سقوط جديد للسياسيّين… والشعب يموت مذهولاً!
كتب علي بدر الدين
الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة منذ عقود ثلاثة، أشبه ما تكون، بكشاشي الحمام، الذين حوّلوا كشّ الحمام من هواية للتمتع، إلى مهنة وتجارة، وقد انحرف بعضهم إلى سرقة حمام جاره أو أيّ حمام يعبر في أجوائه، بطرق وخدع وأساليب، غير مشروعة «ابتدعها» خلال ممارسته لاصطياد الفرص والسطو على حقّ ليس له، وهو أساساً، يمتلك نزعة الجنوح إلى الشرّ والنهب ونصب الأفخاخ، وهو منغمس كلياً، في التلاعب والاحتيال، ولا همّ عنده، سوى مصالحه، واحتكار أرزاق الآخرين، ولديه القوة والنفوذ والقرار لمصادرة كلّ ما تقع عينه ويديه عليه، ولم يفكر للحظة، بنتائج وتداعيات ما يقدم عليه، أو توقع ردّ فعل من شركائه في هذه المهنة، وهم لا يقلون عنه شأناً، وعندهم من الوسائل والأساليب، التي تردّ له «الصاع صاعين» واسترداد ما سرقه منهم وأكثر.
الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، بل تطوّرت، إلى خلافات وصراعات و»خناقات» وجرحى ومقاطعة، وخصام، بعد أن تراكمت المشاكل، ولم تنجح مساعي الوسطاء و»أهل الخير» لعقد لقاءات وتفاهمات ومصالحات، تكون لصالح الجميع، أمام وصول هؤلاء إلى حائط مسدود، وانعدام الثقة والحلّ، كان لا بدّ من اللجوء إلى تقديم الدعاوى والمقابلة في المحاكم، حتى غصّت العدلية بالعشرات منهم يومياً، وتمنّع القضاة من متابعة محاكمة غيرهم. عندها لجأ القاضي العثماني آنذاك، إلى إصدار حكم مبرم بعدم دخول هؤلاء «الكشاشين» إلى القاعة، وعدم قبول أيّ دعوة، لأيّ «كشاش» مهما كانت، لأنه كاذب ولا يُعتدّ برأيه ولو أقسم اليمين.
الطبقة السياسية قد لا تختلف كثيراً عن هؤلاء، بأفعالها وسلوكها ووعودها الكاذبة، ونهبها للمال العام والخاص، وإفقار الناس وتجويعهم، وإسقاط البلد وانهيار اقتصاده، وماليته ومؤسّساته، وتقسيمه إلى مقاطعات طائفية ومذهبية وزعائمية وتحاصصية، تحويله إلى دولة مديونية، وإلى احتلاله مرتبة الشرف الأولى في الفساد بين دول العالم، بسبب تخاصمهم وخلافاتهم ونزاعاتهم الشكلية والواقعية وتفاهمتهم المزيّفة وفشلهم المخطط له، وسقوطهم المدوّي في كلّ امتحان، على علاقة بإدارة شؤون الدولة والشعب، ما أدّى إلى تراكم الأزمات والمآسي والمشكلات التي باتت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني، وإلى انهيارات متتالية، لم يسلم منها قطاع أو مؤسّسة أو مصلحة أو إدارة، ولم تواجهها إلا بالوعود الكاذبة، وبمزيد من الانحدار غير المسبوق في تاريخ لبنان الذي قام أساساً على التزوير، وحكم القوي المتنفذ والمستبدّ والمتسلط الذي يحمل عناوين، ويرفع شعارات للتمويه، لتغطية ارتكاباته وجرائمه بحق الوطن والشعب والإنسانية.
التاريخ يعيد نفسه مع هؤلاء الحكام ماضياً وحاضراً، على أمل ألا يطول بهم المقام إلى المستقبل، الذي لا توحي المؤشرات والمعطيات أنه سيكون أفضل، لأنّ ما زُرع من رذائل وآثام وفساد مستطير، لا يمكن شطبه بشحطة قلم أو بقرار أو إصلاح «حقيقي»، وكما يُقال «المكتوب يعرف من عنوانه» ومن «خلّف ما مات».
هذه الطبقة اليوم سقطت في آخر امتحانين، أولهما، عدم قدرتها على تأليف الحكومة، وتشتّت المعنيّين به، وخلافاتهم على رأس السطح على التحاصص والصفقات والسمسرات، وعلى الحقائب والأسماء، وربط التأليف بخلافات وهمية وشخصية، وبدلاً من ان تتكثف الجهود والمساعي والوساطات لفتح الطريق أمام التأليف في مرحلة يغرق فيها لبنان ويجوع شعبه ويموت، تحوّلت كلها، إلى تأمين ولو لقاء بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف الذي يجول شرقاً وغرباً. كذلك، تفكيك الألغام المصطنع منها والفعلي بين رئيسي تيارين سياسيّين، يبحثان عن مواقعهما ومصالحهما السياسية والنفعية في الآتي من الاستحقاقات الانتخابية والدستورية والرئاسية التي تقترب مواعيدها، وليذهب الشعب والوطن والدولة إلى الجحيم.
الامتحان الثاني الذي لا يقلّ أهمية عن الأوّل، التخبّط والعشوائية في مواجهة وباء كورونا الذي يفتك بهذا الشعب المسكين، المتروك لقدره، الذي يواجه لوحده وبلحمه العاري هذه الجائحة الخطيرة، ولكن المسؤولية تقع عليه أيضاً لسكوته واستهتاره، والقبول بإذلاله خائفاً من الجوع، يتزاحم على أبواب الأفران وفي داخل السوبرماركات بمشاهد تدمي القلوب وتدمع العيون، وتثير الشفقة والأسى، على مثل هذه السلوكيات التي يندى لها الجبين، وهي التي دفعت جريدة «اليوم السابع» المصرية إلى عنونة صفحتها الأولى بأنّ اللبنانيين «يتكالبون» للحصول على ربطة خبز أو سلعة أو تعبئة البنزين، وقد اعتذرت بعد تدخل وزيرة الإعلام الدكتورة منال عبد الصمد، ولكن «سبق السيف العذل» وتلوّثت سمعة الشعب اللبناني وصورته وتحضّره أمام الرأي العام العربي، ولم يجن أحد عليه، ولكن «جنت على نفسها براقش».