والصهيونية ومن اجل التحرر والتقدم الاقتصادي والاجتماعي .
4▪︎ ومن هذا المنطلق فإن الكثيرين لم يستوعبوا بأن تقوم روسيا الحالية التي هي بالنسبة لهم وريثة للاتحاد السوفياتي السابق ، بالتنسيق مع ” اسرائيل ” لمنع التصادم الجوي في الاجواء السورية اوتقوم بتسليم رفات جندي السلطان يعقوب لنتنياهو قبل انتخابات الكنيست الاسرائيلي السابقة ، مما ساعده في اجتيازه للاستحقاق الانتخابي بنجاح ، كما لم يستوعبواعدم قيام الجيش العربي السوري باستخدام صواريخ منظومة ال S300 ضد عدوان المقاتلات والصواريخ الاسرائيلية التي تنتهك حرمة الاجواء والأراضي السورية ، ولاحقا عدم إدانة الروس ، إلا في ما ندر ، للغارات الجوية التي تشنها الطائرات الحربية الاسرائيلية على اهداف سورية وايرانية في سوريا ، لأن ذلك يتناقض مع صورة نمطية ايجابية حفرت في الوجدان العربي عن الروس .
5▪︎ ان انتقاد بعض مواقف روسيا إزاء الأزمة في سورية وما قيل عن التزام قدمه بوتين لنتنياهو بضمان مصالح ” اسرائيل ” في اية تسوية سياسية محتملة للازمة السورية ، يقلق السوريين ويدفعهم للتساؤل عن أسبابه ودوافعه . وهل هو تكتيك يصب في خدمة الهدف الاستراتيجي الروسي والسوري المشترك في استكمال الحرب ضد الارهاب ؟ أم أنه يعكس تحولا في الموقف الروسي لا يصب في خدمة ذلك الهدف؟
6▪︎وغني عن القول بأن هذا الموقف لا يلتقي ولا يتقاطع ابدا مع المساعي المشبوهة التي تبذلها بعض الدول والاطراف العربية للإساءة للروس من باب بعض الخطايا التي ترتكبها هذه الأطراف خدمة لامريكا و ” اسرائيل “.
فبعض العرب يعادون روسيا لأنهم عملاء لامريكا و” اسرائيل ” ، أي من منطلق الكراهية التاريخية لدولة عظمى ساندت بقوة عندما كانت مكونا اساسيا من مكونات الاتحاد السوفياتي السابق ، حركة التحرر الوطني والاجتماعي العربية من منطلقات مبدئية ، ولعبت دورا حاسما في إفشال وإسقاط المشروع الصهيو- امريكي – الغربي- الرجعي العربي الذي كان يستهدف إسقاط الدولة السورية من منطلق منظومة المصالح ، بعد ان عادت دولة عظمى على يد رئيسها الحالي القومي الروسي فلاديمير بوتين ..
بينما البعض الاخر يذهب الى انتقاد تلك التكتيكات ليس لأنه يضمر أي عداء لروسيا وإنما لأنه يطمح بان تكون روسيا داعمة ومساندة للقضايا العربية بما لا يقل عنه عما كانت أيام الاتحاد السوفياتي السابق .
7▪︎ ولكي ندخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدده ، فإن هذه المنطقة التي سماها الاستعماريون ب ( الشرق الاوسط ) هي كل شيء بالنسبة لنا ، نحن العرب ..
أما بالنسبة لروسيا ورغم أهمية الشرق الأوسط الكبيرة في الصراع الدولي من أجل إعادة صياغة شكل العالم ، فإنه ليس كل شيء بالنسبة للروس رغم أهميته الكبيرة . ولذلك فإن روسيا قد تقدم على اتخاذ مواقف وممارسة تكتيكات تبدو لنا أحيانا غير مفهومة أو حتى معادية لمصالحنا .
8▪︎ وهذه التباينات هي أمور طبيعية حتى بين الحلفاء . ولكن ما يجعل منها غير طبيعية هو الإخفاق في استثمار مواطن قوتنا للتاثير على الموقف الروسي بصورة تدفع روسيا إلى الإصغاء لمطالبنا وأخذ مصالحنا بعين الاعتبار كما تأخذ مصالحها .
إن قراءة الواقع كما هو ، تشير الى ان روسيا هي دولة حليفة موضوعية لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة ، طالما ان هدف الجانبين هو استكمال تحرير الاراضي السورية من العصابات الارهابية المسلحة وطرد كل القوات الاجنبية المتواجدة على تلك الاراضي من دون موافقة الحكومة السورية .
9▪︎ وما يشكل القاعدة المادية الصلبة لذلك التحالف ان روسيا لها اهتمامان منظومية كونية وتخوض صراعا على المستوى الكوني مع الولايات المتحدة الامريكية لإعادة صياغة شكل العالم ، وفي هذا الصراع تعتبر ” اسرائيل ” جزءا اساسيا من التحالف الامريكي المناوئ للمصالح الروسية ، مما يرجح ان العلاقة الروسية الاسرائيلية ورغم تأثرها من الجانب الروسي بوجود لوبي صهيوني قوي في موسكو وبمسعى روسي لاستثمارها كمدخل لتحسين الاجواء مع واشنطن ، إلا أن بعدها تكتيكي وليس استراتيجيا ، كما هي العلاقات بين روسيا من جهة وسورية وايران من جهةاخرى .
10▪︎ ويحضرني في هذا السياق ان التحالفات السياسية والعسكرية بين دول أو قوى سياسية لا تعني بالضرورة التطابق المطلق في كل شيء وإزاء كل شيئ . فالاتحاد السوفياتي الذي كان يخوض صراعا ضاريا ضد الامبرياليات البريطانية والفرنسية والامريكية ، اضطر لإقامة تحالف معها في مواجهة المانيا النازية والعسكرية اليابانية وايطاليا الفاشية في الحرب العالمية الثانية ، رغم العداوة الشديدة التي كانت تجمعهم .
بمعنى آخر فإن التحالف عندما يكون على اساس مصالح فقط وليس على اساس مبادئ ، فانه يمر في حقل من التباينات والتعارضات وحتى الصراعات بين اطرافه المكونة ، إلى أن يتحقق الانتصار النهائي ليقطف الثمار كل طرف من اطرافه المكونة .
المقالة تعبّر عن رأي كاتبها