خلاف «الطاقة» والعلّية: إقصاء الشركات اللبنانيّة من مناقصة الفيول
رلى ابراهيم – كاتبة إعلامية لبنانية
وصلت النقاشات بين إدارة المناقصات ووزارة الطاقة والمياه الى حائط مسدود، رغم تذليل معظم العقبات حول دفتر شروط مناقصة شراء الفيول والغاز أويل بعد وقف العقد مع «سوناطراك». العقدة الأساسية تكمن في السماح أو عدم السماح للشركات اللبنانية بالمشاركة. في نظر «المناقصات» إقصاء اللبنانيين مخالف للدستور، فيما تصرّ «الطاقة» ولجنة الأشغال النيابية على أن تعديل الشروط والمواصفات هدفه حفظ «سمسرات» تجار المازوت وليتمكن مَن خرج مِن شباك «سوناطراك» مِن العودة مِن باب إدارة المناقصات
لم تصل النقاشات والمراسلات بين إدارة المناقصات ووزارة الطاقة والمياه المتعلقة بدفتر شروط المناقصة المعتزم إجراؤها لاستيراد الفيول أويل Grade A وB والغاز أويل، الى خواتيم سعيدة، رغم تذليل الجزء الأكبر من العقبات. النقطة العالقة قائمة حول تفسير قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 02/7/2020 الذي تضمن تعديلاً لقراره السابق بتاريخ 19/3/20202 القائل بأن «تكون المناقصة من دولة الى دولة ومن دون أي وسيط، بحيث تصبح الصفقة من خلال مناقصة دولية تشترك فيها شركات نفط وطنية وعالمية»، عبر إزالة كلمة «وطنية» والإبقاء على عالمية فقط. كان مقصد وزارة الطاقة وراء طلب هذا التعديل، بحصر العروض بالشركات العالمية من دون إشراك الشركات اللبنانية، على ما تردده مصادر الوزارة، للحدّ من «الفساد والغشّ والعمولات». نظرية يعارضها المدير العام لإدارة المناقصات جان العليّة وقد أبلغها إلى وزير الطاقة منذ بدء النقاشات، وخلال الاجتماع الأخير الذي جمعهما قبيل أسبوع حيث تم وضع اللمسات الأخيرة على ملاحظات إدارة المناقصة على دفتر الشروط، في ما يخص مواصفات المحروقات أو حقوق الدولة المالية. بقي الخلاف حول السماح أو عدم السماح للشركات اللبنانية بالمشاركة في المناقصة، ما يعني أن العلية لن يعلن عن المناقصة ما لم يجرِ تذليل هذه العقبة. المشكلة الرئيسية هنا أن المدير العام للمناقصات وجّه رسالة الى وزارة الطاقة بتاريخ 13/1/2021 موضوعها قرار مجلس الوزراء الرقم 4 الصادر بتاريخ 2/7/2020 المتعلق بإطلاق مناقصة الفيول أويل A وB والغاز أويل لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، يقول فيها إن «إدارة المناقصات ومن موقعها كمؤتمنة على مبدأ المنافسة وحماية الاقتصاد الوطني تفسر قرار مجلس الوزراء انطلاقاً من القاعدة التي ترعى هذا النوع من النصوص. وتعتبر أن مشاركة شركات النفط العالمية لم ترد في متن هذا القرار على النطاق الحصري ولا تحول دون مشاركة الشركات الأخرى الوطنية والمحلية». وأشار العلية إلى أنه نظراً إلى عدم مطابقة وجهة نظره مع وجهة نظر وزارة الطاقة (…) و«بما أنه من الناحية القانونية، المطلق يُفسّر على إطلاقه، ولا سيما في النصوص التي تتعلق بحرية المنافسة والمبادئ الاقتصادية العامة المكرسة في الدستور اللبناني، والاستثناء يفسر حصراً وبصورة ضيقة في حدود النص الذي يجيزه متى وجد. وبما أنه من الناحية الواقعية، فإن الوضع الاقتصادي والمالي الحالي وفرص نجاح المناقصة وتحصينها من أيّ طعن محتمل بها يفرضان توسيع قاعدة المنافسة كما توضيح قواعد المشاركة وآليات التنفيذ قبل إطلاق المناقصة، ترى إدارة المناقصات عرض الأمر على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب». لكن حكومة حسان دياب المستقيلة لا تعقد أي جلسات، وبالتالي يتعذّر على «الطاقة» الحصول على التفسير المطلوب من العلية، فيما بدأ النفط ينفد، والمفاوضات مع العراق لاستيراد المحروقات منه لا تزال تتعرض للعرقلة من قبل كارتيل النفط وداعميه.
