وجهة نظر في استعادة الشعوب التي دمرتها العولمة ، وسلب الفساد فكرها المنطقي. اجابة على سؤال
باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
احد اصدقائنا الذي اعرف غيرته على امتنا العربية طرح علي سؤالا مهما جدا كان لا بد لي ان افرد هذا الجزء للاجابة عليه بالرغم من انني ذكرت بعضا من الاجابة في الجزء الاول من هذه السلسلة وهو عن فائدة المراجعة التاريخية التي اقدمها على عجالة للاحداث الهامة في منطقتنا في القرن العشرين ،ولماذا اكتب واتعب نفسي اذا كان هذا المجهود لن يغير ولن يبدل ؟
ان المراجعة التاريخية لهذه الاحداث ليست لاعادة استحضار التاريخ واستنهاضه ، لان الهدف ليس التذكير بما نعرفه جميعا عن تلك الاحداث التي ان لم يشهدها بعضنا فأنه قرأ عنها ، ولذلك كنت امر على الاحداث مرور الكرام واذكر لمحات سريعة منها فانا لا اهدف الى التأريخ ،بل لان تلك الاحداث وحالة الشعوب العربية في إبانها تظهر الفارق في التركيبة الفكرية والعقائدية للعقل العربي بين اليوم والامس ولانها تقود الى الهدف من كتاباتي هذه وهو الاجابة على السؤال الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع والذي يتساءله كل فرد منا وهو لماذا بتنا اليوم نرى فكرا جديدا وعقيدة جديدة وقناعة جديدة فحواها مخالف لما كنا نعتبره جميعا من الثوابت الوطنية والقومية وحتى الدينية وكان الخروج على هذه الثوابت يعد خيانة في نظر الجميع في حين اننا اليوم نرى من يعتبر الفكر الذي نحمله والعقيدة التي نتمسك بها عبارة عن فكر متخلف طوباوي لا يوافق مجريات الاحداث في الوقت الحالي ولا يتناسب مع ماتقتضيه المرحلة بل وانه يعتبرنا نعيش في حالة واهمة وحالمة ومنفصلة عن الواقع وتفتقر للواقعية والمنطقية وذهب بعضهم لوصفنا بقصر النظر والاصابة بأمراض نفسية مزمنة لا علاج لها ، بينما ذهب المتطرفون منهم لنعتنا بخيانة الامة ومحاولة جرها لمشاريع وارتهانات خارجية ، فبتنا نشعر اننا قلة في محيط كبير يحمل افكارا مغايرة تماما لقناعاتنا ، واصبح العروبي شخصا يعيش حالة اغتراب بين قومه واهله ، حتى عزف كثيرون من اهل الفكر الذي نقتنع به عن الكتابة واستسلم امام مواجهة القناعات والافكار الاخرى وخاصة اننا نرى اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي كيف يكون الهجوم على من يبادر لقول الحقيقة وعلى من يطرح افكارنا وقناعاتنا لان الهدف من وراء ذلك الا يجاهر اهل الحقيقة بها اتقاء تلك الجوقات والمجموعات وشتائمهم .
وان اهم مادفعني للبحث عن الاجابة عن هذا السؤال هو انني حين اناقش بعض المثقفين منهم والذين ادرك تماما انهم ليسوا خونة ولا عملاء اجدهم يتحدثون وينطلقون من كونهم مقتنعين تمام القناعة بمايطرحونه ، وانهم لا يمثلون علي امتلاكهم لتلك القناعة بل انها راسخة في داخلهم رسوخ الجبال ،مما دفعني للتساؤل عن اسباب تشكل هذه القناعات والافكار وماهي الاسباب التي ادت الى هذا الانقسام الفكري . طبعا لست ضد الاختلاف الفكري البناء الذي يقود للحداثة والتطور ،ولكنني لا استطيع ان اتقبل اختلافا فكريا حول الثوابت كتعريف الخيانة والعمالة وتعريف العدو والصديق . لانني كنت ومازلت اعتقد ان تعريفها واحد ومفهومها واحد ، لكن ان ننقسم ونختلف بالرأي مثلا حول ما اذا كانت اسرائيل عدوا او صديقا فهذا ما لاتطيقه العقول وما لا تقبله الفطرة السليمة .
لذلك وجدت من الواجب علي ان ابدأ البحث في اسباب تشكل هذا الاختلاف وزمانه ، وما العوامل التي ساهمت في نشأته وبلوغه الى هذا المستوى الخطير من التقدم والتغلغل داخل عقول الكثيرين من ابناء امتنا وجلدتنا ، وبالتالي كيفية مواجهته والتغلب عليه واعادة رسم الوعي وبرمجة العقول لدى جماهير امتنا وتغذية قناعتها بالفطرة السليمة .
ولان الروح الحرة والابية لا تعرف الانهزام والاستسلام كان لابد لي ان اتصدى للبحث عن الاجابات بقدر استطاعتي وعلى قدر مايعينني الله على ذلك حتى وان كنا ندرك او نتوقع ان لا تكون هناك آذان صاغية من الفكر الاخر ولكن الواجب يقضي بان لا نترك الساحة لغيرنا ليمارس فيها مايشاء من العهر وتدمير العقول وغسل الادمغة وحشوها بقناعات استسلامية انهزامية جبانة تفضي بالنهاية الى استمرار انحدارنا وتعميق سيطرة اعدائنا علينا .هؤلاء الاعداء الذين يريدون لنا عدم التوازن والاستقرار ، لان الاستقرار يفضي الى التطور والتطور يفضي الى العظمة والحرية الحقيقية.
والله من وراء القصد .
يتبع في الجزء السابع.