يشير المدير العام للمناقصات في حديثه إلى «الأخبار» الى أن ثمة «تعميماً قديماً يقول بأن أي خلاف بين مدير عام ووزير يجري عرضه على مجلس الوزراء». لكن المجلس لا يجتمع؟ يلفت العلية الى أن لجنة الأشغال العامة النيابية سبق أن «ناقشت الحصول على موافقة استثنائية من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكني أبلغتهم أن لا شيء اسمه موافقة استثنائية في الدستور أولاً، وأن مسألة موافقة الرئيسين على حصر المناقصة بالشركات العالمية حصراً وإقصاء الشركات اللبنانية سيكون له تداعيات معنوية غير سهلة». إذاً، ما الحلّ؟ يؤكد المدير العام لإدارة المناقصات أن مكان الحل هو في لجنة الأشغال التي تمثل كل الأطراف. وبالتالي يفترض أن تجتمع اللجنة لتتوافق على قرار أو توصية تؤكد فيها حصر المناقصة بالشركات العالمية. ذلك هو المخرج القانوني المتاح، عندها «أنا ألتزم وأطلق المناقصة كما يريدون بعد إعطائي رأياً في اللجنة. وليتحمّلوا هم هذه المسؤولية على قاعدة اللّهم اشهد إني بلّغت»، يقول العلية، علماً بأن لا مشكلات بين المناقصات والطاقة، لا بل إن «الوزارة متجاوبة الى أقصى الحدود وطبقت كل ما طلبناه». رغم ذلك، عُلّق التفاهم على تفسير قرار مجلس الوزراء الذي صدر أصلاً بناءً على طلب وزارة الطاقة، لأنه «لا يمكن أن يكون موقف إدارة المناقصات استبعاد الشركات اللبنانية، فالأمر مخالف للدستور الذي يكفل المنافسة، كما أنه غير منطقي في وضع اقتصادي مماثل يحتّم علينا تأمين فرص عمل للشركات اللبنانية».
أما مصادر وزارة الطاقة، فتعتبر التجربة السابقة غير مشجعة، وأن ائتلاف الشركات العالمية مع شركات لبنانية تمثلها هنا، بمثابة فتح الباب على بازار العمولات. حجة تبدو، بالتجربة، غير مقنعة، بما أن الشركتين موضوع التحقيق في الفيول المغشوش ــــ أي سوناطراك وZR Energy ــــ ليستا مسجلتين في لبنان، وكان المتعاقد المباشر (سوناطراك) يشتري من المورِّد (زد آر إنرجي) الذي لا يتحمل مسؤولية لأنه يبيع المتعاقد ولا يبيع الدولة. ويسأل العلية: «لو كان هناك شريك محلي في العقد محددة حقوقه وواجباته وقامت الوزارة والمؤسسة بدورهما الرقابي هل كان حصل ما حصل؟». ويصرّ على أنه قرأ القرار الظني والاتهامي عدة مرات، والمشكلة لم تكن في العقد بين لبنان و«سوناطراك» الذي يصفه بالنموذجي، بل في تطبيقه وفي التلاعب بالعيّنات عند تسلّمها. لذلك عرض على «الطاقة» تشديد الشروط والمسؤوليات في دفتر الشروط وأن تكون الشركتان العالمية واللبنانية مسؤولتين بالتكافل والتضامن، وأن يكون هناك إمكانية محاكمة لهما في القانون اللبناني إلى جانب التحكيم الدولي حتى تظلّ إمكانية الملاحقة متاحة.
«رأي العلية هو المشكلة بعينها»، وفقاً لمصادر في لجنة الأشغال النيابية، إذ يتعذّر عليها القيام بما يقترحه لأن ثمة فصلاً بين السلطات، وبالتالي مجرد موافقتها على تفسير قرار مجلس الوزراء هو «هرطقة»، ويعطّل الدور الرقابي اللاحق لمجلس النواب. فالمجلس نفسه منح الثقة للحكومة لتقوم بدورها التنفيذي الذي قامت به عبر إصدارها القرار، ولكن المدير العام لإدارة المناقصات يستغل تصريف الأعمال اليوم لتمرير ما يريده. ووفقاً للمصادر، فإن الحكومة واضحة بقرارها إجراء عقد مباشر لشراء المحروقات من الشركات العالمية المُنتِجة للبترول من دون المرور بسمسرات ووساطات. وبصورة أوضح، فإن الشركات العالمية ليست محددة بجنسيتها، بل بحسب مصطلحات معروفة هي NOC وIOC. الأولى تعني الشركات الوطنية المنتجة للنفط أي المملوكة من الدول، إلا أن العلية فسر مصطلح «وطنية» في غير قصده، فاضطرّ مجلس الوزراء إلى حذف هذه الكلمة حتى لا تكون شركات تجار المازوت قد خرجت من «شبّاك» سوناطراك لتدخل من باب إدارة المناقصات. أما المصطلح الثاني فيعني الشركات العالمية المنتجة للنفط غير المملوكة من الدولة. وتشير الى أنه لا مانع من دخول أي شركة لبنانية إذا كانت منتجة للبترول ولديها مصفاة للنفط ويتم إيضاح هذا الأمر جيداً في دفتر الشروط. ولكن أن تكون الشركة اللبنانية موازية لعمل السماسرة الذين يتقاضون عمولات تمويل سياسي ويتم تخفيض حجم الأعمال بطلب من إدارة المناقصات من نحو 25 مليار دولار الى مليارين يعني أن ثمة نياتٍ مبيّتة. تختم المصادر أن طلب العلية من لجنة الأشغال غير قابل للحصول، ولا يمكن في المقابل إقصاء أي شركة لبنانية بقرار رسمي لأنه سيكون موضوع طعن في مجلس شورى الدولة.Type a message
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه